امرأة واحدة بـ 48 شخصية! اضطراب الشخصية المتعدد...
هل يمكن أن تؤدي إساءة معاملة الأطفال إلى كبت الذكريات وظهور شخصيات متعددة؟ لم تعد هذه القناعات رائجة في الولايات المتحدة لكن لم تواكبها بريطانيا بعد في هذا المجال. {نيو ساينتست} تابعت الأبحاث وجاءت بالتالي.
كانت كارول في ذروة مرضها تملك عشرات الشخصيات المختلفة التي تشمل طفلتين: لوسي (9 سنوات) و{كارول الصغيرة» (5 سنوات) التي تحب مشاهدة قنوات الأطفال.كذلك، برزت شخصية أخرى كانت عبارة عن امرأة أكبر سناً اسمها لويز وكانت قد استعادت للتو ذكريات مزعجة: تعرضت كارول/لويز في سن صغيرة لاعتداء جنسي من والديها وأُجبرت على الانخراط في عالم إباحية الأطفال. ثم ظهرت شخصية أكثر عدائية وكانت تؤدي دور المدافعة عن كارول وتثور غضباً خلال أي جلسة استجواب.
قد تبدو هذه الحالة مثالاً متطرفاً على اضطراب الشخصية المتعدد، لكن سرعان ما اكتشفت كارول أن الواقع أكثر غرابة. لم تكن أيٌّ من تلك التفاصيل صحيحة: لا الإباحية ولا الاعتداء الجنسي ولا اختلاف الشخصيات. ظهرت جميع هذه العوامل بسبب طبيب كارول النفسي. تقول كارول: «كان الطبيب جذاباً جداً ويجيد التلاعب بالناس».لو كانت حالة كارول استثنائية، يمكن أن نقول إن وضعها جاء نتيجة لقاء مريضة ضعيفة بطبيب مُضلَّل. لكنّ كارول ليست وحدها. يعتبر المشككون بظاهرة اضطراب الشخصية المتعدد أن غالبية تلك التشخيصات مجرد أوهام وتنجم عن تقنيات محفوفة بالمخاطر قد تزرع أفكاراً معينة في عقول الناس.احتدم الجدل طوال سنوات عدة، لكن بدأ معظم الآراء في الولايات المتحدة ينقلب على مفهوم اضطراب الشخصية المتعدد. أما في بريطانيا، فقد انطلقت حملة لتعزيز الوعي عن هذه الحالة ولجعل العلاج متوافراً على نطاق أوسع. بصفتي صحافية مختصة بإجراء التحقيقات وبعدما كتبتُ عن هذا الموضوع طوال سنوات، أسعى الآن إلى نيل شهادة دكتوراه وأحضّر أطروحة عن اضطراب الشخصية المتعدد والأمور المثيرة للجدل ذات الصلة، ويبدو أن بعض المعالجين النفسيين البريطانيين لا يدرك أن اضطراب الشخصية المتعدد لم يعد رائجاً على الطرف الآخر من الأطلسي. يقول كريس فرانش، طبيب نفسي وباحث في مجال الذكريات المزيفة في كلية غولدسميث، جامعة لندن: «ارتفاع مستويات قبول هذا التشخيص المشبوه في بريطانيا أمر مثير للقلق. ثمة أقلية واسعة من المعالجين النفسيين الذين يصدقون أفكاراً غير مثبتة».إذا أردنا تحديد سبب واحد يفسر حماسة الأطباء والرأي العام تجاه ظاهرة اضطراب الشخصية المتعدد، فيمكن التحدث عن كتاب «سيبيل» (Sybil) الذي نُشر في عام 1973. قيل إنه مقتبس من قصة حقيقية عن امرأة لديها 16 شخصية، وسرعان ما تحول الكتاب في مرحلة لاحقة إلى فيلم حظي بنسبة مشاهدة عالية وكان من بطولة سالي فيلد. أشار بعض التقديرات إلى أن خِمس الشعب الأميركي تقريباً شاهد الفيلم.نشر فيلم Sybil فكرة مفادها أن إساءة معاملة الأطفال قد تؤدي إلى تطوير شخصيات متعددة. فيتخيل الأطفال الذين تعرضوا للإساءة أن تلك الأحداث المريعة تصيب شخصاً آخر، ما يؤدي وفق هذه النظرية إلى نشوء كيان ذاتي مختلف ومعزول خلف جدار فقدان الذاكرة. يخلق البعض «شخصية» جديدة مقابل كل حادثة استغلال. لكنّ شخصية الطفل الأصلية لا تتذكر الحدث الصادم.لا تظهر تلك الشخصيات المختلفة إلا خلال العلاج النفسي في مرحلة الرشد: عند الخضوع لجلسات كافية، قد تندمج الشخصيات مجدداً ضمن شخصية واحدة.حقائقبدأ عدد حالات اضطراب الشخصية المتعدد ينمو. في عام 1980، أُدرج هذا التشخيص ضمن أهم كتاب بالنسبة إلى أطباء النفس الأميركيين، «الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية». وصُنفت الحالة على أنها شكل متطرف من مؤشر أكثر شيوعاً (وأقل إثارة للجدل): الانفصال عن الواقع. يشعر المصابون بهذه الحالة أنهم بعيدون عن أرض الواقع وقد يعانون نوبات من فقدان الذاكرة. بين عامي 1980 و1998، سُجلت 40 ألف حالة من اضطراب الشخصية المتعدد في الولايات المتحدة وحدها، مقارنةً بأقل من 200 حالة مسجلة عالمياً قبل صدور فيلم Sybil.مع مرور الوقت، زادت طبيعة اضطراب الشخصية المتعدد غرابةً. بدأ عدد الشخصيات التي يتقمصها كل مريض ينمو، فارتفع من معدل شخصيتين لكل فرد إلى 16 (مثل شخصيات {سيبيل} في الفيلم) ثم تضخم العدد وبلغ مئة أو أكثر. قد تشمل الحالة شخصيات من الجنس الآخر أو حيوانات (كركند في إحدى الحالات).منذ البداية، برزت شكوك بشأن حقيقة اضطراب الشخصية المتعدد. في المقام الأول، كانت هذه الحالة مرتبطة بفكرة أخرى مثيرة للجدل، أي النظرية القائلة إننا نستطيع قمع ذكريات الأحداث الصادمة ولكنها تعود وتظهر خلال جلسات العلاج النفسي.يعتبر المشككون دوماً أن هذه الفكرة تتعارض مع التجارب اليومية لدى معظم الناس، بمعنى أن الأحداث المزعجة تخلّف ذكريات حية لا مقموعة. يقول المشككون إن تلك الذكريات لا يمكن استرجاعها، بل إنها مزيفة أصلاً وهي تنجم عن تقنيات علاجية مغلوطة قد تشمل طرح أسئلة إيحائية وتشجيع المرضى على تخيل أحداث معينة خلال تنويمهم مغناطيسياً أو أخذ أدوية الباربيتورات.مجرد أوهامكذلك، يقول المشككون بظاهرة اضطراب الشخصية المتعدد إن الشخصيات المختلفة مجرد أوهام تظهر خلال العلاج النفسي. لا يقع الجميع ضحية هذه العملية طبعاً، لكن قد تكون أقلية من الناس هشة ولا سيما الأشخاص الحالمين الذين يميلون إلى التخيّل.حين يقتنع المريض بتلك الفكرة، يبدأ بلوم شخصياته الأخرى على أي تقلبات مزاجية أو خصائص صعبة في شخصيته. توضح لوفتوس التي قدمت أدلة عن الذكريات المزيفة في عشرات القضايا في المحاكم: «حين يواجه الناس عوارض اضطراب الشخصية المتعدد، يجب أن نتساءل عن طريقة إصابتهم بها. لا أظن أنني شاهدتُ حالة ناجمة عن صدمة في الطفولة. لكني عاينتُ حالات كثيرة تحصل بسبب المعالج نفسه».فضلاً عن الأسئلة الإيحائية، يتأثر الناس أيضاً بما سمعوه عن اضطراب الشخصية المتعدد في الصحف وعلى شاشات التلفزة بحسب ستيف جاي لين، خبير في علم النفس في جامعة بينغهامتون في نيويورك، وأحد محرري كتاب «العلم والعلوم الزائفة في علم النفس العيادي» (Science and Pseudoscience in Clinical Psychology): «تضخمت قناعات الرأي العام بسبب قطاع الوسائط المتعددة العالمي».اتخذت حركة استرجاع الذكريات المقموعة منحىً غريباً خلال الثمانينيات، عندما بدأ بعض المعالجين النفسيين يؤكد أن مرضاه كانوا ضحايا طقوس منظَّمة تحصل خلال عبادات شيطانية وممارسات مثل التضحية بالأطفال وأكل لحوم البشر. فانطلقت في المرحلة اللاحقة حملات (أشبه بمطاردة الجن فعلياً) ضد الأهالي أو مقدمي الرعاية للأطفال بتهمة استغلال الأولاد بطرق شيطانية في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول كثيرة أخرى.حتى إن بعض الناس ادعوا أنهم استرجعوا ذكريات عن فترة وجودهم في رحم أمهم أو في حياة سابقة أو عن مقابلة كائنات فضائية. يقول كريس فرانش: «إذا كنتم مقتنعون بتقنيات استرجاع الذكريات المقموعة، فيجب أن تصدقوا عمليات الخطف على يد الكائنات الفضائية. تُستعمل التقنيات نفسها في الحالتين».كان طبيب كارول النفسي يصدق تلك الأمور. بدأت كارول العلاج بسبب الضغط النفسي بما أنها أم عزباء تدرس في الجامعة وتشغل وظيفتين. ذكرت أمام الطبيب النفسي في جامعتها أنها «تتحول إلى طيار آلي» حين تشعر بالضغط كي تتمكن من المضي قدماً، فاعتبر أن هذا الأمر يشير إلى حالة الانفصال عن الواقع وحثها على استشارة زميل له متخصص بحالة اضطراب الشخصية المتعدد.شخَّص المعالج النفسي اضطراب الشخصية المتعدد عند كارول خلال جلستها الأولى. وهكذا بدأت سنوات من العلاج وأصبحت تتقبّل بعض المفاهيم الخيالية (بتشجيع من طبيبها) مثل تعرضها للتحرش من والديها فضلاً عن مشاركتها في طقس شيطاني وخطفها من كائنات فضائية.لا عجب في أن حالة كارول العقلية لم تتحسن. بل إنها ابتعدت عن والديها وبدأت الكوابيس تراودها. تقول: «كنت أتذمر لأن حالتي تزداد سوءاً فقيل لي إن علاج اضطراب الشخصية المتعدد يحتّم تدهور الحالة دوماً قبل التحسن». لكن ثارت كارول على وضعها بعد بضع سنوات: «أخبرتُه بأنني لا أريد متابعة علاج اضطراب الشخصية المتعدد لأنه يجعلني مريضة».سرعان ما أدركت كارول أن عوارض تعدد الشخصيات التي كانت تواجهها مجرد تقلبات مزاجية بفضل حلقة من برنامجSesame Street . تتذكر كارول: «في ذلك اليوم، كانت المشاعر هي الموضوع الذي قدمه «غروفر» و{كيرمت». راحت الدمى تصف شعوراً معيناً ثم تشرح للمشاهدين طريقة إحساسهم وتُظهر ما يصيبهم بسبب ذلك الشعور».كانت تلك اللحظة حاسمة. أدركت كارول أن الشخص قد يختبر مشاعر مختلفة من دون الانتقال إلى شخصية مختلفة: «تذكرتُ أنني لم أنتقل يوماً إلى شخصيات أخرى حين كانت تنتابني مشاعر مختلفة قبل أن أبدأ العلاج». لم تعد كارول تتصرف وكأنها تملك شخصيات مختلفة، فقد أدركت في نهاية المطاف أن الذكريات التي «استرجعتها» كانت مزيفة أيضاً بفضل مجموعة اسمها «مؤسسة متلازمة الذكريات المزيفة» في فيلاديلفيا. تشكلت تلك المؤسسة لدعم العائلات المتّهمة زوراً بالإساءة إلى أولادها وقد تواصلت ستة آلاف عائلة معها خلال سنتين.حاولت كارول لاحقاً مقاضاة طبيبها بتهمة سوء ممارسة المهنة لكن سرعان ما أُلغيت القضية بسبب مرور الزمن بعد تأجيلات عدة. لهذا السبب، غيرنا اسم كارول الحقيقي وتفاصيل أخرى يمكن أن تُعرّف عنها في هذه المقالة.لكن حقق مرضى آخرون كانوا مصابين سابقاً باضطراب الشخصية المتعدد النجاح في المحاكم. كان تنامي عدد القضايا ضد المعالجين المقتنعين بصحة المرض هو الذي مهّد لتراجع هذا التشخيص في أواخر التسعينيات.شملت أول قضية ناجحة طبيبة نفسية من مينيسوتا اسمها ديان هامينانسكي، وكانت قد شخصت اضطراب الشخصية المتعدد لأحد المرضى نتيجة تحرش جنسي في الطفولة. تلقى المريض أكثر من مليوني دولار بعدما استنتجت لجنة المحلفين أن الذكريات كانت مزيفة.ثم تلاحق بعض الدعاوى القضائية الناجحة. انتهت قضية رُفعت ضد الطبيب النفسي بينيت براون من شيكاغو بدفع مبلغ قياسي وصل إلى 10.6 ملايين دولار وقد شملت الحالة مريضاً له 300 شخصية. يقول كريس باردن، طبيب نفسي ومحامي تولى تنظيم قضايا كثيرة بتهمة سوء ممارسة المهنة: «بسبب تداعيات تحمّل المسؤولية القانونية، تم إغلاق معظم عيادات اضطراب الشخصية المتعدد في المستشفيات».سُحبت أو أُلغيت رخص بعض المدافعين البارزين عن علاج استرجاع الذكريات المقموعة واضطراب الشخصية المتعدد. اتضحت تداعيات هذه الأحداث أيضاً عبر التراجع الحاد في عدد الأبحاث الطبية المعنية بالمرض. يوضح باردن: «وصل معظم التفاهات بشأن اضطراب الشخصية المتعدد إلى نهاية مؤلمة».لا يزال اضطراب الشخصية المتعدد وارداً في كتب طب النفس (بات الآن يحمل اسم «اضطراب الهوية الفصامي») لكن بدأ نجمه يتلاشى. على سبيل المثال، يقول طبيب النفس البارز آلن فرانسيس الذي أشرف على النسخة الرابعة من «الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية» إن زيادة تشخيصات اضطراب الشخصية المتعدد خلال الثمانينيات كانت مجرد «بدعة وهمية». وذكر في كتاب شارك في إعداده مع زميل له: «لا ننكر وجود حالة اضطراب الهوية الفصامي بالكامل، فقد شاهدنا ثلاث حالات حقيقية خلال 45 سنة من ممارسة مهنتنا».روزي واترهاوس صحافية في لندن وهي تحضّر أطروحة الدكتوراه حول الخرافات بشأن اضطراب الشخصية المتعدد والطقوس الشيطانية، تحت إشراف كريس فرانش في كلية غولدسميث، جامعة لندن. وفّرت كلير ويلسون تقارير إضافية عن الموضوع.ردود فعل عنيفةفي عام 2006، وقّع 83 طبيباً نفسياً وباحثاً في مجال الذاكرة أسماءهم في «ملخّص المحكمة» (موجز حول آراء الخبراء الموضوعية خلال قضية معينة، وقد عارضوا فيه فكرة اضطراب الشخصية المتعدد). يقول باردن الذي كان أحد الموقّعين: «أجمعنا على أن مختلف مفاهيم الذكريات المقموعة واضطراب الشخصية المتعدد مجرد خرافات خبيثة».طُرحت أسئلة أيضاً حول فيم Sybil. وفق كتاب Sybil Exposed الذي يفضح حقيقة القصة وصدر في عام 2011، كانت المريضة المعنيّة شخصاً مضطرباً وقد استغلها معالج نفسي وصحافي سعياً وراء الشهرة.لكن في أوروبا التي تشهد نسبة أقل من هذه القضايا، لا يزال اضطراب الشخصية المتعدد تشخيصاً موثوقاً فيه، وكأن الأنباء عن ردود الأفعال العنيفة تجاه المرض لم تعبر الأطلسي مطلقاً. يقول كريس فرانش: «تأخرنا في مواكبة الموجة السائدة حين تنامت هذه الظاهرة في الولايات المتحدة وها نحن نتأخر الآن في التحرك تزامناً مع تقلّصها».في السنة الماضية مثلاً، نشر باحثون بريطانيون وهولنديون دراسة شملت مسوحات دماغية عند 11 شخصاً يُفترض أنهم مصابون باضطراب الشخصية المتعدد. أثناء التمدد في الماسحة الضوئية، طُلب من المرضى أن يناقشوا تجربة صادمة لا تدركها إلا شخصية واحدة من شخصياتهم أثناء تقمّصها. في المرحلة التالية، «ذكّروهم» أثناء تقمص شخصية أخرى بتلك الأحداث المزعجة. لوحظ ارتفاع النشاط الدماغي عند الشخصية الأولى مقارنةً بالشخصية الثانية التي يُفترض أنها لا تعلم بتلك الأحداث. لم تُسجَّل النتائج نفسها ضمن مجموعة مرجعية حيث طُلب من الأفراد بكل بساطة أن يتخيلوا تقمّص شخصيات مختلفة. بحسب رأي الباحثين، أثبتت تجربتهم أن اضطراب الشخصية المتعدد حالة واقعية.لكن لم يقتنع المشككون بذلك. يقول سكوت ليلينفيلد، طبيب نفسي في جامعة إيموري في أتلانتا: «المصابون باضطراب الشخصية المتعدد يشكلون هوياتهم وذكرياتهم على مر السنين. تكون تلك الذكريات مترسخة بعمق ويصدّقها المرضى فعلاً».وجدت دراسة حديثة شملت أكثر من 300 معالج نفسي بريطاني أن ثلثهم على الأقل مقتنع بأنه يعالج مريضاً مصاباً باضطراب الشخصية المتعدد. واعتبر عدد مماثل أن ادعاءات الطقوس الشيطانية تكون دقيقة في العادة. في المقابل، لم تجد تحقيقات الشرطة أي أدلة على ممارسات شيطانية وتُعتبر تلك الادعاءات الآن مجرد خرافات.رغم نجاح عدد من القضايا، ثمة شبكات متداخلة من المقتنعين بصحة اضطراب الشخصية المتعدد وتقنية استرجاع الذكريات المقموعة والممارسات الشيطانية (خليط من المعالجين و{الضحايا» والمفكرين المقتنعين بنظريات المؤامرة وهم ينشرون الكتب ويديرون المواقع الإلكترونية ويتقابلون خلال المؤتمرات). في شهر مارس مثلاً، عقدت «الحملة للاعتراف بالانفصال عن الواقع وتعدد الشخصيات» اجتماعها الوطني الثاني في لندن، وحضره حوالى 200 شخص. كان الهدف نشر اضطراب الشخصية المتعدد على نطاق أوسع وإقناع «خدمة الصحة الوطنية» في بريطانيا بتمويل العلاج على المدى الطويل.هل يمكن أن يحصل ذلك؟ يجيب فرانش: «لنأمل أن تسير بريطانيا على خطى الولايات المتحدة عبر رفض هذا الطلب مثلما سارت على خطاها حين قبلت بتشخيص اضطراب الشخصية المتعدد في المقام الأول». {باغز باني}ظهرت أقوى الأدلة التي تدحض صحة استرجاع الذكريات المقموعة مع إليزابيث لوفتوس، طبيبة نفسية في جامعة كاليفورنيا، إيرفين. أثبت فريقها أن تلك التقنيات قد تُنشئ ذكريات مزيفة عن الطفولة.من المعروف أن لوفتوس كانت تجعل الناس يظنون أنهم يقابلون شخصية «باغز باني» في ديزني لاند (إنه أمر مستحيل لأن شخصية «باغز باني» لم تكن من ابتكار شركة «ديزني» بل «وارنر براذرز»). وفق تقديرات لوفتوس، يكون ثلث الناس تقريباً عرضة لتكوين ذكريات مزيفة.يمكن أن تصطدم دراسات لوفتوس بمجموعة واسعة من أبحاث علم الأعصاب التي تفسر ما قد يجعل ذكرياتنا شائبة. كل مرة نتذكر فيها حدثاً ماضياً، يصبح رمزه في نقاط الاشتباك العصبي مرناً، وبالتالي عرضة للتغير.بعبارة أخرى، إذا كنت تتذكر تفاصيل مبهمة عن ليلة مزعجة في المخيّم خلال طفولتك وطلب منك أحد أن تتخيل وقوع الإساءة في تلك الليلة، قد تكوّن ذكرى مماثلة لا سيما إذا كان الشخص الذي يطلب ذلك معالجاً نفسياً موثوقاً يقنعك بأن المشاكل كلها تنجم عن الآثار التي خلّفها سوء المعاملة خلال الطفولة، وبالتالي تقضي الطريقة الوحيدة للتعافي ببدء تذكّر الحدث. توضح لوفتوس: «يمكن أن يحصل الأمر بهذه الطريقة. وقد يقول المعالج النفسي: 80% من الناس الذين يواجهون عوارضك كانوا قد تعرضوا لسوء المعاملة».