حوار الطرشان: المحتار

نشر في 09-02-2013
آخر تحديث 09-02-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان الأجيال تعاقبت، والعصور تبدلت، والقبور اندرست، ووسائل النقل اختلفت، وبيوت الطين والشعر انهدمت وتمزعت، حتى أضحت أثراً بعد عين، ننظر إليهم نظرة المتعطف، بعد أن كنّا ننظر إليهم نظرة المحتاج للفيء من لهيب رمضاء حارقة.

كل هذا تغير والإنسان العربي متقهقر إلى الوراء، فإن هو شحذ الهمم ليتقدم خطوة إلى الأمام، أتاه من يسحبه من ياقة ثوبه ليرده خطوتين إلى الخلف، وبعملية حسابية، أصبح الرجوع إلى الوراء أكثر خطوات من التقدم إلى الأمام على مر السنين، فتخلف عن الركب.

إن التخلف الرهيب الذي يعيشه الإنسان العربي، جعله منقسماً على نفسه أيما انقسام، علماً بأن الإنسان لا يقبل القسمه على اثنين، فهو إما أن يكون بهذا الجانب، وإما أن يكون بذاك الجانب، لأن المتوقف في المنتصف لا يملك القدرة على الاختيار، لأنه سيقع في المنزلة بين المنزلتين.

وهذا الإنسان الذي انقسم على نفسه حتماً سيكون تائهاً في هذا العصر الذي يعيشه ولا يعيشه، وضائعاً في هذه الحضارة المادية التي لا دخل له فيها من قريب ولا حتى من بعيد.

وانقسامه المزعج له يكمن في جمجمته التي تحمل "عقلين" ووجدانه الذي يستر "ضميرين"، الأمر الذي جعله أسيراً للتجزئة الثقافية، هذه التجزئة التي إن هي أضفت عباءتها على مجتمع جعلته شقياً متردياً مخنوقاً، معدومة الأولويات لديه.

والتجزئة التي يعانيها الإنسان العربي سببها من وجهة نظري "عربتي جر"؛ كل عربة تسير في الاتجاه المعاكس للأخرى: "عربة الدين" و"عربة الحضارة المادية"، والإنسان العربي والحال هذه مقيد بعربة الدين بعقل وضمير من جهة، ومقيدٌ أيضاً بالعربة الأخرى بعقل وضمير من جهة أخرى.

ومن جراء ذلك انشطر إلى نصفين، نصف يدعوه للتمسك بدينه، والنصف الآخر يلح عليه بالسير مع ركب الحضارة، الأمر الذي جعله مكتئباً حزيناً باكياً ضاحكاً متردداً لا يدري مع أي عربة يسير.

فإن هو سار مع عربة الدين، فلا يعلم أي مذهب يختار، ولا إلى أي طائفة ينحاز، ولا أي شيخ يقلد، فالأقوال كثيرة ومبعثرة، والفتاوى متلونة وغير متلونة بحسب الواقع الذي تعيشه تلك الفتاوى، حتى تشابه عليه البقر.

وإن هو تنكب لدينه واختار حضارته المادية، فإلى أي مدى من الإسفاف والتفسخ والانعدام الخلقي، يمكن أن تقف عنده هذه العربة.

فهل يتمسك بدينه الذي يحترم آدميته ويرفع من أخلاقه ويجعله مستنداً إلى قيم عظيمة، شائحاً الوجه في الوقت ذاته عن بعض شيوخ الدين الذين يبيعون الأوهام ويوزعون أجنحة المثالية ليحلق الإنسان في عالم افتراضي لا يحاكي واقعه ولا يمت إليه بصلة.

أم يتمسك بتلاليب هذه الحضارة المادية المبهرة التي ستخرجه بالضرورة من دائرة الآدمية لتجعل منه مجرد آلة من الآلات التي إذا انتهى عمرها وقلّ نفعها تم رميها في سلة مخلفات المجتمع الذي لا ينظر أفراده إلى مواطئ أقدامهم لأن نظرهم منصب نحو الأمام بحكم الوتيرة المتسارعة لأيامهم التي لا تمهلم لحظة للنظر إلى أسفل.

وإن نحن عرجنا على الإنسان الغربي نجده قد حدد الأولويات واختار من غير تردد السير في ركب الحضارة المادية، فهل هو سعيد بهذا الاختيار؟... للحديث بقية... والسلام.

back to top