دعوة الجميع لدولة مدنية لا تتعارض مع الشريعة

نشر في 18-10-2012
آخر تحديث 18-10-2012 | 00:01
 أ. د. محمد جابر الأنصاري يُفترض أن تتمخض حركات "الربيع العربي" نحو انبثاق حالة "نهوض" لدى الأمة، ولكن هذا لم يحدث. لماذا؟ تُقاس حالات النهوض لدى الأمم بالمقاييس التالية:

1- لابد من شعور عام بضرورة النهضة لدى جميع أفراد الأمة، أعني المنتمين إلى تلك الحركات وغير المنتمين إليها.

2- لابد من وجود خطط سياسية- عسكرية، وخطط اقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية لإخراج الأمة من وهدة التراجع والهزيمة والتخلف والشعور بالذل إلى حياة نشطة منتجة مفعمة بالأمل والرجاء. ينبغي أن تكون تلك الخطط مترابطة ومتجهة إلى تحقيق هذا النهوض الشامل.

ويحضرني بهذا الصدد المشروع الإصلاحي الشامل للملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، الذي جاء قبل حوالي عشر سنوات بمشروع وطني شامل لتغيير نمط الحياة في بلده ولدى أفراد شعبه. والمواقف السياسية والعسكرية والفكرية للدولة ينبغي أن تكون نابعة من ذلك المشروع الشامل الذي لا محيد عنه، ويتضح ذلك من مواقف البحرين في شتى المجالات.

فقد تحالفت عسكرياً مع دولتين خليجيتين عربيتين هما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمجال مفتوح لأي دولة أو دول خليجية عربية أخرى تريد المساهمة.

وعندما طرح الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية فكرة تحويل التعاون- بمجلس التعاون إلى اتحاد في القمة الخليجية ألأخيرة بالرياض كان ملك البحرين أول المؤيدين والمرحبين، وعلينا أن ننتظر عقد "القمة الخليجية" المقبلة آخر هذا العام بمملكة البحرين لنرى نتيجة ذلك.

ويجهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة لجعل بلده واحة للاستثمار تعزيزاً "للرؤية الاقتصادية"، وشهدت البحرين إنشاء مركز عيسى الثقافي رمزاً للجانب الفكري والثقافي من المشروع الشامل.

وعلى الصعيد العربي القومي الشامل، كانت البحرين في مقدمة الدول الخليجية التي مدت يدها لجمهورية مصر العربية الشقيقة وكانت دائمة الترحيب بزيارة رئيسها

د. محمد مرسي.

هذا مثال حي يأتي من أرض البحرين العربية لحالة "النهوض" المرجوة لدى الأمة، والتي نأمل أن تحدث بدفع من حركات ودول "الربيع العربي".

وكانت الثورات العربية الكبرى في الماضي قد أحدثت بعد وقوعها تلك الحالة الحية من التطلع إلى نهضة قومية شاملة، فالثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين أحدثت تلك الرجفة والحركة القومية العربية في العراق كان لها التأثير ذاته. وعندما أقام الضباط الأحرار في مصر تجربتهم في 23 يوليو 1952، كانت الأقطار العربية المختلفة مهتمة بمجريات الثورة، وليس مصر وحدها.

نحن الآن- كعرب- في منتصف الطريق من تطورنا التاريخي، ولم نصل إلى نهاية المطاف... ونهاية المطاف حالة لا تدرك، فالأمم العريقة في ديمقراطيتها وما زالت تجرّب وتغير جوانب من نظمها بحثاً عن الأفضل.

وإذا استطاعت دول الربيع العربي التلاقي على كلمة سواء فهي إقامة الدولة المدنية التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، فهنا مربط الفرس ومحك التلاقي، وربما استطاعت مصر العربية بحكم دورها وعطائها في الفكر الإسلامي، وأزهرها الشريف القائم توجهه على التوسط والاعتدال، وبروز رئيسها وقائدها د. محمد مرسي المنتمي إلى كبرى الحركات الإسلامية، نقول ربما استطاعت مصر العربية، بحكم ذلك كله تقديم الصيغة الفكرية والسياسية التي يمكن أن تجتمع حولها دول الربيع الأخرى، وبعضها دول مجاورة لمصر، كليبيا الباحث شعبها العربي عن التعاون الأمني الإقليمي في مواجهة التطرف والتشدد في الوسط الإسلامي، وهو ما ينبغي أن تجتمع حوله الأقطار العربية المختلفة، وحتى الدول العربية التي لم تشهد حركات الربيع العربي تهدف إلى الغاية ذاتها، وسبق أن جابهت تداعياتها وتحدياتها.

إن الظرفين التاريخي والدولي يدفعان إلى ذلك، ولا شك أن الدول العربية المختلفة تواجه المسألة ذاتها، ولا بد من تعاون عربي شامل بين الأجهزة والمؤسسات والجهات المختلفة لتحقيق ذلك، وحتى الجانب الآخر "المعارض" ينبغي أن ينضم إلى هذه الجهود، فلو افترضنا أنهم تولوا السلطة، فماذا سيكون شعارهم؟

أليس دولة مدنية لا تتعارض مع الشريعة؟!

والإسلام- كدين وثقافة وحضارة- يقدم لجميع أبنائه معطيات الاعتدال والتوسط والتسامح.

فهلموا جميعاً إلى دولة مدنية متوافقة مع الشريعة الإسلامية!

* أكاديمي ومفكر من البحرين

back to top