لماذا كل هذا القلق والخوف على مصر؟!

نشر في 31-07-2013
آخر تحديث 31-07-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي -1-

ما حدث ويحدث في مصر يمكن أن يحدث في أي بلد عربي، لا سيما أن العالم العربي ما زال غير مستقر حتى الآن بعد مضي أكثر من نصف قرن على خلاصه من الاستعمار ونيله الاستقلال السياسي الذي كان كارثة كبرى لعدم وجود كوادر سياسية- غير العسكرية- قادرة على حكم وإدارة البلاد، وملء الفراغ السياسي الذي تركه الاستعمار الفرنسي، والبريطاني، والإيطالي. ورغم ذلك، فإن أي حدث مصري سواء في السياسة، أم في الاقتصاد، أم في الاجتماع، أم في الثقافة، أم في الفن له أثر ووقع أكبر بكثير من أي أثر أو وقع لأي حدث عربي مماثل.

فلماذا كان الأمر كذلك؟

-2-

كان المصريون- وما زالوا- يقولون، "إن مصر أم الدنيا"،

وكان العرب يرددون هذا القول من ورائهم، باعتبار أن العالم العربي كان هو "الدنيا" كلها. ومصر بالتالي، هي أم العرب (الدنيا).

وقد صدق الجميع بهذا القول، وبهذا الإحساس تجاه مصر.

فمصر، منذ أيام الفراعنة، كانت ذات حضارة، وتقدم.

ومصر، أيام حكم المماليك، كانت منبع ومركز الحركة الصوفية في العالم العربي كله، وكان يرحل إليها زعماء الصوفية من المغرب العربي، وبلاد الشام، والجزيرة العربية، وغيرها.

ومصر، في عهد محمد علي باشا، كانت "أم الدنيا" حين لم تكن هناك "دنيا" غير "دنيا" اليابان، فأرسل الميجي بعثة إلى مصر، لكي تقف على خطوات نهضتها، لتنهض اليابان كما نهضت مصر في القرن التاسع عشر. ومصر، هي الدار التنويرية التي لجأ إليها في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، أحرار ومفكرو العالم العربي من بلاد الشام، والجزيرة العربية، والعراق، وغيرها. ومصر، هي التي أنارت بلاد الشام بالحرية، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان، حين فتحها إبراهيم باشا عام 1830م، ولولا المؤسسة الدينية الأصولية والسلفية الشامية، لما ترك الباشا بلاد الشام لقمة سائغة، في الحنك العثماني المتخلف.

ومصر، هي بؤرة التنوير في العالم العربي الذي ساد أوروبا في القرنين السابع والثامن عشر، وكان سبب نهضتها وخروجها من الظلمات الى النور. فكانت مصر الزيات، وطه حسين، وحسين هيكل، وعلي عبدالرازق، ومصطفى عبدالرازق، مركز الإشعاع التنويري العربي.

ومصر، هي الفَرَج العربي من كل مكروب عربي، ولكل مغلوب عربي.

ومصر، هي دوحة الغناء العربي، وهي معزف الموسيقى العربية، وهي شاشة العالم العربي. فمن مصر، غنى بلابل العرب. ومن مصر، سمع العرب زرياب الجديد، وعبده الحامولي، والسنباطي، وعبدالوهاب، وفريد الأطرش، ومنيرة المهدية، وأم كلثوم. ومجموعة من المغنيات الشاميات اللائي لم يجدن آذانا صاغية، غير الآذان المصرية.

وفي مصر، كانت أول جامعة عربية، وأول جامعة دينية، وأول مجمع للغة العربية. ومن مصر، برز دور الشعر العربي الجديد في الحياة العربية الجديدة، على يد أحمد شوقي، وإبراهيم ناجي، وحافظ إبراهيم، وغيرهم.

وجاءت الرواية العربية من مصر.

والقصة القصيرة من مصر. وفن المقالة الصحافية من مصر.

وفي مصر، عمل الصحافيون "الشوام" في القرن التاسع عشر، على تأسيس أعرق دور الصحافة العربية (الأهرام والهلال) التي ما زالت باقية حتى الآن. ومصر كانت، ملجأ الثوار العرب، وحامية أفكارهم، وهاجر إليها الثوار، والعسكريون من معظم أنحاء العالم العربي، خوفاً من بطش سلطاتهم، وقتلهم. ومصر، هي التي احتضنت الحركات الثورية في العالم العربي، فوقفت إلى جانب الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، وإلى جانب الثوار في الجزيرة العربية، والعراق، ومدتهم بالسلاح، والمال، والعتاد، رغم فقرها، وقلة إمكاناتها. ومصر، هي التي فتحت أبواب معاهدها، وكلياتها، وجامعاتها، مجاناً، وبمنح مادية شهرية سخية للطلبة الفقراء من المصريين والعرب والمسلمين، في أنحاء العالم كافة.

ومصر، هي التي قدمت للعالمين العربي والإسلامي، أجمل وأنقى أصوات مقرئي القرآن الكريم. وعندما كانت مصر تؤذن لصلاة ما، كان العالم الإسلامي كله يخشع، ويستجيب لهذا الأذان.

وأخيراً، مصر، هي التي زرعت القطن وكان (ذهبها الأبيض) الذي ينافس الحرير. فكست به العالم كله. فكانت مصر، هي "أم الدنيا" العربية- خصوصاً- بحق وحقيقة.

-3-

ورغم أن مصر، منذ زمن، كانت هي الفقيرة، وهي المكتظة بالسكان، وهي القليلة الموارد، فإنها كانت أغنى العرب في أدبها، وفنها، وثقافتها، وعلمها، وفي فتح أبوابها لعشاقها من العالم العربي.

ورغم فقر مصر الشديد والتاريخي، فإنها كانت في صورة أغنى أغنياء العرب والمسلمين، بدعمها المادي والمعنوي، لكل حركات التحرر في العالم العربي والإسلامي، والعالم الثالث.

ورغم طغيان الاستعمار الإنكليزي في مصر، وتسلط القصر الملكي، فإن مصر كانت معلِّمة الثورة العربية، من خلال أحمد عرابي، وسعد زغلول، وجمال عبدالناصر، واليوم من خلال عبدالفتاح السيسي.

ورغم قلة إمكانات مصر المادية والدفاعية فإنها أيدت ودعمت الثورة الجزائرية، والثورة اليمنية، والثورة في كل مكان من العالم العربي والإسلامي والعالم الثالث، وحتى أميركا اللاتينية.

فلماذا- نحن العرب وغير العرب- لا نخاف ولا نقلق على "أُمنا" الكريمة والمعطاءة (مصر)، التي نوَّرت طريقنا، وروتنا بعد عطش، وأطعمتنا بعد جوع، وأطربتنا بعد ملل، وكستنا بعد عُري، وآمنتنا بعد قلق وخوف؟

* كاتب أردني

back to top