كيف كان ريتشارد هولبروك سيصلح الوضع في سورية؟

نشر في 05-07-2013
آخر تحديث 05-07-2013 | 00:01
يشبه العلويون، الذين يسيطرون على حكم سورية، صرب البوسنة (ويصادف أن كلا الفريقين يتمتع بعلاقات لصيقة مع روسيا)، ويمكن تشبيه الأغلبية السنّية بمسلمي البوسنة (السنّة أيضاً)، أما الأكراد، فيبقون على غرار الكرواتيين على هامش الحرب الأهلية لتفضيلهم الاستقلال السياسي.
 ريل كلير من بين كل الأسماء المرتبطة بالسياسة الخارجية الأميركية المعاصرة، يثير قليلون ردود فعل أقوى من ريتشارد هولبروك. تتحدث تقارير كثيرة عن أن هولبروك كان متعجرفاً، ولا مبالياً، وعنيداً، وكما أخبرني زميل سابق، "اعتاد التملق والضرب"، لكنه يُعتبر الدبلوماسي الأكثر تأثيراً على الأرجح منذ عهد جورج كينان. فقد صاغت رؤيته وشخصيته القوية اتفاقيات دايتون للسلام (1995)، التي أدت إلى نحو عقدين من السلام في البلقان، ولا شك أن الإدارة الأميركية الحالية، التي تواجه أزمة في سورية لا تقل صعوبة عن الحرب الأهلية في البوسنة والهرسك خلال عهد كلينتون في تسعينيات القرن الماضي، تحتاج إلى دبلوماسي يتمتع بإرادة فولاذية كما هولبروك.

لعل الكلمات الأكثر عقلانية التي ذُكرت أخيراً عن سورية ما كتبه جيفري غولدبيرغ، فقد أقر أنه "واحد من ثلاثة صحافيين في الولايات المتحدة لا يعلمون ما على الرئيس الأميركي باراك أوباما فعله في سورية". يتملك الشعور بضرورة القيام بأمر ما، بدل الوقوف على الهامش، الكثير من صناع السياسات والنقاد، لكن كل الحلول التي قُدّمت لن تنجح على الأرجح في وضع حد لإراقة الدماء.

أما القرار الأخير بتسليح الثوار، فلا يحقق أي هدف غير التأكيد رسمياً ما كان يحدث سراً منذ أكثر من سنة؛ كذلك يقر معظم المراقبين أن منطقة الحظر الجوي المقترحة لن يكون لها أي تأثير يُذكر، غير أنها ستشكّل خطوة نحو التدخل العسكري الأميركي. علاوة على ذلك، يتوقع قليلون أن تساهم شحنات الأسلحة الخفيفة إلى مجموعات الثوار العلمانيين المفككة في سورية في تغيير النتيجة، في حين بدأ الأسد يستعيد زخمه خلال الأسابيع الأخيرة. تذكّر تقلبات الإدارة الحالية وترددها بما عانته إدارة كلينتون قبل عقدين، وفي جو الضياع الذي ساد آنذاك برز هولبروك.

منذ الأيام الأولى للحرب في البوسنة، طالب هولبروك، الذي كان يومذاك سفير الولايات المتحدة إلى ألمانيا، بتدخل قوة دولية كي تعيد السلام إلى المنطقة، وهو مَن أصرّ على الموقع غير المألوف للقاعدة الجوية في دايتون بأوهايو، حيث حالت حرية الصحافة المحدودة دون تسريب المعلومات وتطفل الصحافيين.

اتفقت الأطراف المتحاربة على منح البوسنة حكماً ذاتياً، كذلك كانت "قوة تطبيق" (IFOR) مسؤولة عن تطبيق الاتفاقيات باستخدام تقنية "فرض السلام" المستحدثة، فشكل كل هذا ذروة الإنجازات التي توصل إليها هولبروك في مسيرته المهنية، وربما أهم نجاح حققته إدارة كلينتون في مجال السياسة الخارجية.

على غرار البوسنة والهرسك عام 1995، لا وجود لسورية كأمة في الوقت الراهن، وهذه كانت حالها منذ سنتين، فقد باتت اليوم مقسّمة إلى ثلاث مجموعات منفصلة: العلويين، والسنّة، والأكراد. يشبه العلويون، الذين يسيطرون على الحكم في سورية، صرب البوسنة (ويصادف أن كلا الفريقين يتمتع بعلاقات لصيقة مع روسيا)، ويمكن تشبيه الأغلبية السنّية بمسلمي البوسنة (السنّة أيضاً): فهم يفتقرون إلى التنظيم وتجمعهم بدول الخليج العربي روابط تتيح لهم استيراد المجاهدين وغيرهم من المتطرفين، مع أن عدد مَن تدفقوا إلى البوسنة كانوا أقل بكثير. أما الأكراد، فيبقون على غرار الكرواتيين على هامش الحرب الأهلية، لأنهم يفضلون التركيز على الاستقلال السياسي، ولكن قبل تحقيق السلام، كان من الضروري الإقرار أن لمّ شمل البوسنة والهرسك كان مستحيلاً. على نحو مماثل، تُعتبر إعادة جمع سورية تحت حكم نظام واحد محاولة عقيمة، لا بل خطرة.

كما ذكرت أخيراً، يخالف دعم الثوار السوريين التابعين لتنظيم "القاعدة" مصالح الولايات المتحدة، وهذا ما تؤكده التقارير المتلاحقة من سورية، فقد أعلن السنّة الحرب على الأسد، والعلويين، وكل مَن يقفون إلى جانبهم، مثل المسيحيين وبعض النخب السنّية، وتبدو المملكة العربية السعودية ودول الخليج بمواردها الواسعة مستعدة لتقديم المساعدة والأسلحة إلى المتشددين.

لعل العقبة الأبرز التي تعترض تطبيق نموذج "اتفاق دايتون" في سورية وجود تنظيم "القاعدة" وأتباعه بين الثوار السنّة، وإن شكّل هذا الواقع حجة لرفض التدخل، يُعتبر بالتأكيد حجة أكبر ضد تسليح الثوار السوريين، ولكن بما أن تسليح الثوار الطريق الوحيد المتاح أمام الإدارة اليوم، يكون التأمل في اتفاقيات دايتون كنموذج محتمل قد يُطبَّق في سورية فكرة جيدة (أو سيئة) كسواها من الأفكار المطروحة.

إليكم ما قد يبدو عليه تطبيق أسس "اتفاقيات دايتون" على سورية:

- يضع المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة وروسيا الخطوط العريضة لخطة السلام، التي تشمل رسم حدود ثلاث مناطق شبه مستقلة (المنطقة العلوية، السنّية، والكردية)، فضلاً عن إقامة "منطقة فصل" بين الفصائل المتحاربة، وإعادة اللاجئين السوريين الذين هربوا إلى الأردن ولبنان وتركيا إلى مناطقهم الخاصة، ونقل بعض السوريين (إما طوعاً أو قسراً) إلى المناطق الإقليمية التي ينتمون إليها.

- تُرغَم فصائل الحرب الأهلية السورية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، حيث تُطرح عليها تفاصيل الاتفاق على اعتبار أنها أمر مسلّم به إلى حد ما، كما حدث في دايتون.

- ينشر حلف شمال الأطلسي، وروسيا، وأعضاء آخرون من بعثة فرض السلام الدولية قوات للحفاظ على منطقة الفصل، الإشراف على عملية نقل السكان وجهود العودة، وصون الاستقرار حتى تتمكن هذه المناطق من إجراء انتخابات إقليمية. كانت هذه باختصار الصيغة التي نجحت في البوسنة. صحيح أن تطبيقها في سورية ممكن أيضاً، إلا أنه بالغ الصعوبة.

بما أنني كنت أحد الجنود الأميركيين الشبان الذين شاركوا في قوات فرض السلام في البوسنة، شهدت تطبيق خطة هولبروك شخصياً. ولا أنسى مطلقاً مزارعاً بوسنياً في منطقة الفصل أضرم النار في منزله ومزرعته لأنه فضل إحراقهما على أن يُسلمهما إلى عدوه اللدود. تُعتبر سورية أكثر تقلباً مما كانت عليه البوسنة قبل عقدين، مع أن ذلك قد يبدو لنا صعباً، ولكن تشكل سورية اليوم محوّر صراع سني-شيعي أوسع، حيث تخوض المملكة العربية السعودية وإيران (واليوم الولايات المتحدة وروسيا) حرباً بالوكالة.

تبدو سورية محفوفة بالمخاطر من كل جانب، ويؤدي الوقوف على الهامش إلى أزمة إنسانية ويتيح لإيران و"حزب الله" توسيع نفوذهما في سورية، لكن دعم الثوار يعزز مصالح تنظيم "القاعدة" والمتطرفين الذين يلقون الدعم من المملكة العربية السعودية، وهكذا تحوّلت سورية إلى البربرية (وإلى أكل لحوم البشر حرفياً وقطع رؤوس المسيحيين). وقد تشكل قوة دولية لفرض السلام، على غرار ما شهدناه في البوسنة عام 1996، حلاً منطقياً للأزمة السورية. وبغض النظر عن عيوب ريتشارد هولبروك، تستطيع الإدارة اليوم الاستفادة من قوة إرادته، بدل أن تطيل الصراع بتسليح أعداء الولايات المتحدة.

Andrew Doran

* كان السكرتير التنفيذي للجنة الوطنية الأميركية التابعة لمنظمة اليونسكو في وزارة الخارجية الأميركية، حيث انتقل راهناً ليشغل منصب مستشار.

back to top