سعد بن أبي وقاص سيطر على بلاد فارس بإسقاط عاصمتها
لم تكن انتصارات المسلمين الأولى بالعراق مستقرة بشكل كبير، وكانت عرضة لهجمات الفرس في كل وقت، لذلك رأى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أن يقوم بعمل حاسم في مواجهة اعتداءات الفرس ودفع شرهم، لذلك أمر بجمع فرسان العرب من مختلف القبائل، وعزم بعد اجتماع القوات على قيادتها لمواجهة الفرس، إلا أن كبار الصحابة استطاعوا أن يثنوه عن هذا الأمر، واستقر الأمر على تعيين الصحابي الجليل وأحد المبشرين بالجنة سعد بن أبي وقاص.وصل سعد إلى مقر قيادة القوات الإسلامية بالعراق في ذي قار، وهناك بدأ استعداداته لإعادة النفوذ الإسلامي على العراق من جديد، وانطلق صوب تلك البلاد إلا أنه اصطدم بقوات الفرس التي كانت قد بدأت تحركاتها لمهاجمة بلاد العرب في القادسية، لتدور واحدة من أعنف معارك العصور الوسطى وأكثرها حسما، فقد انتصر الجيش الإسلامي على قوات الفرس وقتلوا أبطالهم، وأصبح الطريق مفتوحا أمام سعد للتقدم صوب عاصمة الفرس ومقر العرش مدينة المدائن (طيسفون)، التي تقع على الضفة الشرقية لنهر دجلة وتعد مفتاح بلاد فارس كلها.
اقتحم سعد بن أبي وقاص مدن العراق بين فرعي دجلة والفرات يهزم فلول الفرس ويفتح المدن، وأصبح في مواجهة عاصمة الفرس «المدائن» لا يفصل بينهم إلا مياه نهر دجلة، في وقت جمع الفرس جميع السفن الموجودة في مجرى دجلة حتى لا يستطيع المسلمون أن يسيطروا على أي سفينة ليعبروا بها إلى الضفة الأخرى، وهنا أصبح على المسلمين البحث عن حل آخر لعبور النهر. قرر سعد بن أبي وقاص عبور النهر سباحة، وهكذا عبر 60 ألف جندي مسلم مجرى نهر دجلة، في مخاطرة شديدة، إلا أنها أعطت مفعولها، فقد تملك الفرس الرعب عندما وجدوا المسلمين قد عبروا النهر وأصبحوا بين ليلة وضحاها أمام أسوار المدائن، وكان الفرس وعلى رأسهم كسرى يزدجرد في غاية الاطمئنان من أن القوات الإسلامية لن تتمكن من العبور لبدء موسم الفيضان الذي لن ينتهي قبل أربعة أشهر، لذلك كان الأثر النفسي لهذا العبور مدمرا على الفرس فأخذ كل منهم يجد في البحث عن مهرب له، فأمست المدائن خاوية على عروشها، وكان على رأس الهاربين كسرى الفرس يزدجرد من الباب الخلفي لقصره حتى لا يراه المسلمون.لم يلق العرب أي مشقة في فتح عاصمة الفرس ذائعة الصيت بما ضمت من تحف ومبانٍ ضخمة يدل زخرفها على مدى ما وصلت إليه المدنية الفارسية من تقدم ورخاء، ودخل سعد بن أبي وقاص إيوان كسرى– مقر الحكم الفارسي- الذي عد واحدا من عجائب عصره، في يوم (الجمعة) 19 من صفر سنة 16هـ.وبدخول سعد بن أبي وقاص «المدائن» انهارت المقاومة الفارسية وسقطت المدن الفارسية في أيدي العرب كما تسقط ثمار الفاكهة من أشجارها، خصوصا أن الفرس وجدوا أن الفاتح الجديد عامل أهالي المدائن بلا شطط، وكان رحيما معهم رؤوفا بهم، فطلبوا أمانه ودخلوا في دولة الإسلام أفواجا.