الأدوية وفشل الحكومات في مراقبتها

نشر في 31-10-2012 | 00:02
آخر تحديث 31-10-2012 | 00:02
يتوقع المرضى أن تكون الأدوية آمنة. لكن حتى في النظم الصحية التي من المفترض أن تتمتع بإدارة جيدة، يمكن أن تكون الأدوية عقيمة أو قاتلة. أودت المنشطات الفاسدة في صيدلية تركِّب أدويتها الخاصة بالقرب من بوسطن بحياة 11 شخصًا بسبب إصابتهم بالتهاب السحايا الفطرية وأدت إلى مرض أكثر من 100، ذلك اعتبارًا من 10 أكتوبر. وتبين ارتباط مخفف الدم الملوث، الهيبارين، بوفاة 149 أميركيًا بين 2007 و2008. كذلك تبين هذا العام أن بعض قوارير دواء الأفاستين المعالج للسرطان لا يتضمن أي عنصر فاعل. The Economist ألقت الضوء على هذه الأزمة.
نجهل بالضبط نسبة الأدوية الزائفة، أو السيئة الصنع أو التي تمت سرقتها أو تحويلها. لكن شركات الأدوية السيئة تشير إلى مشكلة عالمية، تكافح وكالات سلامة العقاقير الوطنية للسيطرة عليها.

 تتطور هذه المشكلة بشكل خاص في البلدان حيث يقبل المسؤولون الرشوة. في نيجيريا، أكبر سوق للأدوية في أفريقيا، وجدت دراسة استقصائية أجرتها منظمة الصحة العالمية  في عام 2011 أن 64 في المئة من الأدوية المضادة للملاريا زائفة. يتم استيراد أكثر من 70 في المئة من الأدوية المستهلكة في نيجيريا من الهند والصين، اللذين ينظر إليهما على نطاق واسع بأنهما أكبر مصدرين للتزييف. يلقي بول أورهي، من وكالة الأدوية في نيجيريا، اللوم على «النظام المخزي والحدود التي يسهل اختراقها».

روَّج الباعة لعلاجات لا قيمة لها لآلاف السنين. لكن يتحول القرن الحادي والعشرون الى العصر الذهبي للأدوية السيئة. ففي بوسطن، انتشر التهاب السحايا الفطرية بسبب ضعف الرقابة، ويشجع ضغط الأسعار شركات الأدوية حسنة النية حتى على اعتماد أساليب ملتوية. بالنسبة إلى المجرمين، شركات الأدوية الزائفة مربحة وعادة ما تكون العقوبات منخفضة.

تأتي المواد الخام من مكان معين، ويتم تحويلها إلى مكونات نشطة في مكان آخر. أما تعبئة الحبوب وتغليفها فتحصلان عبر مصادر أخرى. وقد يتم فصل التصنيع والتعبئة والتغليف. للوصول إلى المستوصف، تمرّ الأدوية عبر سلاسل التوزيع (وتتم ربما إعادة تجميعها). في أميركا، يأتي 80 في المئة من مكونات الأدوية النشطة من الخارج (تضاعفت واردات الأدوية هناك بين عامي 2002 و2010).

يؤدي هذا إلى كابوس تنظيمي. ففي حالة الهيبارين، استبدل الموردون الصينيون المكون الرئيس بمادة أرخص وخطيرة تمر مع ذلك في اختبارات المصادقة. على ما يبدو أن الأفاستين المزيف قفز من تركيا إلى بريطانيا وإلى أميركا، مع مساعدة من صيدلية كندية على الإنترنت. فضلاً عن ذلك، لمنظمة الصحة العالمية «التأهيل» الذي يسمح بالأدوية الجيدة والرخيصة في برامج المساعدات. لكن وجد روجر باتي من معهد «أميركان إنتربرايز»، في بحث نشر في يوليو، أن 7 في المئة من هذه الأدوية فاشلة.

كثرت محاولات وقف هذه الآفة. فشملت أحدث الغارات في عملية بانجيا (حملة الشرطة الدولية ضد الصيدليات غير القانونية على الإنترنت) 100 دولة وأقفلت أكثر من 18000 مزود بالحبوب على الإنترنت. لكن هذه الصيدليات المماثلة ليست بالضرورة شريرة، ففي كثير من الأحيان تبيع أدوية حقيقية (بأسعار منخفضة)، والكثير من المنتجات المقلدة معروضة للبيع حاليًا في أماكن حسنة السمعة.

ويعتقد بعض البلدان الفقيرة أن البلدان الغنية تريد ببساطة ذريعة لتعيق صناعتها للأدوية. وقد شلَّت النزاعات حول تعريف الأدوية «الزائفة» فريق العمل الدولي لمكافحة تزوير المنتجات الطبية، التابع لمنظمة الصحة العالمية والذي أطلق في عام 2006. الآن، تدرس فرق عاملة جديدة معنى الأدوية الزائفة أو الكاذبة أو المزورة أو المقلدة. وقد تضيف مشكلة أخرى «دون المستوى المطلوب». إلا أن القراصنة لا يتأثرون.

يتحرك معظم الجهود الدولية الأخرى ببطء، بحسب باتي، مؤلف كتاب بعنوان Phake. لمعاقبة المزورين بقسوة أكثر وزيادة سرعة تبادل المعلومات، وقعت 18 دولة على Medicrime الاتفاقية الأوروبية في عام 2011. ولكن لم تصدق عليها سوى أوكرانيا. ونشرت مجموعة الثمانية للدول الغنية إعلانًا كلاميًا في شهر مايو، لكن لم تفعل شيئًا يذكر منذ ذلك الحين.

تحدثت الحكومات والشركات لسنوات عن أنظمة «التتبع والتعقب» لتحديد الأدوية وتوثيقها. ورغم توافر التكنولوجيا، لا يمكن للبلدان التأكد حول ما تستخدمه. تبيع الكثير من الشركات المخططات الخاصة بها؛ ويختلف المنظمون حول ما يجب تتبعه.

هجوم مضاد

تتخذ كل دولة على حدة خطوات خاصة بها. فقادت نيجيريا هجومًا مضادًا، أدى بشكل من الأشكال إلى تخفيض نسبة الأدوية الزائفة من النصف إلى العشر تقريبًا في غضون خمس سنوات. وتتمثل واحدة  من الوسائل في TruScan، وهي منظار للتحليل الطيفي، رخيص ومحمول باليد، يسمح للمسؤولين بالكشف عن الأدوية الزائفة على الفور عند نقطة الاستيراد (تستخدمها كل من أمريكا، ألمانيا والسويد الآن). ونشرت نيجيريا أيضًا نظامًا يسمح للمستخدمين إرسال الرمز المعلن من هواتفهم للتحقق من المنتج قبل استهلاكه. لكن المخطط  طوعي ولم يستخدمه حتى الآن سوى عدد قليل من الشركات.

ضبطت الصين، المعنية بسمعة تجارة تصدير الأدوية فيها، كمية كبيرة من الأدوية الزائفة (احتجزت ما يقارب 2000 شخص في شهر أغسطس). وأعدمت المسؤول الأعلى عن الأدوية في عام 2007 للموافقة على دواء لم تختبر مقابل الرشوة. وقد كلفت الهند بعثة لإجراء دراسات الجدوى حول تكنولوجيا التتبع والتعقب من شركة ويبرو، عملاق البرمجيات والخدمات. وتتحدث الحكومة عن تحسين مستويات التصنيع، لكن لم تؤدِّ العظة بعد إلى العمل.

تجاوزت إدارة الأغذية والأدوية الأميركية (FDA)، وكالة سلامة الأدوية الكبرى في العالم، بشكل مطرد حدود البلاد. ومنذ العام 2008، فتحت مكاتب في الصين والهند وجنوب أفريقيا والأردن والمكسيك وبلجيكا وغيرها من البلدان. وينص القانون الحديث على عقوبات أشد للمزورين ويخصص المال لحساب الوكالة للتتحقق من المزيد من المصانع في الخارج. ولكن حتى إدارة الأغذية والأدوية تعترف بأنه لا يمكنها وحدها ضبط التموين توريد الأدوية في العالم.

غالبًا ما تتعاقد شركات الأدوية مع شركاء للتنفيذ بشكل أفضل مما تفعله الحكومات. فرغب جون كلارك، مدير أمن شركة فايزر، شركة الدواء العملاقة التي تصنع دواء الفياجرا، أن يروي قصة رجل ضبط وهو يبيع أدوية زائفة، فسأل العميل السري أولاً إذا كان يعمل مع «المحققين الاتحاديين»، ثم ما إذا كان يعمل لشركة فايزر. توظف شركة جون كلارك أعضاء الشرطة السابقين والمحققين وموظفي الجمارك في جميع أنحاء العالم. وعادة ما تبني حوالى 80 في المئة من القضايا، وتقدمها بعد ذلك إلى منفذي القانون المحلي.

بحسب المسؤولين، المشكلة تتفاقم حتى الآن. في يناير 2009، صرحت 81 دولة عن نسخات زائفة لعشرين دواء لشركة فايزر. واعتبارًا من يوليو 2012، عثرت 106 دول على 60 دواءً مزيفًا من هذا القبيل. ويقول السيد أورهي: «التزييف هو مثل بالون مملوء بالماء. تدفعه إلى جانب واحد، لكن عندما تزيل يدك، يرتد إلى مكانه أقوى من السابق.»

back to top