على الأقل محمود عباس يتحدث لغة السلام!

نشر في 05-12-2012
آخر تحديث 05-12-2012 | 00:01
كان يجب أن يرد نتنياهو على عباس قائلاً: "هذا جيد. تعال الآن وقُلْ هذه الأمور كلها في وجهي". طوال 3 سنوات، رفض عباس التعامل مع إسرائيل مباشرةً وفضّل اللجوء إلى الأمم المتحدة بدلا من التفاوض، لكن رغم هذه المساعي لا تزال وجهة عباس مجهولة.
 ذي أتلانتك حققت السلطة الفلسطينية لتوها انتصاراً صريحاً في الأمم المتحدة. صوتت الجمعية العامة لمصلحة قرار الاعتراف بـ"فلسطين" كدولة مراقبة غير عضو. ساهمت تلك الخطوة في رفع مكانة الوفد الفلسطيني في الأمم المتحدة وقد يترافق الأمر مع نتائج قانونية أخرى أيضاً.

لكن لا يعني ذلك التصويت اقتراب موعد نشوء دولة فلسطين المستقلة. لا يزال وضع الفلسطينيين اليوم كما كان عليه في السابق: هم عبارة عن معسكرين محليين يتبادلان العداء في غزة والضفة الغربية.

لكن تتشارك غزة والضفة الغربية أمراً لافتاً (لا نعني به اتكالهما على المساعدات الخارجية مع أنه أمر مشترك بينهما أيضاً). بل تتشارك غزة والضفة الغربية ترابطهما مع إسرائيل. يستحيل على أي معسكر منهما أن يصبح دولة بحد ذاتها من دون موافقة إسرائيل. ستكون إسرائيل، وليس الأمم المتحدة، هي التي تقرر نشوء فلسطين كدولة مستقلة وهي التي تحدد توقيت حصول ذلك. لذا يجب أن يتحاور الفلسطينيون مع إسرائيل وليس الأمم المتحدة... لكن ما يحصل أمر مختلف.

لكن لا بد من حدوث ذلك لو أرادت الأطراف المعنية تحقيق سلام حقيقي يوماً.

هل يمكن حصول ذلك؟

أصغيتُ بإمعان إلى خطاب محمود عباس في الأمم المتحدة يوم الخميس. لقد تضمن الكثير من التعليقات المزعجة وكان يهدف حتماً إلى تسجيل النقاط في وجه الخصم الفلسطيني الداخلي المتمثل بحركة "حماس". (ذكر عباس عبارة "الفصل العنصري" مرتين في خطاب واحد. حقاً؟ ألا يملكون قاموساً آخر في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية؟). من الغرابة ألا يذكر الخطاب حرب "حماس" الصاروخية التي انتهت لتوها ضد إسرائيل.

لكن كان من المفاجئ أيضاً أن يكون مجمل الخطاب تصالحياً لا استفزازياً.

على سبيل المثال، قال عباس: "إنني من هنا أقول باسم الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية: إننا نمد أيادينا إلى الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي من أجل صنع السلام، وأقول لهم: دعونا نبني مستقبلاً قريباً عاجلاً لأطفالنا ينعمون فيه بالحرية والأمن والازدهار، دعونا نبني جسور الحوار بدل الحواجز وجدران الفصل، دعونا نبني علاقة التعاون الندية المتكافئة بين دولتين جارتين، فلسطين وإسرائيل، بدلاً من سياسات الاحتلال والاستيطان والحروب وإلغاء الآخر".

هل كان صادقاً في كلامه؟ من يدري؟ لكن هذا البيان يركز بكل وضوح على مبدأ التعايش أكثر من أي خطاب آخر سبق وألقاه سلف عباس على منبر الأمم المتحدة.

كان لافتاً أيضاً أن يتحدث عباس عن الشرعية والديمقراطية في دولة فلسطين المستقبلية: "الدولة التي نريدها ستكون دولة القانون والممارسة الديمقراطية وصون الحريات والمساواة بين جميع المواطنين دون تمييز، وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع".

بعد أن هدد ياسر عرفات باستعمال الإرهاب في خطابه أمام الأمم المتحدة في عام 1974، رفض عباس صراحةً ممارسات الإرهاب في عام 2012 قائلاً: "تتمسك منظمة التحرير الفلسطينية والشعب الفلسطيني بنبذ العنف ورفض وإدانة جميع أشكال الإرهاب، وخاصةً إرهاب الدولة، والتمسك بجميع الاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل".

حتى لو فشلت السلطة الفلسطينية في تنفيذ وعودها ومهما كان حكم عباس ضعيفاً، من اللافت أن يختار رغم كل شيء إظهار هذا الوجه التصالحي أمام الأمم المتحدة والعالم.

رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خطوة عباس في الأمم المتحدة بغضب. فقد سمح ببناء وحدات سكنية إضافية في جزء حساس من القدس رداً على ما حدث. يشعر نتنياهو بأن عباس انتهك الاتفاق الذي يرفض اتخاذ تدابير أحادية الجانب من أي طرف. إذا كان الفلسطينيون يستطيعون اللجوء إلى الأمم المتحدة بشكل أحادي الجانب، يعني ذلك أن إسرائيل تستطيع بناء المستوطنات بشكل أحادي الجانب أيضاً.

لكن غداة حرب "حماس" (وبعد أن صوت الكونغرس الأميركي هذا الأسبوع على جولة جديدة من العقوبات الصارمة ضد إيران)، يجب أن تُظهر إسرائيل جانبها الودي أمام العالم. إذا كان عباس يتكلم بلغة السلام، فلتتحدث إسرائيل باللغة نفسها. وإذا عبّر عباس عن رغبته في التوصل إلى اتفاق مبني على حل الدولتين، فيجب أن تقوم إسرائيل بالمثل. يجب ألا تكون إسرائيل هي التي تقفل باب السلام.

كان يجب أن يرد نتنياهو على عباس قائلاً: "هذا جيد. تعال الآن وقُلْ هذه الأمور كلها في وجهي". طوال ثلاث سنوات، رفض عباس التعامل مع إسرائيل مباشرةً وفضّل اللجوء إلى الأمم المتحدة كحل بديل عن التفاوض. لكن على رغم المساعي في الأمم المتحدة، لا تزال وجهة عباس مجهولة.

إذا أراد عباس إحراز التقدم الذي تحدث عنه، فيجب أن يحصل على موافقة إسرائيل. يعني ذلك ضرورة أن يلبي شروط إسرائيل لتحقيق طموحاته. لن يكون هذا الأمر سهلاً بالنسبة إليه وقد لا يكون الأمر ممكناً أصلاً. لكن ليس من مصلحة إسرائيل أن تصعّب عليه الوضع.

* ديفيد فرم

back to top