كيف يتصور المصريون رئيسهم القادم؟!

نشر في 30-04-2012
آخر تحديث 30-04-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. عبدالحميد الأنصاري يبدو أن الأيام القادمة ستشهد معركة حامية وأن صيف مصر سيكون شديد السخونة، ترى ما طبيعة الشخصية التي ستحكم مصر، وما توجهاتها السياسية والدينية؟ ومن المحظوظ الذي سيجلس على كرسي الرئاسة في أول انتخابات رئاسية تعددية حرة في تاريخ مصر؟ على امتداد 3 أسابيع ستكثر التكهنات لكني أتصور ان حظوظ عمرو موسى هي الأكبر.

أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية القائمة النهائية للمرشحين الـ13 الذين سيخوضون سباق الانتخابات الرئاسية، بدءاً من اليوم الاثنين 30 أبريل ولمدة 12 يوماً للفوز بمنصب رئيس الجمهورية الشاغر منذ 11 فبراير 2011، وقد استبعدت اللجنة 10 شخصيات من خوض الانتخابات، أبرزهم المحامي السلفي حازم أبوإسماعيل، لثبوت حمل والدته الجنسية الأميركية، وهو ما يخالف شروط الترشح للرئاسة، ومنها أن يكون المتقدم للترشيح مصرياً، وألا يكون أحد والديه قد حمل جنسية أجنبية.

المرشحون الأبرز في السباق الرئاسي هم: السيد عمرو موسى (76 عاماً، وزير خارجية مصر 1991- 2001 وأمين عام الجامعة 2001- 2011)، والسيد أحمد شفيق (71 عاماً، القائد السابق لسلاح الجو، رئيس حكومة الأيام الأخيرة لمبارك)، والسيد محمد مرسي (61 عاماً، رئيس حزب الحرية والعدالة)، ود. عبدالمنعم أبوالفتوح (60 عاماً، عضو سابق بجماعة "الإخوان").

ويبدو أن الأيام القادمة ستشهد معركة حامية، وأن صيف مصر سيكون شديد السخونة، ترى ما طبيعة الشخصية التي ستحكم مصر؟ وما توجهاتها السياسية والاجتماعية والدينية؟ ومَن المحظوظ الذي سيجلس على كرسي الرئاسة في أول انتخابات رئاسية تعددية حرة في تاريخ مصر؟ على امتداد 3 أسابيع ستكثر التكهنات وتتعدد التنبؤات وتزداد التوقعات، لكنني أتصور أن حظوظ عمرو موسى هي الأكبر، وإلى ذلك ذهب الكاتب الصحافي طه خليفة بصحيفة "الراية" في مقالته "كأن الرئاسة مكتوبة لعمرو موسى"، وقال إن أكثر المستفيدين من استبعاد عدد من المرشحين هو عمرو موسى، ويرى الكاتب أن الأحداث كافة في الساحة المصرية تصب في مصلحته، ليصل إلى استنتاج بأن الكل في مصر يعمل لمصلحة عمرو موسى، ثواراً وغير ثوار، بإرادتهم أو من دون إرادتهم، وأيضاً المجلس العسكري بقصد أو بدون قصد.

وعلى هذه الخلفية أريد أن أتناول قضية استبعاد المرشح السلفي حازم أبوإسماعيل، الذي رفض قرار اللجنة واتهمها بالتزوير وحاصر أتباعه اللجنة وكفّروا أعضاءها، واتهموها بالتآمر، وحاولت مجموعة منهم اقتحام اللجنة والاعتداء على أعضائها ثم اعتصموا في "ميدان التحرير"، ونددوا باللجنة والمجلس العسكري واتهموهما بالضلوع في مؤامرة أميركية لاستبعاد مرشحهم لأن أميركا لا تريد أن يصل مرشح إسلامي مثل أبوإسماعيل إلى منصب الرئاسة، لأنه يشكل خطورة على إسرائيل! فهو يحظى بشعبية جارفة ويكره أميركا وإسرائيل ومعجب بسياسة إيران في استقلاليتها عن أميركا، وهو سيسعى إلى تطبيق الشريعة ويلغي معاهدة السلام مع إسرائيل، وأميركا لا يمكن أن تتعامل مع رئيسٍ هذه طبيعته وتوجهاته، لذلك عمدت بالتنسيق مع الخارجية المصرية واللجنة العليا للانتخابات والمجلس العسكري إلى تزوير مستندات رسمية لإثبات أن والدة أبوإسماعيل تحمل الجنسية الأميركية بهدف حرمانه من الوصول إلى الرئاسة! هكذا يردد المرشح السلفي وأنصاره والكتاب المتعاطفون معه، وحتى بعد ظهور المستندات الرسمية ورقم الجواز الأميركي لوالدته المتوفاة وتحركاتها إلى الخارج، وقد نشرت في وسائل الإعلام كافة.

الثابت والمؤكد الآن من الوقائع والأحداث أن المرشح السلفي ذا الوجه الطفولي البريء وصاحب الكاريزما الشعبية الكبيرة، خصوصاً في الريف المصري المتدين، والذي تمكن من جمع أكبر عدد من التوكيلات الشعبية لترشيحه، 152 ألف توكيل منها 85 توكيلاً من نواب البرلمان لدرجة إرهاق اللجنة، في حين أن مرشحين آخرين كانوا ملء السمع والبصر جاهدوا لتأمين الــ30 ألف توكيل المطلوبة! كما أنه صاحب أضخم دعاية انتخابية بدون منازع، ثبت اليوم يقيناً أنه شخصية شديدة المراوغة في مسلكياته كافة، سواءً في إنكار جنسية والدته الأميركية أو في انتسابه من قبل إلى جماعة "الإخوان"، وهو محام تخصص في القضايا السياسية التي صاحبها "شو إعلامي" كبير وأصدر فتاوى غريبة منها تحريم البهارات التي فيها جوزة الطيب، ووجوب ختان الإناث، وتحطيم التماثيل الفرعونية، ومقاطعة "البيبسي" لأن حروفها بالإنكليزية تعني: "ادفع كل قرش لحماية إسرائيل"، ولما قيل له إن التسمية تعود إلى مادة البيبسين قال إنهم "قالوا له"!

الآن لا تهمنا آراؤه وفتاواه، لكن يهمنا مسلكياته المراوغة والمتناقضة، فهو يتبنى خطاباً زاعقاً ضد أميركا وإسرائيل من أجل كسب الشعبية، لكنه يعلم في قرارة نفسه أن أمه وأخته تحملان الجنسية الأميركية، وأن أخته مقيمة مع زوجها في سانتا مونيكا، وأن أمه كانت تتردد عليها باستمرار، وهي سيدة فاضلة وداعية محترمة لها جهود اجتماعية وإنسانية رائعة وقد نشرت مجلة

"روزا اليوسف" 21/4/2012 تقريراً مصوراً عنها يبين تدينها المنفتح بالصورة الجميلة والصادقة للدين، لكن الابن حازم، بسلوكه المراوغ، عرّض سمعتها للقيل والقال، عندما أخفى جنسيتها الأميركية وقدم إقراراً إلى لجنة الانتخابات بأن والديه لا يحملان جنسية أخرى غير المصرية، مما يستوجب تقديمه إلى النيابة بتهمة التزوير المتعمد، وهو في سبيل إحكام مراوغته ومن باب شطارة المحامي الذي يتصيد الثغرات القانونية لجأ إلى القضاء الإداري لاستصدار حكم بأن والدته لا تحمل جنسية أخرى بهدف تضليل أتباعه ومريديه، وعندما واجهته اللجنة بالمستندات المختومة من الخارجيتين الأميركية والمصرية والمؤكدة حصول والدته على الجنسية الأميركية لم يملك إلا أن يقول إنها مزورة! رجل يتحدى الدولة ويتهمها بالتزوير ويدعو أتباعه إلى التمرد وإرهاب القضاء للتأثير عليه ليحكم بغير الحقيقة، وهو يعلم أنه يناور ويخادع فكيف نصف سلوكياته؟!

ومن المدهش أن تنطلي هذه المناورة على أتباعه، إذ تجد أحدهم على استعداد للقسم بأن والدة حازم لم تحمل يوماً الجنسية الأميركية، هؤلاء يعتقدون أنهم بدفاعهم عن الشيخ حازم إنما يدافعون عن الإسلام لأنهم يختزلون الإسلام في شخصية مرشحهم الذي وعدهم بتطبيق شرع الله وإعادة الخلافة الإسلامية!

الشيخ يكابر ويناور ويلعب مع الدولة، وهو أدرى الناس بالحقيقة، وأتباعه المخدوعون يملؤون "ميدان التحرير" تأييداً وهتافاً له، ولعل الكثيرين لا يعلمون أن المرشح السلفي منع كبار المشايخ من الاطلاع على المستندات الخاصة بجنسية والدته وحرم عليهم ذلك، وأرهبهم وتوعدهم، وذلك إمعاناً في حجب الحقيقة والاستمرار في الخداع، وكان الأولى به أن يعترف ويعتذر، لكن الشيخ ظلم نفسه وأساء إلى والدته وأعطى صورة سلبية عن سلوكياته وما يمثله، فإذا كان يعلم أن المرحومة والدته حصلت على الجنسية الأميركية وأخفاها فهذه مصيبة لأنه كذب، وإذا لم يكن يعلم فالمصيبة أعظم لأن معناه أن الصلة كانت منقطعة مع والدته!

وللمرء أن يتساءل: لماذا لم تتكلم الأسرة وهي تعلم الحقيقة تماماً إلا إذا كان أرهبهم أيضاً حتى لا يتكلموا؟! ويعجب المرء أيضاً لهذه الرجل الذي قرر أن يشغل هذا الشعب المنهك بجنسية والدته، ولكن الأعجب كيف يتصور الملايين من أتباعه المنقادين له، مواصفات رئيسهم القادم مع تناقضها التام مع الشروط الـ10 التي وضعها السلفيون في اختيار الرئيس القادم؟! ويبقى تساؤل أخير: من كان يتصور أن الشرط الذي قصد به منع الليبراليين، الذين لهم علاقات طيبة بالغرب من الترشح للرئاسة المصرية، سينطبق على مرشح سلفي يعادي الغرب؟!

*كاتب قطري

back to top