تقرير اقتصادي| فرق كبير بين إنعاش الاقتصاد وإنقاذ الشركات

نشر في 26-09-2012 | 21:01
آخر تحديث 26-09-2012 | 21:01
No Image Caption
*الفريق الاقتصادي الحكومي يمتلك الرؤية... فهل تتوافر الإرادة السياسية؟

*لا قيمة لضخ المليارات لشراء أصول مسمومة أو مديونيات من شركات أو مواطنين

بينما يحاول الفريق الاقتصادي الحكومي - حسبما أعلن - هذه الأيام وضع آليات تنفيذية لتحريك عدد من الملفات العالقة على الساحة الاقتصادية، يعاود عدد من الشركات المتعثرة للضغط بهدف استصدار قرارات حكومية لشراء أصولها المسمومة.

وشتان ما بين إنعاش الاقتصاد بشكل عام وإنقاذ شركات تعثرت بسبب سياساتها المتهورة قبل الأزمة المالية العالمية والتي كشفت عن عقليات

"لاعبي القمار" في بعض الشركات أكثر من كونها عقليات استثمارية، فإنقاذ الاقتصاد يستلزم اتخاذ قرارات حقيقية تتعلق بالمالية العامة وليس مجرد ضخ مليارات لرفع سعر أصل أو سهم، فالحل يجب أن يكون للمشكلة نفسها وليس لظواهرها أو أعراضها.

ورغم أن التجارب التاريخية السابقة للفرق الحكومية الوزارية أو الاستشارية ليست مشجعة خصوصاً أنها كانت تضع الكثير من الحلول الاقتصادية والمالية، في حين أن الحكومات المتعاقبة اتفقت على عدم اتخاذ القرار، وعليه أكثر ما يخشاه المراقبون اليوم أن يكون مصير الفريق الاقتصادي الحكومي كغيره من الفرق واللجان.

إلا أنه في ظل وجود شخصيات مهنية في الفريق الاقتصادي الحكومي يغلب عليها طابع الشباب والتخصص فيمكن أن يكون هناك بصيص من التفاؤل، ليس برؤية الفريق، بل بتبني مجلس الوزراء لهذه الرؤية وإعطائها غطاء سياسياً على المدى الطويل، بحيث لا تزعزعها أزمة نيابية أو مواقف سياسية إذ عانى الاقتصاد الكويتي على مدى سنوات طغيان مشروع الحكم في عقلية صاحب القرار على مشروع الدولة، مما أدى إلى حدوث اختلال في فلسفة إعداد الموازنة ووضع العديد من المشاريع المهمة في "درج" التأجيل والتسويف.

لذلك فإن الفريق الحكومي بحاجة الى دعم سيادي لتمرير الرأي الفني، وهنا نكون أمام مجموعة من المتطلبات الأساسية التي ستدعم دون شك عملية الإصلاح الاقتصادي مثل:

- يجب تأكيد أن أموال الدولة ليست لسداد مديونية أو تعثر أي طرف سواء كان شركة أو فرداً وحسنا فعل وزير التجارة والصناعة أنس الصالح بنفيه وجود أي مقترح لتحويل قروض الشركات المتعثرة إلى أسهم وسندات عبر نظام التوريق، وربما كان المطلوب من الحكومة بوجه عام أن تكون أكثر صرامة تجاه كل ما يثار بشأن شراء الدولة مديونيات الشركات والمواطنين كون المبدأ واحداً.

- لا بد من إعادة التفكير بفلسفة إعداد الميزانية في الكويت من خلال إعادة توجيه الإنفاق، فحسب ميزانية عام 2011 - 2012 فإن المرصود للإنفاق الاستثماري بلغ 3.1 مليارات دينار من أصل 19.4 مليار دينار، أي ان الإنفاق الاستثماري يشكل 15.9 في المئة من إجمالي الإنفاق، وهي نسبة قليلة خليجياً إذ يتراوح الإنفاق الاستثماري خليجياً بين 18 و33 في المئة إضافة إلى أن المبلغ المرصود للإنفاق الاستثماري لم يصرف منه إلا 64 في المئة فعلياً مما يشير بشكل جلي إلى وجود أزمة حقيقية في الإنفاق والعقلية التي تديره.

- على المدى المتوسط وشرط توفير غطاء سياسي، لا بد من العمل على رفع إيرادات الدولة غير الحكومية من خلال إعادة تسعير الخدمات كالكهرباء والوقود على سبيل المثال، كذلك إعادة النظر في تسعير أملاك الدولة على الشركات، فما كان يصلح قبل 40 عاماً ليس بالضرورة أن يصلح اليوم، إذ إن بعض الشركات يحقق أرباحا عالية نتيجة لانعدام الكلفة في التأجير، وهذا يمكن أن يكون بوابة لفرض الضرائب لتنويع مصادر الدخل التي ترتكز بـ93 في المئة على الإيرادات النفطية وإلا فإنها أي "الضرائب" تعتبر حالياً مبحثاً معقداً نظراً لضغف الخدمات الاساسية كالصحة والتعليم وأيضا لشح الفرص الاستثمارية.

- من أهم إجراءات التحفيز الاقتصادي التي يمكن أن يتخذها الفريق الاقتصادي هو خفض سعر الخصم، وهو سعر ثابت دون تغيير منذ فبراير 2010، إذ بلغت 2.5 في المئة، مع أن "المركزي" خفض سعر الخصم 6 مرات ما بين عامَي 2008 و2010 من 5.75 في المئة إلى 2.5 في المئة، في حين أن أهم متطلب حالياً لتشجيع حركة الأموال ودورانها هو تخفيض سعر الخصم.

- يظل ملف الخصخصة أحد أهم ملفات الإصلاح الاقتصادي، وهو ما يمكن أن يقاس به جدية الحكومة من عدمها في التنفيذ... وفي الحقيقة فإن نموذج عمل الحكومة في ما يتعلق بخصخصة الخطوط الجوية الكويتية محبط جداً ويدل على تخبط في الإدارة، فهو تارة مندفع جداً تجاه الخصخصة وتارة أخرى متردد، في حين أن القرار الحكومي يجب أن يكون حازماً في اتجاه ما يراه منطلقا من أساسيات فنية واقتصادية صرفة.

- يجب الإيمان بأن المشاريع الصغيرة للشباب هي أساس الاقتصاد الحقيقي وأن الدولة إذا أرادت أن تتخلص من الضغط على التوظيف في الباب الأول عليها أن تطلق هذه المشاريع للشباب بشروط تمويل وأراض ميسرة فإن أطلقت الحكومة محفظة لتمويل المشاريع الصغيرة برأسمال يبلغ 2-3 مليارات دينار تقتطع من الفوائض المالية للدولة لمدة 5 سنوات بحيث يكون متوسط رأسمال المشروع الواحد 150 ألف دينار وتقوم المحفظة بتمويل 60 إلى 80 في المئة من رأسمال المشروع دون فوائد على أن يسدد المالك التزاماته تجاه المحفظة على مدى 10– 15 سنة فهنا يمكن الحديث عن توفير ما بين 13 و20 ألف فرصة عمل للشباب الكويتيين في مشاريع إنتاجية واقتصادية وخدمية.

الحديث عن إصلاح اقتصادي حقيقي يستوجب توافر الإرادة السياسية التي تتجه بقوة نحو هدفها بعيداً عن أي ضغوط شعبوية أو من متنفذين، فالفريق الاقتصادي يمتلك من الرؤية الفنية ما يجعله مؤهلا لطرح العديد من الأفكار الخلاقة لكن التحدي الحقيقي يتمثل في توافر الإرادة السياسية الداعمة لهكذا قرارات... فهل تتوافر هذه الإرادة؟! لنتفاءل.

64% فقط من الإنفاق الاستثماري المقرر لميزانية 2011 - 2012 تم صرفه بالفعل

back to top