جائزتي الحقيقية

نشر في 12-05-2012
آخر تحديث 12-05-2012 | 00:01
No Image Caption
 بدرية البشر اللحظات الباهرة في حياة الإنسان نادرة لهذا سميت باهرة. يمكنني وصفها بأنها تلك اللحظة التي يرفع فيها قائد الأوركسترا رأسه من بعد انهماك شديد في قيادة العازفين مواجهاً فيها الجمهور لمعرفة الأثر الذي أحدثه فيه، فيسمع تحية عريضة تستمر دقائق طويلة ونسائم الهواء الباردة تلفح وجهه المحموم بالعمل والأمل والتوق، والجمهور يصفق. والصا‍‍لة تعيد صوت التحية الأ‍نيقة. هي اللحظة التي يستغرق فيها الفنان في عمله في ظلمة المسرح وعلى ضوئه الداخلي، ثم يضاء المسرح ويشاهد الجمهور المحتشد أمامه غارقاً في الحبور أو السعادة أو الدهشة أو التعاطف أو الفضول. لكنها لحظة مشتركة مدت خيوطها بينه وبين الناس، تماماً مثلما تفعل الكتابة. أصبحت علاقة بين طرفين. إنها لحظة المكاشفة مع حقيقة ما. وصفها بالجمال لا يكفي ولا بالمدهشة، إنها لحظة باهرة تشبه الضوء الذي ينير المكان والداخل بسلاسة فيصبح لون المشهد أبيض دون سوء. هذه اللحظة هي اللحظة التي عشتها حين سلمت على سمو الشيخ محمد بن راشد وسلّم إليّ جائزة الصحافة العربية لأفضل عمود صحفي ثم استدرت للجمهور، الذي تجمع طوال ساعة خلف ظهري دون أن أراه . دخلت القاعة وقد كنا عشرات لكنه في تلك اللحظة الباهرة وصل عدده الى 1200، يتقدمهم في الصف الأول أصحاب السمو الشيوخ والمعالي الوزراء ويصطف فيه الإعلاميون العرب الضيوف قادمين من 45 دولة في أكبر تظاهرة صحفية.

كانت هذه شهادة ميلادي ككاتبة واعترافاً صريحاً بولادتي وسط هذا العالم الذكوري أنني كاتبة. جاء هذا الاعتراف ممهوراً بتوقيع صاحب المبادرة لهذه الجائزة الشيخ محمد بن راشد، وبشهود زملاء المهنة الذين تعلمت علي أيدي كثير منهم صغاراً وكباراً. الابتسامات التي بعثت ودها نحوي، السلامات الحميمة، القبلات، المباركات، الكلمات الجميلة المنهالة كشلالات من المحبة، الود الطافح من الزملاء والزميلات في كل المجالات الصحفية الذين أشاهدهم في التلفزيون وأسمعهم في الإذاعة وأقرأهم في الصحف أصبحت بينهم يباركون وجودي بينهم.

هل هذه هي اللحظة الباهرة، ليست هي بعد. إذن ما هي اللحظة الباهرة؟ لست أدري تحديداً أين هي إنها اللحظة الغامضة التي انطلقت فيها روحي مثل حمامة وحلقت في عالم الكتابة مثل فراشة شقت الشرنقة وطارت. إنها لحظة كنت أحتاج كل يوم إلى أن أتأكد منها ومن أنها ليست وهماً أو ضلالة. هذه هي اللحظة الباهرة التي تأكدت فيها بعد عشرين عاماً من أنني أصبحت فعلاً كاتبة تعيش فوق مسرح الكتابة وتحت الضوء.

أشكر كل الذين ساهموا في أن أعيش هذه اللحظة الباهرة، لن أتمكن من عدهم واحداً واحداً، لكن هناك أسماء لا أستطيع تجاوزها وعلى رأسها سمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي، وأعضاء مجلس إدارة الجائزة، وأعضاء الأمانة العامة للجائزة وكل الزملاء والزميلات الذين هنّأوني حتى بت من كثرتهم أهنئ نفسي بهم وأعتبرهم جائزتي الحقيقية.

back to top