اللاوعي... هل نعرف كيف ننصت إليه؟

نشر في 08-10-2012 | 00:01
آخر تحديث 08-10-2012 | 00:01
No Image Caption
لا يكف اللاوعي المجهول والمقلق عن إثارة الفضول فينا. بماذا يفيد؟ كيف يؤثر فينا؟ لماذا هو دائماً محط اتهام؟ إليكم إجابات عن بعض الأسئلة... والكثير من الأفكار المتوارثة.
نصوَّر اللاوعي كأنه كتلة ضخمة وسرية، كأنه سلطة غامضة في يدها تحديد سعادتنا أو تعاستنا. ننسب إليها إرادة وهدفًا كما لو كانت إنسان كامل. بغض النظر عن الأفكار التي وصلت إلينا، ماذا نعرف تحديدًا عن اللاوعي؟ ما هي وظيفته في حياتنا؟ إنه يعبر عن نفسه بآلاف الطرق من خلال الزلات والهفوات والعواطف والعوارض. لكن هل نعرف كيف ننصت إليه؟

بعيدًا عن التحليل النفسي، تختلف وتتعدد الطرق التي تساعدنا على توضيح الجانب الخفي منا. فتعالوا نكتشف شريكنا الأثمن والأكثر سرية...

في يومنا هذا، ما عادت فكرة اللاوعي الذي يسكننا تدهش أحدًا... فإذا أضعنا مفتاح البيت ليومين متتاليين نفكر أنها رسالة من اللاوعي. بعد رؤية كابوس، تسأل صديقك: «في رأيك، ماذا يمكن أن يعني هذا الحلم؟ هل أريد من دون وعي تفويت الامتحان؟». هل نعرف حقيقة عمن نتكلم عندما نذكر هذا الكيان؟ نميل إلى تخيله كجهة غامضة لا تعمل سوى لجعلنا تعساء أو مرضى. أو، على العكس، كجهة كريمة يكفي أن نستفيد من نعمها لننجح في حياتنا. تكثر التفسيرات وتكثر معها الأخطاء...

بحسب تعبير فرويد، اللاوعي «مشهد آخر» مخفي عن الأنظار، تدور فيه أحداث وجودنا. إنه مكان تقمع فيه دوافعنا وذكرياتنا ورغباتنا التي تزعجنا أو نخجل بها. يمكن، من دون أن نعي ذلك، أن يحركنا شعور بالذنب ويدفعنا إلى معاقبة ذاتنا من خلال نسف حياتنا العاطفية أو الاجتماعية لأننا على سبيل المثال، فسرنا بعض الأوامر أو الرغبات الأبوية. يواجهنا اللاوعي بحقيقة مزعجة: العواطف والأوهام والأفكار التي نجهلها قد تحدد حياتنا أكثر من إرادتنا. لكن في عصر تسيطر فيه الأمور الكمية والعقلانية، كثيرًا ما ينتقد هذا المفهوم. المعالجون النفسيون أيضًا ينتقدون مفهوم اللاوعي وكثيرة هي تقنيات التحليل النفسي الجديدة التي استغنت عنه. إذًا، ماذا نعرف تحديدًا عن هذه الحقيقة الداخلية التي تؤثر في حياتنا؟

هل هو قصة قديمة؟

حدس المعرفة الخفية ليس مسألة حديثة. في القرن الرابع، كان الحاخامات قد فهموا أن أفكارنا تكلمنا عن طموحاتنا السرية ورغباتنا المخزية. في القرن الثامن عشر، استنكر الفلاسفة أن الأسباب الحقيقية وراء أعمالنا محجوبة عنا دائمًا. مع ذلك، لا يخفي اللاوعي أي معرفة مهمة بالنسبة إلى الفلسفة التي تعظم الوعي والعقلانية: اللاوعي مكان للنقص والضياع. في نهاية القرن، استحوذ الأطباء على مفهموم اللاوعي لمعالجة المصابين بأمراض عقلية من خلال التنويم المغناطيسي. وفي عام 1889، استنتج فرويد من خلال التجارب تعايش أنا آخر مع الشخصية الواعية وأطلق على هذا الأنا اسم العقل الباطن. واعتقد علماء النفس كلهم في تلك الحقبة، أن هذا الجزء اللاواعي ليس سوى حالة مرضية. لم يفهم أحد منهم سوى فرويد أن كل واحد منا يملك لاوعيًا خاصًا.

هل هو اختراع فرويدي؟

ابتكر فرويد لاوعيًا يتكلم ويُقرأ ويشفي، إنه لاوعي مسكون برغبات عدوانية مصابة بجنون العظمة ومخزية، بدوافع الحياة والموت، ويسيطر على القوانين الداخلية. في الواقع، اقترح علينا نظرة ثورية عن الروح البشرية، وتدين تقنيات اكتشاف النفس الحالية كلها إليه. لكن من دون فرويد، لبقيت هذه البديهيات مجزأة ومبعثرة.

صديق أم عدو؟

لا يضمر اللاوعي لا الشر ولا الخير. نملك اللاوعي لأن الأنا فينا ترفض السماح بإدخال إلى دائرة الوعي أي عناصر قد تعرضنا للأذى أو الخوف أو إعطائنا أي صورة سيئة عنا أو عما نحب. سنرفض الأفكار والرغبات المكبوتة في اللاوعي: ونتأكد من أنها لن تظهر ثانية. بطبيعة الحال، ستحاول هذه الأفكار والرغبات التعبير عن وجودها. لن يتم بأي شكل من الأشكال إسكاتها لنسيانها لاحقًا، فهي تستغل أخطاء الوعي، التعب والنعاس، لتعبر عن نفسها على شكل أحلام أو زلات لسان أو هفوات. تظهر في الوقت الذي لا نتوقعها فيه، فبدل أن نرسل رسالة إلى الحبيب نرسلها إلى الحبيب السابق الذي لم نتمكن بعد من التحرر منه. الشعور بأن اللاوعي في خطر (أي التهديد) ليس سوى مصدر انزعاج آخر للأنا الواعي الذي يدرك أنه لا يستطيع السيطرة على كل شيء.

فطري أم مكتسب؟

بالنسبة إلى المحللين النفسيين الذين يتبعون فرويد، نحن لا نولد مزودين باللاوعي. لكن في وقت مبكر، تترك التجارب الحلوة أو القاسية آثارًا متعلقة بالذاكرة في الدماغ. لكن اللاوعي لا يظهر سوى مع تعلم الكلام. وتعود الرغبات المكبوتة الأولى إلى الدوافع الأوديبية المحرمة التي يجب أن ننبذها حتى نكبر. هذا هو السبب الذي يصعب على بعض الأشخاص التمتع بحياة عاطفية مرضية: فهم لا يستطيعون التخلي عن حبهم الأول للأم والأب ويعتقدون أنهم انتقلوا إلى مرحلة أخرى منذ عشرات السنين. لهذا السبب أيضًا نختار من دون أن نعي، شركاء يشبهون أهلنا لأن هذا الشعور المكبوت في اللاوعي يعيش إلى الأبد ويجهل «الوقت والتناقض» كما يقول فرويد.

في المقابل، يعتبر يونغ، تلميذ فرويد سابقًا وخصمه لاحقًا، أن اللاوعي يسكننا منذ ولادتنا. وإلى جانب اللاوعي الفردي، يظهر اللاوعي الجماعي الذي يربطنا بأسلافنا وأبطال الأساطير التي أسست الحضارات. بحسب النظرة اليونغية، التفاحة في الحلم تشير إلى أسطورة الفردوس الأرضي. إنها طريقة لإظهار أن الكائنات البشرية كلها لديها الأحلام نفسها والتوقعات نفسها والمصاعب نفسها في بلوغ الأهداف المحددة.

هل هو حوار غرامي؟

من المؤكد أن اللاوعي يتحاور مع اللاوعي الآخر، بالطبع على الأريكة بين المريض والمعالج النفسي. بالنسبة إلى يونغ، «إنها العلاقات الإنسانية. فلا يمكنك أن تكون مع شخص ما من دون أن تتأثر فيه تمامًا».

هل يعتبر ملجأ النية السيئة؟

بالنسبة إلى مفكرين كثر، خصوصًا جان بول سارتر، ليست فكرة اللاوعي سوى ذريعة للاستقالة بصفتنا بشر مسؤولين. إنه ملجأ النية السيئة والجبانة: «لم أكن أدرك ماذا أفعل، لم أكن أنا بل اللاوعي الذي يسكنني». في الواقع، يدعونا فرويد إلى جعل اللاوعي واعيًا بأكبر قدر ممكن، فنحن مسؤولون عنه. ما يعني أن علينا التعرف إلى أفكارنا وأوهامنا المخزية ومواجهتها حتى لو كان ذلك يكلفنا غاليًا على المستوى الفكري. إنه هدف العلاج التحليلي.

ماذا عن لاوعي الجسد؟

تبين الدراسات الحالية أن اللاوعي ليس في العقل فحسب، بل هو تنظيم جسدي نفسي. منذ أواخر الثمانينيات، يميل أطباء الأمراض العصبية إلى لاوعي ثانٍ «معرفي». إنه ذاكرة جسدية تمامًا، من دون ذكريات ولا رغبات سرية ولا أفكار مخزية. بفضله نؤدي الإيماءات اليومية: ننظف أسناننا، نخرج من البيت، نركب سيارة الأجرة، نعود إلى البيت، ندخل المفتاح بالقفل تلقائيًا من دون أن نفكر حتى. هذا اللاوعي «الجسدي» يفسر أيضًا لماذا يتحول الكثير من الأطفال الذين تعرضوا لمعاملة سيئة من دون أن يقرروا إلى أشخاص يسيئون معاملة الآخرين. فقد حفظوا في أجسادهم إيماءات العنف. لذلك، إذا أردنا فعلاً أن نفهم عواطفنا ورغباتنا الحقيقية والخروج من دائرة الفشل والانفتاح على الآخر والعالم، فمن الضروري جدًا قبول الإصغاء إلى لاوعينا.

back to top