القهوة... أصغِ إلى جسمك

نشر في 02-12-2012 | 00:01
آخر تحديث 02-12-2012 | 00:01
لا شك في أن اختيار أسلوب حياة سليم يفيد الرجال لأن هذا الأمر يعزز طاقتهم ويُطيل حياتهم. لكن تكون الخيارات الحذرة مفيدة أيضاً بالنسبة إلى الكوميديين الذين يقدمون عروضاً ارتجالية لأنهم يحصلون بكل سهولة على مادة مناسبة لابتكار دعابات مضحكة. غالباً ما تركز تلك الدعابات على المفهوم القائل إن كل ما هو لذيذ أو ممتع يكون مضراً بالصحة. ينطبق هذا المفهوم على القهوة أيضاً.
لا أحد ينكر سحر القهوة، إذ يشربها حوالى 150 مليون أميركي يومياً وهم يستهلكون مجموعين حوالى 400 مليون كوب يومياً. القهوة مشروب شائع لأنها طيبة المذاق وتحسّن حالة معظم الناس. لهذا السبب على الأرجح اعتُبرت القهوة مسؤولة عن مشاكل لا تُعد ولا تُحصى. يُصاب البعض بعوارض مثل التوتر، وتسارع نبضات القلب، والصداع، والأرق، وحرقة في المعدة، والتبول المفرط، بعد تناول كوب أو كوبين. وقد تساهم القهوة أيضاً في ارتفاع ضغط الدم ولكن يبقى هذا الارتفاع ضئيلاً وعابراً، وقد لا يواجه الأشخاص الذين يشربون القهوة بانتظام هذه المشكلة البسيطة أصلاً.

تحمّلت القهوة أيضاً اللوم على أمراض أكثر خطورة تتراوح بين النوبات القلبية والسكتات الدماغية وسرطان البنكرياس. بدد بعض الدراسات الحذرة هذه المخاوف، لكن لم تتبخر بعد جميع مصادر القلق الكامنة، تحديداً في ما يخص آثار القهوة على القلب والأوعية الدموية. لهذا السبب، سيرحب محبو القهوة طبعاً بأي دراسة تجعل القهوة أكثر إيجابية. حصلت الأبحاث في الشرق الأوسط حيث تُعتبر القهوة شائعة بقدر ما هي عليه في الولايات المتحدة. لكن لفهم طبيعة التجارب الحاصلة، يجب أن نراجع أولاً طريقة تصميم الشرايين وكيفية عملها.

الشرايين: نظرة داخلية

كان الأطباء يظنون أن الشرايين مجرد قنوات جامدة للدم وأنها تقوم في الجسم بما يقوم به خرطوم المياه في عشب الحديقة. إنها فكرة خاطئة! الشرايين بنية معقدة لها وظائف تنظيمية مهمة، وهي تقع على جبهة المعركة الخاصة بالدفاع عن صحة القلب والأوعية الدموية.

يشمل كل شريان ثلاث طبقات على جداره. تتألف الطبقة الداخلية (أو بطانة الشريان) من طبقة رفيعة من الخلايا البطانية التي تتّصل مباشرةً بمجرى الدم. تتألف الطبقة الوسطى بشكل أساسي من خلايا عضلية ناعمة وألياف مطاطية. أما الطبقة الخارجية (الغلالة البرانية)، فتتألف من أنسجة داعمة تكون كثيفة وقوية في الشرايين الواسعة، لكنها شبه غائبة في الأوعية الدموية الحساسة داخل الدماغ.

تؤدي الخلايا البطانية دوراً أساسياً للحفاظ على صحة الشرايين. إذا كانت جميع الخلايا البطانية في الجسم متراصّة جنباً إلى جنب، يعني ذلك أنها تستطيع تغطية ملعب كرة قدم! يزن مجموعها أكثر من كيلوغرام ونصف الكيلوغرام. تقوم الخلايا البطانية بأمور عدة، أبرزها إنتاج أكسيد النيتريك. إنه الغاز المضرّ نفسه الذي يتم بثّه في رائحة الدخان في المواقد ومداخن العادم. صحيح أن أكسيد النيتريك مضر بالبيئة، لكن تُعتبر الكميات الضئيلة التي تنتجها الخلايا البطانية مفيدة للدورة الدموية.

يؤدي أكسيد النيتريك وظيفتين أساسيتين، يحافظ على سلاسة اصطفاف الشرايين ولزاجتها، ما يمنع خلايا وصفائح الدم من الانسداد والتسبب بالتهاب مضر أو تخثر الدم الذي يسد الشرايين. كذلك، يساهم هذا الأكسيد في استرخاء الخلايا العضلية الناعمة في الطبقة الوسطى من جدار الشريان، ما يمنع التشنجات ويُبقي الشرايين مفتوحة.

شرايين عرضة للخطر

الشرايين حساسة بطبيعتها ومن المعروف أن أمراض الشرايين مسؤولة عن النوبة القلبية والسكتة الدماغية، وهما على التوالي أول ورابع سبب للوفيات لدى الرجال الأميركيين. في جميع الحالات تقريباً، يكون تصلب الشرايين المسؤول عن المشكلة، إذ تتراكم صفائح الكولسترول في طبقات الشرايين الوسطى. بما أن الالتهاب يزيد الوضع سوءاً، تتوسع الصفائح في هذه الحالة ويضيق الشريان ويعيق تدفق الدم. الأسوأ من ذلك هو أن تفكك الصفيحة يؤدي إلى تخثر الدم الذي يسدّ الشريان، ما يقتل الخلايا المحرومة من الأوكسجين.

يؤدي تصلب الشرايين إلى ضرر واضح في طبقة الشرايين الوسطى. لكن قبل أن تصبح الصفائح كبيرة بما يكفي كي تمنع تدفق الدم، يتفاقم المرض ويؤثر على وظيفة الخلايا البطانية. في هذه الحالة، يتراجع إنتاج أكسيد النيتريك، ما يمنع الشرايين من التوسع بالشكل المناسب حين تحتاج الأنسجة إلى كمية إضافية من الدم الغني بالأوكسجين. تتعدد العواقب المحتملة، من بينها تصعيب وصول كمية دم إضافية إلى العضو التناسلي بما يضمن عملية الانتصاب. من الواضح إذاً أن مشكلة عدم القدرة على الانتصاب مرتبطة بالخلل في الخلايا البطانية. لسوء الحظ، قد يكون هذا الخلل سبباً للوفاة المبكرة.

على المدى الطويل، تساهم الرياضة في تحسين وظيفة الخلايا البطانية. في المقابل، يترافق ارتفاع ضغط الدم والسكري والخلل في مستويات الكولسترول واستهلاك التبغ مع آثار مضرة جداً. على المدى القصير، قد يؤدي استهلاك سيجارة واحدة أو وجبة غنية بالدهون إلى خلل موقت في طبقة الخلايا البطانية. لكن ماذا عن القهوة؟

 

تقييم الكافيين

بدل اختبار القهوة في الكوب، قيّم فريق من العلماء أشهر مكوّن فيها: الكافيين. شمل الاختبار 80 متطوعاً يبلغ متوسط عمرهم 53 عاماً. كان نصف المشاركين مصابين بمرض الشريان التاجي ولم يكن النصف الآخر مصاباً بأي مرض في القلب والأوعية الدموية. كان 83% منهم رجالاً. خضع جميع الأفراد للاختبار بعد الامتناع عن الأكل في الليلة السابقة والتخلي عن تناول الكافيين خلال 48 ساعة على الأقل.

خضع كل متطوع لاختبارين وكانت المدة الفاصلة بينهما أسبوع أو أسبوعين. في كل مناسبة، خضعت وظيفة الخلايا البطانية للاختبار في المرحلة الأولى، ثم بعد ساعة من إقدام الفرد على ابتلاع قرص يحتوي على مادة الاختبار. في واحد من الاختبارين، كان القرص يحتوي على دواء وهمي. وفي الاختبار الثاني، كان يحتوي على 200 ملغ من الكافيين، أي ما يعادل مرتين ونصف كمية كوب القهوة العادي. لم يعلم العلماء ولا المتطوعون أي اختبار تجريبي شمل الكافيين وأيّهما شمل الدواء الوهمي. أُجري الاختباران بشكل عشوائي.

كانت وظيفة الخلايا البطانية لدى الأفراد السليمين أفضل من ما هي عليه لدى المرضى المصابين بالشريان التاجي حين خضعوا للاختبار قبل تناول الكافيين أو الدواء الوهمي. إنه تحليل منطقي بما أن تصلب الشرايين يعيق وظيفة الخلايا البطانية. لكن تبين أن مادة الكافيين حسّنت وظيفة الخلايا البطانية عند تقييمها وفق اختبار نموذحي اسمه «تدفق الشريان العضدي». كان التحسن واضحاً في المجموعتين، لكنه كان أكبر لدى الأفراد السليمين. لم تؤثر مادة الكافيين على رد فعل الخلايا البطانية تجاه النيتروجليسرين في كل مجموعة. بل إنها أدت إلى ارتفاع بسيط في ضغط الدم لدى المرضى المصابين بمرض الشريان التاجي حصراً. لم يشهد أيٌّ من المتطوعين زيادة في معدل نبضات القلب أو عوارض معاكسة أخرى.

هل أتابع شرب القهوة؟

لا تضع الدراسة القهوة في خانة المأكولات الصحية، لكنها تقدم أدلة متزايدة على أن القهوة ليست سامة أيضاً. إنه أمر إيجابي. باختصار، لن يوصيك الأطباء بتناول القهوة أو التخلي عنها. يجب أن تصغي إلى جسمك! إذا كان يحب القهوة وإذا كنتَ تستمتع بشربها، فلا تتردد في ذلك!

back to top