7 نقاط في خطاب أوباما الأممي تكشف اهتراء سياسته الخارجية

نشر في 28-09-2013 | 00:01
آخر تحديث 28-09-2013 | 00:01
No Image Caption
 Michael Shank    يستحق خطاب الرئيس باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعض التدقيق، فبرزت تأكيدات متعددة لا تتماشى مع واقع الأمور، لذا لا بد من تسليط الضوء عليها.

أولاً، شكك أوباما في قدرة "الأمم المتحدة على مواجهة تحديات عصرنا"، ذاكراً في الملف السوري أن "مجلس الأمن أثبت أنه لا يميل إلى التحرك مطلقاً من دون وجود تهديد عسكري حقيقي". هذا الادعاء خاطئ.

لم تطرح الولايات المتحدة أي قرار يطلب الإذن باستعمال القوة العسكرية في سورية أمام مجلس الأمن، ولم تحصل أي تحركات تشبه ما فعله المجتمع الدولي من أجل ليبيا. القرارات الوحيدة التي طرحتها الولايات المتحدة قبل إطلاق تهديداتها العسكرية شملت قرارات مرتبطة بفرض العقوبات على خلفية استعمال الأسلحة الكيماوية. تحرك مجلس الأمن (لا سيما روسيا) بفاعلية أكبر حين قررت إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية (الولايات المتحدة) التحرك بشكل أحادي الجانب خارج صلاحيات مجلس الأمن.

ما حصل فعلياً في هذا المجال هو أن مجلس الأمن تحرك لمواجهة تحديات عصرنا من أجل إعادة الدول المختلفة (بدءاً من سورية وصولاً إلى الولايات المتحدة) إلى المسار الصحيح بعد أن راحت تلك الأطراف تتحرك خارج إطار القانون الدولي.

ثانياً، اعتبر أوباما "أننا عملنا معاً لإنهاء عقد من الحروب"، لكن الأصح هو أننا أوشكنا على إطلاق عقد جديد من الحروب تزامناً مع إنهاء العقد الماضي من الحروب. صحيح أن "جميع قواتنا العسكرية غادرت العراق" كما قال أوباما و"سينهي التحالف الدولي في السنة المقبلة حربه في أفغانستان"، لكن لا يعني ذلك أن الحروب انتهت هناك.

على أرض الواقع، يشهد العراق حتى الآن أعمال عنف بقدر ما فعل في ذروة الغزو الأميركي، ويمكن أن نشكر الولايات المتحدة على ذلك نظراً إلى إغفالنا التام عن المصالحة السياسية وخطة العدالة الانتقالية في بغداد. لقد فجرنا المكان وهربنا بكل بساطة.

كذلك، سيدوم هذا العقد الجديد من الحروب (في اليمن، وباكستان، والصومال، وليبيا، وربما سورية) طوال الفترة نفسها، وهو يتطلب المستوى عينه من المشاركة العسكرية الأميركية وأموال دافعي الضرائب. قد يعني ذلك استعمال طائرات إضافية بلا طيار وتكثيف الضربات الجوية مقابل تراجع عدد الجنود ميدانياً، لكن ستكون نسبة التكاليف والضحايا هائلة بالقدر نفسه.

ثالثاً، ذكر أوباما أن "العالم أصبح أكثر استقراراً مما كان عليه قبل خمس سنوات". إنه ادعاء خاطئ بشكل فاضح، فبعد أن عملتُ في بلدان عدة مزقتها الحرب، بدءاً من باكستان وأفغانستان وصولاً إلى سورية والفليبين وغيرها، اكتشفتُ أن أعمال العنف زادت في هذه البلدان بدل أن تتراجع، ففي باكستان مثلاً، كان الناس يحبون الولايات المتحدة، وكانت أغلبية الشعب تكن مشاعر إيجابية تجاهها، لكن تغير الوضع الآن، فانقلبت تلك المشاعر بسبب الضربات بطائرات بلا طيار، كذلك، أُلغيت رحلتي إلى اليمن هذا الأسبوع لدواعٍ أمنية، فيمكننا أن نشكر عملياتنا الجوية بالطائرات بلا طيار على هذه المخاوف الأمنية أيضاً.

رابعاً، أكد أوباما أن "النظام السوري استعمل أسلحة كيماوية خلال اعتداءٍ قتل أكثر من ألف شخص". لكن ثمة عنصرين غير دقيقين في هذه المعلومة؛ أولاً، لم يؤكد أي طرف ثالث بعد، عبر أدلة علمية موثوقة، أن النظام السوري استعمل الأسلحة الكيماوية فعلاً. تروج وزارتا الدفاع والخارجية الأميركيتان لهذه المعلومة.

كان من الأفضل أن ينتظر أوباما تأكيداً من طرف ثالث قبل أن يصرح بتلك "الواقعة"، ومن المناسب أن تتولى الأمم المتحدة أو "منظمة حظر الأسلحة الكيماوية" هذه المسألة، لندعهما تقومان بواجبهما.

ثانياً، لم يتأكد أي طرف ثالث موثوق من مقتل أكثر من ألف شخص في 21 أغسطس، إذ ذكرت منظمة "أطباء بلا حدود" سقوط أكثر من 300 شخص، بينما ذكر الفرنسيون سقوط أكثر من 500. مجدداً، يجب أن ندع الأمم المتحدة تقوم بواجبها كي تسمح بالكشف عن المسؤولين.

خامساً، ادعى أوباما في الملف الليبي أن "ليبيا، من دون أي تحرك دولي، كانت ستغرق الآن في الحرب الأهلية والأعمال الدموية". هذا التصريح المغلوط مقلق فعلاً لأن ليبيا لا تزال غارقة في حرب أهلية وأعمال دموية. لم يتحسن وضع البلد بعد عملية الغزو.

رغم تمويلنا لجماعات الثوار المشبوهة ومجموعة هائلة من فصائل المعارضة المسلحة (لم تتوافق في ما بينها سابقا ولا تزال غير متوافقة)، غادرنا ليبيا بعد أن فتحنا المجال أمام سفك الدماء وانتشار الفوضى أكثر من أي وقت مضى، وها نحن نقوم بالأمر نفسه في سورية نظراً إلى الممارسات المشبوهة وأعمال العنف نفسها التي ترتكبها جماعات ثورية كثيرة هناك.

سادساً، ذكر أوباما بكل ثقة أن الولايات المتحدة "لن تتحمل تطوير أو استعمال أسلحة الدمار الشامل"، وأننا "نرفض تطوير أي أسلحة نووية يمكن أن تطلق سباق التسلح النووي"، وأكد ضرورة أن تتحمل البلدان "مسؤولياتها بموجب معاهدة منع الانتشار النووي". المشكلة في هذا التصريح هي أن الأميركيين وحلفاءهم يطورون أسلحة الدمار الشامل بشكل مستمر، ولا يلتزم بعض هؤلاء الحلفاء بأجندة معاهدة منع الانتشار النووي، بما في ذلك إسرائيل والهند. إذا كان أوباما يؤيد مبدأ المحاسبة والمراقبة في هذا الملف، فيجب أن نبذل الكثير في هذا المجال كي تبدو مواقفنا متماسكة.

سابعاً، تحدث أوباما في ملاحظة صغيرة عن وجود "اضطرابات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". تبدو كلمة "اضطرابات" لوصف المعاناة الإنسانية والكفاح المتواصل (مع أنها ليست خاطئة من الناحية الواقعية) استعارة مغلوطة تعكس نزعة فوقية. إنه إطار خاطئ لطرحه أمام قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ كان من الأفضل أن يلجأ أوباما إلى نص "خطاب القاهرة"، فلم يتأثر أحد من الحاضرين بكلمة "اضطرابات"، وكانت هذه الكلمة زلة ارتكبها كاتب الخطاب.

من باب الإنصاف، برزت بعض التصريحات الواعدة والتساؤلات الاستفزازية في خطاب الرئيس الأميركي حين سأل مثلاً "ما دور القوة في حل النزاعات؟"، وحين اعتبر أن "استعمال الأسلحة الكيماوية لا مكان له في القرن الحادي والعشرين". كذلك، اعتبر أوباما أنه ليس مقتنعاً بأن "التحرك العسكري، سواء نفذته أطراف من داخل سورية أو قوى خارجية، يستطيع تحقيق سلام دائم"، وأكد أن "الوقت حان الآن كي يدعم المجتمع الدولي كله مساعي السلام".

كانت هذه التصريحات والأسئلة المفيدة ستكون في محلها لو أنها تؤدي إلى نتائج مغايرة، لكن لسوء الحظ، يؤمن أوباما باستعمال القوة لحل النزاعات (يكفي أن نراجع سجله في مجال السياسة الخارجية)، كما أنه مقتنع بضرورة تغيير الخطاب حول الأسلحة الكيماوية خلال القرن الحادي والعشرين (بما أن الولايات المتحدة استعملتها في أواخر القرن العشرين خلال حرب العراق، كما ساعدت صدام حسين على استعمالها ضد الأكراد وإيران)، فهو يبدي استعداده لاستعمال القوة من أجل إرساء السلام في سورية، ولم يقدم مساعدة كبيرة لدعم جهود المجتمع الدولي لتفعيل مساعي السلام.

في الحقيقة، ذهب أوباما إلى حد اعتبار أن الولايات المتحدة "مستعدة لاستعمال جميع عناصر قوتنا، بما في ذلك القوة العسكرية، لضمان المصالح الأساسية في المنطقة"، وتشمل تلك المصالح "التدفق الحر لمصادر الطاقة" و"النفط المستورد"، فبدا أوباما في هذه المسألة شبيهاً بجورج بوش الابن إلى حد بعيد.

الأسوأ من ذلك هو أن أوباما برر سياستنا الخارجية غير المتماسكة معتبراً أن "الولايات المتحدة ستتعاون أحياناً مع حكومات لا تلبي أبرز التوقعات الدولية ولكنها تتماشى مع مصالحنا الأساسية"، كما أكد استعداد الولايات المتحدة "لفرض الديمقراطية عبر القوة العسكرية"، فينسف الموقف الأول تفوق الولايات المتحدة الأخلاقي وقدرتها على تحديد المعايير الدولية، وينذر الموقف الثاني بسابقة جديدة وخطيرة في مجال السياسة الخارجية الأميركية، بمعنى أن التهديدات العسكرية تحقق الإنجازات الدبلوماسية.

أكثر ما يخيب الآمال هو أن الرئيس لا يدرك كيفية تجنب الصراع العنيف، مع أنه يريد "عالماً حيث يستطيع البشر أن يعيشوا بكرامة وأن يلبوا حاجاتهم البشرية الأساسية"، فإذا ركزت الولايات المتحدة على هذا الهدف الأخير (أي تلبية الحاجات البشرية الأساسية)، فقد نشهد تراجع منسوب العنف، وقد يقل عدد أعدائنا، وقد نفوز بتعاطف أعداد إضافية من البشر، لكن تتعلق تلك الأجندة بتقليص مستوى الفقر وتوفير فرص اقتصادية وتعليمية، وهي أمور لم تعطها الولايات المتحدة الأولوية في أماكن مثل بيشاور أو دمشق. حان الوقت كي نبدأ بفعل ذلك.

* مسؤول حائز شهادة دكتوراه ومدير قسم السياسة الخارجية في "لجنة الأصدقاء حول التشريع الوطني".

back to top