«أم كلثوم» لأسعد عرابي... موسيقى اللون والتجلي

نشر في 27-05-2013 | 00:01
آخر تحديث 27-05-2013 | 00:01
زيَّنت لوحات {أم كلثوم} للفنان والناقد السوري أسعد عرابي مراراً الصالات التشكيلية، وحظيت باهتمام النقاد عندما عُرضت في القاهرة، ودبي وفي معرضه الجديد في غاليري «أيام» في جدة في السعودية. يعيد الفنان زيارة موضوع المطربة المصرية أم كلثوم، فيرسمها لوحات تعبيرية تقديراً لموهبتها، وكبحث في العلاقة الأوسع بين الموسيقى والرسم في الوقت نفسها.
افتتان الفنان أسعد عرابي بعلاقة المرئي بالسمعي واضح في أعماله، حيث يشكل لوحات تعدّ بمثابة دليل على الرابط الوثيق بين فعل الرسم وعزف الموسيقى، كونهما نوعين فنيين استمدا من بعضهما الإلهام والتحفيز عبر التاريخ. يولي عرابي من خلال عمله الإيمائي هذا اهتماماً وثيقاً باللون، أو يرسم كلمات ممزوجة بالألوان والموسيقى، تستدعي إلى الذهن صورة قائد أوركسترا يقود فرقته الموسيقية خلال سيمفونية انفعالية، ارتعاشات فرشاة تعبّر عن أشواق العودة إلى مرحلة زمنية غابرة، لكنها مرحلة حاضرة عبر رموزها وعناصرها وناسها. فالفنان يقدم أم كلثوم في صور متنوعة، صور تحيل إلى الحفلات ذات الطابع «الأوبرالي» الطربي الذي يجعل من الألوان تتحدث بلغة الموسيقى والجسد والجمهور ونداء الروح، ويستحضر أبرز ملامح المشاهد التي كانت تظهر بها تلك المطربة «المؤسطرة».

 على عكس كثير من الفنانين الذين رسموا أم كلثوم، لم يركز عرابي على وجه {ثومة} تحديداً ولا على جمودها ولم يحولها أيقونة، إذ أراد أن يجعل المتلقي يعيش حفلاتها بطريقته الفنية يستعيد لوعتها والحنين إليها، فهو يعطي عود محمد القصبجي حقه، ويصور الموسيقار الراحل جالساً هائماً في عشقه المدفون تجاه المرأة التي تصدح بصوتها، يحضن عوده كما لم يحضن غيره، يسرح أحياناً من دون أن يخطئ بنغمة، إنه القصبجي الذي ظل حاضراً في فرقة كوكب الشرق حتى بعد وفاته، وحاضراً في لوحات عرابي أيضاً، فكرسيه في الحالين موجود، وفي بعض الأحيان يده الخفية تضبط اللحن، إنه الحضور القوي الذي لم تتخل أم كلثوم عنه طوال حياتها.

إيقاعات لونية

يرسم أسعد عرابي الحالة المسرحية الكلثومية التي يدوزن بها إيقاعاته الفنية اللونية. علاقات عناصره وفضاءاته وتلويناته مفتوحة على التأويلات كافة، يربطها تأكيده التقديمي في أن أم كلثوم كائن مسرحي وطقسي يرقص بالإشارات والتهاليل والابتهال الروحي والجسدي. يلتقط عرابي لحظة التجلي القصوى أو نشوة أم كلثوم الطربية، فتراه يركز على شد عنقها للأعلى مع حركة منطقة الذقن وإقفال جفونها كأنها في لحظة غرام مع صوتها، يلتقط وضعيتها في منتصف أدائها برأسها المنحني إلى الخلف وذراعيها المرتفعتين عالياً، فارضة ذاتها على الجمهور والمستمعين. تعبّر هذه الحالة عن وصولها إلى مرحلة عليا من الطرب والتجلي والسفر الروحي أو هي نداء الروح في الأقاصي وربما أفيونها.

في المشهد الأساس من لوحة عرابي،  تقف أم كلثوم شامخة بمنديلها الشهير، وبتفاصيلها كافة وحركاتها وسكناتها، بينما يصطف أفراد الفرقة من ورائها، وهنا يتناغم اللون مع الموسيقى، وتتناغم الموسيقي مع روحية الفنان الذي يريد اكتشاف تجلي لحظ السماع. لم يكتف عرابي بهذه التفاصيل الظاهرة، والمشاهد المباشرة، بل أكسب المشهد شيئاً من روحه وخياله وأحلامه وتصوفه أيضاً، واختبر حنيناً جماعياً لهذه الفنانة.

بين عامي 2010 و2011 استمع عرابي إلى أم كلثوم يومياً أثناء قيامه بالرسم في طقوس غامرة أرغمته آنذاك على دراسة جانب من جوانب أدائها، بالإضافة إلى الموسيقيين الذين عزفوا إلى جانبها. ففي حين كرّمت مجموعة عرابي السابقة {الحنين} أيقونة موسيقية ورد الفعل العاطفي الشديد الذي ألهمها، ترفع مجموعة أم كلثوم الجديدة دراسات عرابي إلى أبحاث تفصيلية عليا حول هذه الشخصية الثقافية الأيقونية.

يستمر المعرض حتى 30 مايو.

back to top