تقرير اقتصادي: صفقة بيع «هاينز» تؤكد... الاقتصاد ليس مجرد بئر نفطية

نشر في 21-02-2013 | 00:02
آخر تحديث 21-02-2013 | 00:02
No Image Caption
• شركة مثل «أبل» قيمتها توازي الناتج المحلي الإجمالي لدولة الكويت 3 مرات!

• فلسفة التعليم وقيود الاستثمار تمنعان وجود مارك زوكربيرغ أو ستيف جوبز كويتي

«أبل» التي كانت قبل 15 سنة فقط على حافة الإفلاس استطاعت أن تعدل نموذج أعمالها وتشغل العالم بمنتجاتها اللوحية، لتتناوب صدارة الشركات الأكبر في القيمة السوقية مع واحدة من أهم الشركات النفطية العالمية إكسون موبيل، في صورة رائعة لكيفية منافسة العقل البشري الموارد الطبيعية.

خلال الأسبوع الجاري أعلنت شركة «إتش.جيه. هاينز» المشهورة بإنتاج «الكاتشاب» أنها وافقت على الاستحواذ عليها من قبل كونسورتيوم مستثمرين، بينهم الملياردير وارين بافيت، في اتفاق تصل قيمته إلى 28 مليار دولار.

وقبل هذه الصفقة بأشهر، تم الاكتتاب في أسهم شركة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» كشركة تحددت قيمتها السوقية بما يتجاوز 104 مليارات دولار، مع أنها لم تكن في يوم من الأيام أكثر من فكرة حالمة لمؤسس «فيسبوك» الطالب الجامعي مارك زوكربيرغ، الذي تحول الى ملياردير، لا بالاستثمار في النفط ولا حتى في مشتقاته بل فقط باستخدام عقله... لا أكثر ولا طبعا أقل.

وما بين «هاينز» الرائدة في المواد والمنتجات الغذائية و»فيسبوك» ثمة شركات لا يملك المراقب إلا أن يسجل درجة عالية من الذهول امام نتائجها التي اعتمدت على العقل والتسويق وبعض الموارد والسلع، إذ إن 4 من اكبر 5 شركات في القيمة السوقية عالميا لا علاقة لها بالنفط ولا البتروكيماويات ولا بمشتقاتهما، فمثلا شركة أبل تبلغ قيمتها السوقية اليوم نحو 410 مليارات دولار، اي اكثر من الناتج المحلي الاجمالي لدولة الكويت بنحو 3 مرات!

من الإفلاس إلى الريادة

«أبل» التي كانت قبل 15 سنة فقط على حافة الافلاس استطاعت ان تعدل نموذج اعمالها وتشغل العالم بمنتجاتها اللوحية لتتناوب صدارة الشركات الأكبر في القيمة السوقية مع واحدة من اهم الشركات النفطية العالمية «إكسون موبيل»، في صورة رائعة لكيفية منافسة العقل البشري مع الموارد الطبيعية ومثل أبل شركات كثيرة كمايكروسوفت وibm وانتل، ولا يقتصر الأمر على شركات التكنولوجيا والاتصال، بل حتى شركة تسويقية مثل وول مارت ستورز تصل قيمتها السوقية الى ربع تريليون دولار او شركات غذائية كاستحواذ «كرافت فودز» على شركة كادبوري مقابل 19.6 مليار دولار، حيث تبلغ مبيعات «كرافت» و«كادبوري» مجتمعتين نحو 72 مليار دولار، وهو رقم يوازي مبيعات شركة «نيستله» السويسرية.

الفكرة أن الاقتصاد الحقيقي ليس مجرد بئر نفط تنتج لنبيع فنستهلك، فالنفط سلعة اساسية ومهمة تدر مليارات الدنانير سنويا، الا ان الاعتماد عليها بنسب تركيز تناهز 93% من الدخل امر تكتنفه نسبة عالية من المخاطر، فهذه السلعة متذبذبة في ادائها ومتغيرة في عوامل العرض والطلب، والاهم من هذا كله ان سعرها ليس بمتناول أيدينا نحن الدول المصدرة، خصوصا الخليجية، فالعوامل المتحكمة في الطلب وكذلك العرض اكبر من قدرتنا على ضبط الأمور.

قد يتساءل أحدهم: «هذه الشركات العالمية شركات خاصة في حين ان النفط سلعة سيادية تبيعها الدولة، فأين الرابط بينهما؟».

والجواب: أن الرابط في هذه الحالة يتمثل في ان الدولة ليس من وظيفتها ان تمارس اعمالا تجارية كالتي تمارسها أبل او نيستله او اي شركة اخرى، الا انها ملزمة بأن توفر بيئة استثمار سليمة تبدأ من اعادة هيكلة نظم التعليم الى تغيير فلسفة سوق العمل، فما الذي يمنع أن يظهر لدينا مارك زوكربيرغ او ستيف جوبز كويتي في بلد اشتهر قبل 100 عام بقدرة قطاعه الخاص - البدائي وقتها - على الاستحواذ على نصيب الاسد من حركة التجارة بين الهند وشرق افريقيا طبقا للامكانات التي توفرت عندئذ واضمحلت بعد تصدير النفط وسيادة انماط الاستهلاك في المجتمع.

دور الدولة

دور الدولة في الاقتصاد لا يجب ان يكون داعما أو مساهما أو شريكا، بل ينبغي أن يوفر مناخا استثماريا يتيح للمبدع، والأقل ابداعا، ان يقدما نماذجهما الخاصة في العمل من خلال قوانين وقرارات واراض وتمويل، وهذا ما يتم التفكير فيه حاليا، خصوصا في المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والاهم ألا يقف الأمر عند مجرد التركيز على هذه المشاريع، فلا قيمة اقتصادية او تنموية يمكن ان تتحقق من مخرجات النظم التعليمية الحالية، وهذه هي اصل علة الاستثمار البشري في الكويت مع دول الخليج عموما.

دولة كالكويت 51 % من مواطنيها دون سن 21، يمكنها ان تطلق مفاعيل الإبداع لديها من خلال هذا الجيل الشاب القادم بدلا من ان تتعثر اليوم في توفير المقاعد الدراسية الجامعية، وغداً في توفير فرص العمل، فهذا الجيل يفترض ان لديه قيماً وأفكاراً ووسائل عمل تختلف عن اي جيل سابق، الا انه في الوقت ذاته يواجه تحديات اكبر من تحديات اي جيل سابق، فالأرقام المستقبلية تشير الى ان الطلب على العمل خلال 20 عاما من اليوم سيبلغ ضعف العدد الحالي بما يوازي 64 الف وظيفة سنويا، وهو امر خطير جداً في ظل احتلال الرواتب والاجور «ما بين البابين الأول والخامس» ما نسبته 48 في المئة من الميزانية، فضلا عن الاعتماد على مصدر احادي متذبذب السعر كالنفط.

أكثر من طموح وإرادة

لا يوجد أمر يمنع أن يتحول اي مشروع صغير الى مشروع عالمي، الا ان هذا الامر لا يرتبط فقط بالطموح والارادة وغيرهما، بل ايضا بتغيير البنية القانونية وطريقة اعداد الميزانية والتوظيف والنظرة للبيئة الاستثمارية، وهذه امور تحتاج الى تغيير فلسفة ادارة الدولة، وهو امر صعب الحديث فيه في ظل المعطيات الحالية، لكن علينا ان نسأل: ما الذي جعل دولاً كتايوان وسنغافورة تظهر على خريطة العالم الاقتصادية رغم أنها عديمة الموارد؟

back to top