تغيّر وجه المنافسة الفضائية أوروبا تتطلع إلى الصين في السباق الفضائي!

نشر في 26-02-2013 | 20:29
آخر تحديث 26-02-2013 | 20:29
No Image Caption
بعد أن خفّضت الولايات المتحدة ميزانيتها وإمكاناتها في القطاع الفضائي، التفتت وكالة الفضاء الأوروبية إلى القوة الناشئة الجديدة في مجال الفضاء: الصين. قد يساهم التنسيق بين الفريقين يوماً في إطلاق فريق أوروبي صيني مشترك إلى القمر، رغم تعدد العوائق التي تحول دون ذلك حتى الآن.
في الفترة الأخيرة، وجد فريق من رواد الفضاء والمدرِّبين في وكالة الفضاء الأوروبية (مقرها باريس) أنفسهم وهم يحاولون الإبحار نحو جبهة غير مألوفة: قاعدة التدريب المخصصة في بكين لرواد الفضاء الصينيين، وتحديداً مستكشفو الفضاء الجدد في الصين.

انضم إلى الزيارة التي دامت أسبوعاً في شهر يناير إلى «مركز رواد الفضاء» في الصين ممثلون عن «مديرية الرحلات الفضائية البشرية» التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، إلى جانب رائد فضاء أوروبي شاب يدرس اللغة الصينية. قبل بضعة أسابيع فقط، زارت مجموعة من رواد الفضاء الصينيين «مركز رواد الفضاء الأوروبي» في مدينة كولونيا.

شجّع عدد من كبار المسؤولين في وكالة الفضاء الأوروبية على توثيق العلاقات لتنظيم رحلات فضاء مشتركة مع الصين التي أطلقت أول كبسولة مأهولة لها منذ عشر سنوات. كان اجتماع شهر يناير في بكين أحدث نشاط ضمن سلسلة سريعة من التبادلات العالية المستوى التي تهدف إلى التفكير أو حتى عقد تحالف فضائي جديد بين أوروبا والصين.

في الربيع الماضي، بعد إطلاق صاروخ نحو محطة الفضاء الدولية، حث أحد مدراء وكالة الفضاء الصينية على تسريع الجهود الفضائية المشتركة. لكن لم يُصدر رؤساء البرنامج الذي أصبح شاملاً أكثر من أي وقت مضى أي دعوة رسمية إلى رائد فضاء أوروبي للانضمام إلى طاقم العمل والمشاركة في مهمة تستعمل مركبة «شنتشو» الفضائية الصينية.

في أوروبا، يتولى توماس رايتر (رائد الفضاء السابق في المحطة الفضائية وهو يترأس الآن «مديرية الرحلات الفضائية البشرية») قيادة الجهود لتوثيق العلاقات مع الصين. في بداية عام 2012، صرّح رايتر لصحيفة «شبيغل»: «هدفنا، خلال العقد الراهن، هو أن تهبط مركبة فضائية صينية في محطة الفضاء الدولية أو أن تهبط مركبة فضائية أوروبية في محطة الفضاء الصينية».

العوائق أمام التعاون

لكن تقف عوائق كثيرة أمام تحقيق أهداف رايتر بتوثيق التعاون بين أوروبا والصين في المجال الفضائي:

·    أولاً، سيتطلب أي ميثاق فضائي جديد يغطي العمليات المشتركة مع رواد الفضاء الصينيين موافقة الدول الأعضاء العشرين في وكالة الفضاء الأوروبية.

·    ثانياً، لا تزال الاقتراحات بتحويل مركبة الشحن الفضائية الأوروبية، أي «مركبة النقل الآلية»، إلى كبسولة تستطيع نقل رواد الفضاء تنتظر موافقة وكالة الفضاء الأوروبية. لكن يؤكد رئيس قسم العلاقات الإعلامية في وكالة الفضاء الأوروبية، بال هفيستندل، على عدم وجود «أي خطط راهنة من جانب وكالة الفضاء الأوروبية بشأن طاقم عمل كبسولتنا الخاصة».

·    ثالثاً، يرفض الكونغرس الأميركي بشكل قاطع السماح للصين بالتحول إلى شريكة لمحطة الفضاء الدولية. يقول كلاي مولتز، أستاذ في الكلية البحرية في مونتري، كاليفورنيا، ومؤلف كتاب «السباق الفضائي في آسيا» (Asia>s Space Race) الذي صدر في عام 2011: «بسبب التجسس الصيني في قطاع الفضاء الجوي، يبقى هذا الموضوع شائكاً في الكونغرس الأميركي».

الاتكال على روسيا والصين

على صعيد آخر، حذرت اللجنة الاستشارية لسلامة الملاحة الفضائية ضمن وكالة «ناسا»، في تقريرها لعام 2011، من وجود «فرصة تفوق نسبتها الـ30% لتتمكن محطة الفضاء الدولية من تحمّل غياب المهمات خلال فترة معينة من مدة عملياتها المرتقبة». منذ أغسطس 2011، حين علّقت الولايات المتحدة عمل أسطول مكّوكها الفضائي القديم، اتكلت وكالة «ناسا» بشكل حصري على وكالة الفضاء الروسية «روسكوزموس» لنقل رواد الفضاء الأميركيين إلى محطة الفضاء الدولية. لكن كانت سلسلة الإخفاقات الحاصلة خلال السنتين الأخيرتين كافية للتشكيك بمصداقية القاذفات الروسية.

في ديسمبر 2012، اقتبس سكوت بايس، مدير معهد سياسات الفضاء في جامعة جورج واشنطن، معلومات من ذلك التقرير حين تحدث أمام الكونغرس عن وجهة «الناسا» الاستراتيجية. أعلن بايس في شهادته أن اللجنة الاستشارية لسلامة الملاحة الفضائية «تظن أن استمرار الاتكال على نظام إطلاق واحد وخارجي قد يؤدي إلى التخلي الموقت أو الدائم عن محطة الفضاء الدولية قبل انتهاء مدة عملها، ما يعني انحراف مسار العمل بشكل غير متوقع وخارج عن السيطرة قبل العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين».

بعبارة أخرى، غداة سلسلة من أسوأ الإخفاقات الممكنة (مثل وقوع حادث يهدد حياة الطاقم، وحصول عملية إجلاء بسبب حالة طارئة، ثم الفشل في إرسال فريق إنقاذ في الوقت المناسب لإنقاذ المحطة)، قد تعود محطة الفضاء الدولية لتهبط على كوكب الأرض مجدداً كما يفعل أي صاروخ عملاق.

لتجنب هذه الكارثة، يحث العلماء في الأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية شركاءهم في محطة الفضاء الدولية على الموافقة على خطط الطوارئ التي تضمن وجود نظامين بديلين على الأقل لإطلاق المركبات وضمان وصول البشر إلى محطة الفضاء الدولية. بما أن روسيا والصين أصبحتا اليوم القوتين الوحيدتين المخوّلتين إرسال الرواد إلى الفضاء، توصي جماعة الخبراء بتعديل مركبة «شنتشو» الصينية وفق معدات الهبوط الأميركية أو الأوروبية لتنفيذ المهمات المستقبلية في محطة الفضاء الدولية.

تغيير في قيادة المهمات الفضائية

فيما يدقق رؤساء البرنامج الفضائي الصيني بسجلات طلاب النخبة لإطلاق مهمة جديدة إلى المختبر الفضائي المداري «سكاي بالاس 1» في شهر يونيو، هم يضعون اللمسات الأخيرة أيضاً على خطط إرسال مستكشف آلي إلى القمر، فضلاً عن اختبار صاروخ جديد اسمه «لونغ مارش 5» لنقل أول رواد فضاء صينيين إلى سطح القمر.

تزامن التقدم الثابت الذي أحرزته الصين في علم الصواريخ ورحلات الفضاء البشرية مع سلسلة من الانتكاسات من جانب «الناسا» خلال السنوات الأربع الماضية.

مايكل غريفين هو عالم فيزيائي ومهندس فضائي ترأس وكالة «ناسا» بين عامي 2005 و2009، وهو يُعتبر في أوساط خبراء الفضاء الأميركيين واحداً من أعظم القادة في الوكالة. يعود ذلك أساساً إلى دوره السابق كمهندس رئيسي للمخططات الرامية إلى إنشاء مستوطنة بشرية على القمر بدءاً من العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.

تصوّرت هذه الخطط الطموحة ابتكار صاروخ قوي اسمه «آريس 5»، وكبسولة «أوريون»، ومركبة «ألتير» للهبوط على القمر، وذلك لإعادة الأميركيين إلى القمر حيث يمكن أن يُنشئوا مركزاً بشرياً دائماً. لكن ألغى البيت الأبيض البرنامج المسمى «كونستليشن» (Constellation) في عام 2010، بعد عام تقريباً على رحيل غريفين من «الناسا»، وذلك بسبب مشاكل في الميزانية. صحيح أن الكونغرس يسعى إلى إنقاذ مركبة «أوريون» الفضائية وإصدار أمر بتطوير مركبة بديلة، لكن يفتقر البرنامج الأميركي للرحلات الفضائية البشرية إلى التمويل والرؤية الشاملة.

نتيجةً لذلك، يقول غريفين إن الولايات المتحدة خسرت قدرتها على إطلاق رواد الفضاء في مهمات فضائية في الوقت الراهن. كما أنها تخلت عن موقعها السابق كزعيمة العالم في مجال الرحلات الفضائية المأهولة وسلّمت مكانتها إلى روسيا والصين.

مع تقدم الإنجازات الفضائية في بكين وتراجع مشاريع وكالة «ناسا»، «قد تكون الصين، إذا أرادت ذلك، أول من يطور قاعدة على القمر بعد عام 2020»، بحسب رأي غريفين.

أوروبا تقوي علاقاتها مع الصين

لكن منذ سنتين، انضمت وكالة الفضاء الأوروبية إلى مركز رواد الفضاء الصيني ووكالة الفضاء الفدرالية الروسية لإطلاق مهمة «مارس 500»، وهي محاكاة لمهمة فضائية دامت 520 يوماً وشملت طلعة جوية خلال 30 يوماً على سطح افتراضي للمريخ.`

اختبرت تلك التجربة قدرة طاقم عمل يتألف من ستة رواد فضاء روس ورائدين أوروبيين ورائد صيني على تحمّل رحلة طويلة والتواصل مع كوكب الأرض عبر جهاز راديو حصراً وإتمام مهمة مشتركة معاً.

تقول جينيفر نغو-أنه التي ترأست المشروع وتعمل في المركز الأوروبي لأبحاث وتكنولوجيا الفضاء في بلدة نوردفيك الهولندية الساحلية: «ستساهم تجربة «مارس 500» طبعاً في تحديد أفضل الظروف لإطلاق مهمة بشرية ناجحة إلى المريخ».

توضح نغو-أنه أن اختيار أعضاء طاقم العمل في مهمة «مارس 500» من مركز رواد الفضاء في الصين أشار إلى أن وكالة الفضاء الأوروبية «تحرص بشدة على التنسيق مع زملائنا الصينيين».

نظراً إلى هذا التنسيق والرغبة في تكثيف التعاون، لا بد من طرح سؤال واحد: إذا تابعت واشنطن رفض التعاون في الرحلات الفضائية مع بكين، فهل يمكن أن توافق أوروبا وروسيا والصين على مهمّتها المشتركة الخاصة إلى كوكب المريخ عبر الاستعانة بطاقم عمل مختلط يشبه الفريق الذي استُعمل خلال تجربة «مارس 500»؟

يوضح غريفين الذي يرأس الآن مجلس إدارة شركة «ستراتولانش»، شركة حديثة العهد مقرها ألاباما وأنشأها أحد مؤسسي «مايكروسوفت»، بول آلن، الذي يريد إحداث ثورة في مجال النقل الفضائي: «لا شك أن روسيا والصين ووكالة الفضاء الأوروبية تستطيع بدء العمل على برنامج مشترك لإرسال أول بعثة إلى المريخ».

يضيف غريفين: «سيمر بعض الوقت قبل تطوير وتنفيذ مهمة مماثلة، بغض النظر عن الطرف الذي سيقوم بها. لكنّ الإمكانات التقنية العامة في المجتمعات المعنية، لا سيما أوروبا، تشير إلى أنها تستطيع تحقيق الأمر بسهولة إذا أرادت ذلك. يستدعي المشروع إرادة اجتماعية والتزاماً جدياً وهو لا يقتصر على الإمكانات التقنية الأساسية فحسب».

back to top