اقتحام أروقة السلطة بيان للنساء العاملات
وضعت المديرة التنفيذية في وادي السليكون شيريل ساندبرغ كتاباً جديداً تدعو فيه النساء إلى اقتحام أروقة السلطة. وهكذا أطلقت مديرة فيسبوك البارزة هذه جدالاً جديداً حول الحركة النسائية وطموحات المرأة، جدالاً قد يتخطى حدود الولايات المتحدة الأميركية.
لا شك في أن حادثة حمام السيدات أثرت كثيراً في شيريل ساندبرغ لأنها ذكرتها في مستهل كتابها الجديد. وقعت هذه الحادثة في غرفة اجتماعات في نيويورك، غرفة تشبه المكاتب المطلة على مانهاتن التي نراها في الأفلام.كانت ساندبرغ قد عُيّنت مسؤولة عن العمليات في فيسبوك قبل سنتين. وكانت تقدّم بمساعدة فريقها عرضاً لشركة محاصصة خاصة حول طاولة محاطة بالرجال.
عندما عُلّق الاجتماع لاستراحة وجيزة بعد ساعتَين من العمل، سألت ساندبرغ عن حمام السيدات. فالتفت إليها الشريك الأكبر في هذه الشركة ورمقها بنظرة غريبة. فقد فاجأه هذا السؤال لأنه ما كان يعرف الإجابة. كانت الشركة قد انتقلت إلى هذا المبنى قبل سنة. فسألته ساندبرغ: «هل أنا المرأة الوحيدة التي حاولت عقد صفقة هنا طوال سنة؟». فأجابها: «أعتقد ذلك. أو ربما أنت الوحيدة التي أرادت استعمال الحمام».تُعتبر ساندبرغ (43 سنة)، أم لولدَين، إحدى أغنى النساء حول العالم. حصّلت علومها في جامعة هارفارد. وقد عملت سابقاً خبيرة اقتصادية في البنك الدولي، رئيسة موظفي وزارة المالية في الولايات المتحدة، ونائب رئيس في شركة غوغل. وعلى غرار كثيرين في حياتها المهنية، كتبت ساندبرغ قصتها في كتاب سيصدر قريباً في الولايات المتحدة بعنوان Lean In: Women, Work and the Will To Lead (التقدم: المرأة، العمل، وإرادة القيادة).«ثورتنا تعطلت»تروي ساندبرغ قصتها، مؤكدةً أن العالم لم يصبح بعد بالشكل الذي تريد، رغم مرور 50 سنة على مطالبة بيتي فريدان، الناشطة الأميركية الشهيرة المدافعة عن حقوق المرأة، بحق المرأة في العمل. تكتب ساندبرغ، مشيرةً إلى أن العوائق والحواجز لا تزال كثيرة: «آن الأوان لنواجه واقع أن ثورتنا تعطلت».ساندبرغ من النساء اللواتي لا يترددن في إخبار الآخرين أنها عندما كانت ترضع ابنتها، اعتادت تشغيل جهاز شفط الحليب الكهربائي خلال الاجتماعات التي تعقدها عبر الهاتف في فيسبوك. وإن سألها أحد عن تلك الضجة الغريبة، كانت تدعي أنه صوت شاحنة جهاز الإطفاء التي تمر قرب المبنى. قررت ساندبرغ بعد ذلك ترك العمل في الساعة الخامسة والنصف من بعد ظهر كل يوم كي تتمكن من تناول العشاء مع ولدَيها. كانت في البداية تغادر المكتب سرّاً. لكنها صارت بعد ذلك تتركه علناً، وبذلك أسدت معروفاً إلى الكثير من النساء. صحيح أن من السهل على مَن تحتل منصباً رفيعاً أن تغادر العمل باكراً أو توقف عملها لفترة ثم تنهيه في المنزل مساء، لكن ساندبرغ رسمت المثال بتأكيدها أن هذا ممكن حتى لو كان الشخص يتبوأ منصباً عالياً.تقوم الخطوة التالية في حملتها على كتاب يصدر بطريقة تليق بأحد كتب هاري بوتر: حفلة يحضرها عمدة نيويورك مايكل بلومبرغ، مقابلة حصرية مدتها 60 دقيقة على شبكة CBS، وعدد خاص من مجلة Cosmopolitan يتألف من أربعين صفحة.تقتبس ساندبرغ في كتابها من عشرات من الإحصاءات والدراسات التي توثّق معاناة المرأة بالأرقام. على سبيل المثال، تتحدث عن أن الأمهات اللواتي يبقين في المنزل مدة سنة بعد الإنجاب ينخفض معدل أجرهن بنحو 20%. كذلك تخصص النساء العاملات ضعف الوقت الذي يخصصه شريكهن للقيام بالواجبات المنزلية، وثلاثة أضعاف ما يخصصه للاعتناء بالأولاد.علاوة على ذلك، تعرب النساء في المناصب الإدارية عن مرونة أقل في الانتقال إلى شركات أخرى أو مجالات أخرى من المسؤولية، مقارنة بالرجال، ما قد يعيق مسيرتهن المهنية. كذلك يستطيع الصبية الأميركيون الصغار تخيل أنفسهم رؤساء جمهورية، لكن الفتيات الأميركيات لا يمكنهن ذلك.«نحن نعوق تقدمنا بأنفسنا»لا شك في أن هذه ليست معلومات جديدة. لكن المميز الجواب الذي تقدّمه ساندبرغ عن السؤال: لماذا لا تزال في العام 2013 واحدة من نساء قليلات بارزات في الاقتصاد الأميركية، مشكّلةً استثناء للقاعدة ومحتلةً المرتبة العاشرة في لائحة فوربس «للنساء المئة الأكثر نفوذاً في العالم» بدخل سنوي يقارب 31 مليون دولار (24 مليون يورو)؟تعتبر ساندبرغ أن هذه المسألة ترتبط بالنساء أنفسهن. تقول: «نحن نعيق تقدمنا بأنفسنا بشتى الطرق: بعدم تمتعنا بالثقة بالنفس، بعدم رفعنا أيدينا، بالتراجع في وقت علينا فيه التقدّم. نتشرب الرسائل السلبية التي نتلقاها خلال حياتنا، الرسائل التي تقول إن من الخطأ أن نعبّر عن رأينا بصراحة، أن نكون عدائيات، وأن نكون أقوى من الرجل. نخفض توقعاتنا بشأن ما نستطيع تحقيقه. نقبل بالقيام بمعظم الأعمال المنزلية والرعاية بالأولاد. نضحي بأهدافنا المهنية لنخصص مساحة للشريك والأولاد، مع أن لا وجود لهم بعد». قد لا يلقى هذا الجواب الترحيب من النساء اللواتي تقوم مقاربتهن إلى الحركة النسائية على تحميل الرجل (الزوج، السياسي، ورب العمل) مسؤولية هذه المشكلة. ولا شك في أن هؤلاء النساء كثيرات.انتقادات من كل الأوساطيتعرض هذا الكتاب، حتى قبل صدوره، للانتقادات اللاذعة من الأوساط كافةً. فقد سارعت الصحف الأميركية إلى رفض انتقادات ساندبرغ، معتبرة إياها طريقة نخبوية وساذجة للنظر إلى الأمور. على سبيل المثال، كتبت جودي كانتور في «نيويورك تايمز» أن من غير اللائق لساندبرغ، مالكة مجموعتين كبيرتين من الأسهم في غوغل وفيسبوك، فضلاً عن منزل مساحته 840 متراً مربعاً فيه جيش صغير من المساعدين في أعمال المنزل، أن تحض النساء الأقل حظاً على العمل بجهد أكبر.وتعتقد الكاتبة جوان بامبرجر أن البلد يتحضر «لحرب أمهات» جديدة. ففي حين تستعد المديرة التنفيذية ماريسا ماير لإعادة إدخال ثقافة التواجد في المكتب والتخلص من العمل في المنزل، واضعةً المرأة مرة أخرى في موضع غير مريح، تثير ساندبرغ مشاعر الذنب لدى المرأة الأميركية: الذنب لعدم التمتع بطموح أكبر، الذنب الذي تشعر به «المرأة العاملة التي تحاول الموازنة بين عملها وعائلتها». لذلك تعتبر بامبرجر أفكار ساندبرغ خطوة إلى الوراء، لا الأمام، بالنسبة إلى الأم العاملة.ولكن هل هذا صحيح؟ هل تخون ساندبرغ أفكار بطلاتها؟ وكيف ذلك؟طوال سنوات، سعت ساندبرغ لمعالجة مشاكل مَن يتولين مناصب قيادية لأنها تظن أنها تعرف بعض حلولها، ولأنها تدرك جيداً أن المرأة لا تتقدم على الصعيد المهني، مع أنها تستطيع ذلك. كذلك ترفض أن يكون 21 رئيساً فقط من رؤساء شركات لائحة مجلة Fortune الخمسمئة من النساء.من الطبيعي أن يتخذ هذا الجدال طابعاً نخبويّاً لأنه يؤثر في مجموعة صغيرة من النساء: مَن يستطيع الوصول إلى أعلى المناصب في الشركات. إلا أن هذا الواقع لا يجعل الجدال هنا أقل أهمية. لا تطمح كل النساء إلى تبوء مناصب إدارية. وتقر ساندبرغ مراراً بأن اتخاذ قرارات أخرى في الحياة ليس خطأ. لذلك يحتوي هذا الكتاب بالنسبة إلى النساء جميعاً على كثير من الحقائق الصغيرة ويطلق مطالب ترتبط بكل امرأة، بغض النظر عن أجرها السنوي.تحطيم الحواجز الداخليةتتحدث ساندبرغ، مثلاً، عن أن المرأة لا تزال تقلّل من شأنها، فلا تجلس خلال الاجتماعات وتصرخ «حاضرة»، في حين أن الرجال، الذين لا يخامرهم أي شك، يسعون للحصول على مهمات ومشاريع ومناصب جديدة. لذلك تريد من المرأة أن تكفّ عن التفكير في أنها، ما دامت تنجز عملها، فسيلاحظ أحد ذلك في النهاية ويضع تاجاً على رأسها. كذلك تحذر اللواتي يرغبن في إنجاب الأطفال من أن يضعن أنفسهن على مقعد الاحتياط لأنهن قد يضطررن لاحقاً إلى محاولة التوفيق بين مسيرتهن المهنية وأولادهن.علاوة على ذلك، تصف ساندبرغ «الحواجز الداخلية» أو الأحكام المسبقة المكتسبة الخاصة بالجنس، التي اضطرت إلى مواجهتها والتي ينبغي لكل امرأة تخطيها. تكتب ساندبرغ أنها لم تتجرأ على رفض العرض الأول للانضمام إلى فيسبوك إلا بعد أن حثها زوج شقيقتها على المفاوضة كرجل.تواجه المرأة المقاومة دوماً. فقد كتبت ساندبرغ: «لنتخيل المسيرة المهنية سباق ماراثون... سباقاً يصل فيه الرجل والمرأة إلى خط الانطلاق وهما على القدر ذاته من الجهوزية والتدريب. ثم تعلو إشارة الانطلاق، فيركض الرجل والمرأة جنباً إلى جنب. يسمع الرجل عادةً التهليل وعبارات التشجيع، مثل: «تبدو قويّاً! واصل الركض!»، فيما تسمع المرأة عبارات مغايرة فيصيح الحشد بها: «لست مضطرة إلى الركض». وينتهي المشهد بسؤال: لمَ تركض المرأة أساساً في حين يكون أولادها في المنزل بحاجة إليها؟ هذا أيضاً سؤال مهم.يشكّل الكتاب بداية حملة كبيرة ستكون الخطوة التالية فيها Lean In Circles (التقدم في حلقات)، وهي عبارة عن نوادٍ صغيرة تلتقي فيها النساء اللواتي يسعين لاحتلال مناصب قيادية مرة كل شهر، يثقفن أنفسهن، ويتعلمن أسرار الإدارة الفاعلة. تريد ساندبرغ إنشاء مجتمع عالمي هدفه تشجيع المرأة على أن تكون طموحة و»تتقدم».تحلم ساندبرغ بتأسيس حركة اجتماعية تكون الإرادة وراءها نسائية من دون انتهاك اللباقة الاجتماعية. توضح: «يجب أن يتبوأ عدد أكبر من النساء مناصب رفيعة. فلن تتبدل الأوضاع إلا عندما تتطلب القيادة سياسات مختلفة». فهل من نظرة أشد تشكيكاً بالرجل؟