مبادرة المالكي إيرانية في قالب عراقي
هذه المرة يجب أن نعترف بأن المالكي حقق إنجازاً لم يحققه منذ توليه منصب رئاسة الوزراء لغاية يومنا هذا، فيبدو أنه تخلص من الخوف الذي كان يعتريه كلما زار إيران بدليل أنه وللمرة الأولى يلبس ربطة العنق وفي عقر دارهم، الأمر الذي يعتبر تحديا كبيرا لنفسه وتوجهاته الوديعة تجاه الجارة الحنونة إيران، وهذه سابقة خطيرة لم يتجرأ المالكي على فعلها طيلة فترة حكمه، ولا نعرف تداعيات هذه الفعلة "الشنيعة" على مستقبله السياسي.المهم في الموضوع أن الرجل قد تمرد على أسياده هذه المرة، ويمكن أن يكون هذا هو سبب ملامحه المتحدية وهو جالس في قاعة المؤتمر، وتظهر على محياه الناصعة البياض علامات النصر والفخار، والمالكي بدا لمن لاحظه جالسا في مشهد مثير للضحك عاقد الحاجبين مكفهرا تتطاير شرارات الغضب من جبينه دون أن يكون هناك مبرر لهكذا وقفة سينمائية، إلا اللهم إذا حاول تقليد الساسة العرب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، الذين كانوا دائما يعكسون في جلساتهم ما كانوا يعانونه من عقد نقص مركبة.على العموم لا نريد أن نطيل أكثر في تحليل نفسية الرجل في المؤتمر لأن ما طرحه المالكي من مبادرة سماها المبادرة العراقية تستدعي وقفة تأملية أكثر من تحليل شخصيته، فبدلا من أن يستغل المالكي زيارته هذه لبحث الملفات العالقة بين الجانبين الإيراني والعراقي باعتبار العراق دولة ذات سيادة، فقد هرب خطوة للأمام ليطرح هذه المبادرة التي خرجت أبواقه الإعلامية لتصويرها وكأنها حبل النجاة من العنف الذي يعصف بسورية، ولمن يدقق في بنود المبادرة هذه يدرك أنها غير قابلة للتطبيق ولا تستند إلى الأهداف التي من أجلها بدأت الثورة السورية، خصوصا بعد التضحيات الكثيرة للشعب السوري منذ بداية ثورته حتى يومنا هذا.فالمبادرة تشير وبشكل واضح إلى العقد الطائفية التي تعانيها الحكومة العراقية، وذلك بدعوتها لتبني ميثاق إقليمي ودولي يتعهد بعدم السماح بالتطرف الديني والطائفي أو القومي، ومن المعلوم أن طرح أي موضوع غير مطروح وبهذا الشكل وفي قمة إسلامية يعني إيذانا بإثارة هذه النعرة الطائفية بشكل رسمي مما سيكون له تداعيات كثيرة على أرض الواقع، فمن قال إن الثورة السورية هي ثورة طائفية أو إنها أتت لتقضي على حكم طائفة أخرى- باعتبار أن نظام الأسد هو نظام قومي لا طائفي- ولماذا تثار هذه القضية بشكل رسمي ليشكل على أساسه إعلان ميثاق دولي أو إقليمي؟ وهنا يتوضح جليا أن الأساس الذي بنيت عليه المبادرة هو أساس طائفي سياسي وليس لحفظ سيل الدم السوري.ثم تأتي المبادرة لتقترح تشكيل لجنة من دول عربية وإقليمية يتم اختيارها بالتنسيق مع الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وعدم الانحياز لإقناع الأطراف السورية بالوصول إلى صيغ فضلى لتأسيس نظام ديمقراطي، وهنا نتساءل إن كانت الدول هذه إقليمية ومن هذه المنظمات والتجمعات المذكورة في المبادرة فإن من البدهي أن يكون لإيران الصوت الأعلى فيه باعتبارها أقوى دول المنطقة، وهي من سيكون لها القرار الأخير الذي تؤمن به، وهذا أيضا يظهر خوف المالكي وإيران على مصالحهم الطائفية وليس الشعب السوري ككل. ثم لنأتي إلى نقطة ترشيح شخصية سورية مقبولة للجميع للتفاوض مع المعارضة بهدف الوصول إلى حل للأزمة، وهنا لا نعرف على ماذا سيتفاوض هذه الشخصية سواء كانت مقبولة أم غير مقبولة مع المعارضة السورية، فالمجتمع الدولي يعرف جيدا مطالب الشعب السوري وهو إزاحة نظام بشار الأسد، لذلك فإن أي مفاوضات مع المعارضة السورية يكون محور النقاش فيها وضعية بشار الأسد ومصيره فهو أمر مرفوض تماما من قبل المعارضة السورية، إذاً فعلى ماذا سيتفاوض هذه الشخصية السورية المقبولة؟ وإن كان لن يتفاوض على وضع بشار الأسد فهل سيتفاوض على وضعية المصالح الإيرانية ومصالح التوجهات الطائفية له في سورية؟كل بنود المبادرة تؤكد تعبير "جميع الأطراف"، فمن تكوين حكومة انتقالية إلى تكوين مفوضية مستقلة للمفاوضات إلى موضوع الانتخابات المستقلة كلها تؤكد تعبير "جميع الأطراف"، ومن المعلوم أن هناك طرفين في الوضع السياسي السوري الراهن هما المعارضة السورية والنظام السوري و"جميع الأطراف" هذه تشمل نظام بشار الأسد بالطبع مما ينسف المبادرة من الأساس ويعطي دليلاً على أنها مبادرة غير جادة.المضحك في الموضوع أن المبادرة التي تسمى بالمبادرة العراقية لم يؤخذ فيها رأي أي من أطراف العملية السياسية في العراق، لا الطرف السني ولا الطرف الكردي وحتى بعض الأطراف الشيعية، ولم تجر هناك أي مشاورات عراقية-عراقية حول بنود هذه المبادرة حتى تنطلق على أسس وطنية لذلك فهي مبادرة من شخص المالكي نفسه وحسب الأهواء الإيرانية، وقد تكون بالأساس مبادرة إيرانية لكن على لسان المالكي.وعلى كل حال فإن الكسب الوحيد من إطلاق هكذا مبادرة هو لإطالة عمر النظام السوري وإيجاد مخارج سياسية لإنقاذه، وأيضا التهرب من طرح الجانب العراقي للمشاكل العراقية الإيرانية سواء كانت مشكلة التجاوزات السياسية الإيرانية على العراق أو تجاوزات إيران على حقول النفط المشتركة بين البلدين أو التلاعب بحصة العراق من المياه أو حتى ملف الأسرى العراقيين بما يخدم السيادة الوطنية للدولتين "إن كانت هناك دولة اسمها العراق".* كردستان العراق - دهوك