سيرينا... فنادق فاخرة تستثمر وسط الصراع

نشر في 20-06-2012 | 00:01
آخر تحديث 20-06-2012 | 00:01
No Image Caption
 في أماكن لا يكاد السائح يجرؤ على المغامرة في زيارتها، تقدم سلسلة فنادق «سيرينا» في وسط كابول لضيوفها أسرة مريحة وفواكه طازجة وحماية تامة. لكن هل سيتمكن هذا القطاع الفاخر من أن يصمد في منطقة الحرب، محاطًا بالأسلاك الشائكة والجدران الأسمنتية؟ «شبيغل» أجابت عن هذا التساؤل.

حالما يقبل موظف الاستقبال بطاقة الائتمان مع ابتسامة، يرتاح النزيل في الفندق ويقول «الحمد لله». «في الواقع، قبل بضع سنوات، لم أكن قادرًا على الدفع بواسطة بطاقة الائتمان، لأنه لم يكن من فروع لشركات بطاقات الائتمان في أفغانستان! أشعر بالارتياح لأنني لن أضطر إلى الخروج من الفندق للحصول على المال النقدي». ويضيف: «لا تخلو أي رحلة في كابول من «المخاطر القاتلة». أما اليوم فيمكن تجنب ذلك كله}.

لم يتغير الكثير منذ أواخر عام 2005، عندما فتح فندق سيرينا الخمسة نجوم أبوابه في وسط كابول. كان مطوقًا بالجدران الإسمنتية الشاهقة والأسلاك الشائكة، وتحيط بالمبنى مروج خضراء وأحواض أزهار، يا له من ملاذ فاخر وسط حالة فوضى عارمة. دوريات القناصة على الأسطح، والدخول المشدد الرقابة يخضع لتفتيش أمني متكرر. فيتم تربيت الضيف فيما يتم فحص أمتعته مرتين وشمها بواسطة الكلاب المدربة للتأكد من عدم احتوائها على المتفجرات.

تتوزع في المكان ملصقات تحظّر حمل الأسلحة، ومع ذلك لا يزال الشباب المسلحون مع شعرهم المملس إلى الوراء والمسدسات الظاهرة من تحت البدلة يحرسون الفندق.

تهيمن سلسلة «سيرينا» على هذه الأسواق المتخصصة في الفنادق الفاخرة في مناطق الحرب. تأسست في السبعينيات، وتشغل 36 فندقًا من فئة الخمس نجوم في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا. ويعتبر فرعها في العاصمة الباكستانية إسلام أباد النموذج «الرائد». فهو حصن على قمة تلة، يعمل تحت إجراءات أمنية مشددة. وتشمل وجهات «سيرينا» الأخرى كيغالي في رواندا، وكمبالا في أوغندا، وآخر مشروع لها، هو سيرينا في دوشانبي في طاجيكستان.

مسعى باهظ الثمن

سلسلة سيرينا آخذت في التوسع ويجري التخطيط لافتتاح فنادق جديدة في دمشق وحلب في سورية، وهيرات ومزار الشريف في أفغانستان. ويقول أحد الموظفين المتفائلين في «سيرينا» في كابول: «ذات يوم، سيكون من الممكن السفر في أفغانستان مجددًا». «وعندما يحدث ذلك، نريد أن نكون أول من يقدم للسياح إمكانية للإقامة من الدرجة الأولى». ويحكى أنه سبق لشركة سفر أفغانية أن حضرت مسارات السفر تحسبًا لأي جديد.

لكن الأعمال في كابول بالكاد مربحة. فعندما تم تجديد فندق كابول السابق ليصبح سيرينا من فئة الخمس نجوم، بلغت كلفة المشروع أكثر من 30 مليون دولار. والآن نادرًا ما يتم حجز أكثر من نصف الغرف فيه. فضلاً عن ذلك، إن غالبية الزبائن، من رجال الأعمال والدبلوماسيين وعمال الإغاثة والاستشاريين والصحافيين وكبار الشخصيات المهمة، ينزلون بشكل دائم في الفندق. لذلك، من النادر بالنسبة إليهم أن يدفعوا الثمن الكامل أي 356 دولاراً لليلة، فعادة ما يدفعون ثلث السعر المطلوب في الغرفة.

وعلى رغم ذلك، لم يكن البناء مكلفًا فحسب، فتكاليف تشغيل الفندق اليومية مكلفة أيضًا. وتتضاعف فاتورة الحراسة الضخمة عن طريق استيراد المنتجات التي لا تتوافر في كابول، ومنها الطعام بشكل أساسي. حتى الصابون يتم استيراده. أما بالنسبة إلى الكحول، التي تحظر بشكل صارم في أفغانستان الإسلامية، فلا تتوافر للضيوف في «سيرينا» في كابول. لكن يسمح للزبائن في «سيرينا» في إسلام آباد طلب الكحول في غرفهم، إذا كانوا من غير المسلمين فحسب.

من ناحية أخرى، لا يخلو العمل من المخاطر. تجنب الضيوف الفندق لأشهر عدة بعدما اقتحم ثلاثة انتحاريين بهو «سيرينا» في كابول حاملين الأسلحة والمتفجرات، وقتلوا خمسة أشخاص في عام 2008. في العام التالي، تم إطلاق الصواريخ على مجمع الفندق. ففي الواقع، موقع الفندق الرئيس في كابول، بالقرب من الوزارات الحكومية والسفارات الأجنبية، يجعله أكثر عرضة للهجمات.

تعزيز التنمية السياحية

لكن تزعم إدارة «سيرينا» أن أعمالها ناجحة لأن المال ليس عامل التحفيز الوحيد المتاح لها. وتعود ملكية السلسلة إلى شبكة الآغاخان للتنمية، وهي أكبر وكالة خاصة للتنمية في العالم. يجلس على رأسها الملياردير الأمير كريم الحسيني (75 عامًا) الذي أدت ثروته، فضلاً عن ميله الى النساء الجميلات، إلى ترسيخ صورة محبوبة له في الصحافة الشعبية. واحتل اسمه عناوين الصحف في الخريف الماضي عندما دفع لزوجته السابقة 60 مليون يورو في تسوية طلاقهما.

الحسيني هو أيضًا الآغاخان، الزعيم الديني للإسماعيليين. والإسماعيليون يشكلون مجتمعاً ليبرالياً من المسلمين الشيعة، الذين يبلغ عدد أتباعهم حوالى 20 مليون في جميع أنحاء العالم. على مدى أكثر من نصف قرن، بنى شبكة واسعة النطاق من المؤسسات الإنمائية التي تعمل في 16 بلدًا في جميع أنحاء العالم. في الواقع، تمتد المشاريع من بناء المستشفيات إلى الحفاظ على التراث الثقافي. وبدعم من البنك الدولي والحكومة النرويجية، أصبحت سلسلة فنادق «سيرينا غزا الحسيني» مجال التنمية السياحية. ويتعهد الآغاخان بمكافحة التمييز ضد المسلمين. وقال في بداية مشروع جديد له في عام 2008: «نحن لا نبذل الجهد الكافي لنوضح لشعوب عالمنا عظمة الحضارة الإسلامية والثقافة».

فضلاً عن ذلك، يشدد العاملون في الفندق في كابول على أن الأعمال لا تتمحور حول المحافظة على وجودهم في مناطق الأزمات، بل حول توفير فرص العمل وتطوير السياحة في الاقتصادات غير المستقرة. ويقولون إن «سيرينا» تساعد على تحسين الوضع هناك من خلال العمل جنبًا إلى جنب مع الحكومة الأفغانية وتشجيع المستثمرين الأجانب لتطوير البلاد وصناعة السياحة.

عالمان اثنان

وفقًا للمعايير المحلية، يدفع الفندق لموظفيه رواتب أعلى من المعدل المتوسط. يقول الموظفون، إنه كقاعدة عامة، لا يتم فصل العاملين من «سيرينا»، بل تستثمر الشركة أيضًا في تعليم أبنائهم وتقديم الرعاية الصحية لهم فضلاً عن تعويضات التقاعد. يذكر أحدهم: «من النادر العثور على رب عمل مماثل في أفغانستان»، ويتردد هذا الرأي بين زملائه في باكستان. ففي الواقع، قبل ثلاث سنوات، عندما فرضت حركة طالبان السيطرة على وادي سوات، قاطع الضيوف سيرينا المحلية. حتى عندما شنّ الجيش الباكستاني هجومًا مضادًا في عام 2009 وأغلق الفندق لأكثر من سنة، لم يُفصل أي من العاملين في «سيرينا».

أما الأمن فلا يزال على رأس الأولويات في هذه السوق المتخصصة، لا سيما في مدينة مثل كابول، حيث ليس من المستغرب رؤية نزلاء فندق «سيرينا» يتناولون الطعام في سترات واقية من الرصاص بينما يؤمن حراس الأمن المسلحون المداخل. لكن العالم داخل مجمع كابول والآخر خارجه، اللذين تفصل بينهما عمليات التفتيش الأمنية والحواجز الإسمنتية، لا علاقة لهما ببعضهما البعض. واللافت أن المديرين في فنادق «سيرينا» في كابول بالكاد يعرفون المدينة: فهم يعيشون في سيرينا خلال الأسبوع، ثم يطيرون إلى منازلهم في باكستان لتمضية عطلة نهاية الأسبوع.

أما الرجل الذي دفع في الفندق بواسطة بطاقة الائتمان فسيبقى في كابول، أو في سيرينا، لنكون أكثر دقة، لمدة ثلاثة أيام. وبما أنه مستشار للتنمية، رتب لقاءاته كلها لتتم في الفندق، فهو يقول إنه «لن يغادر الفندق أبدًا». وعندما يغادر، سيكون قد رأى كابول مرتين: في طريقه من المطار وإليه من خلال زجاج حاجب للضوء في سيارة مصفحة.

back to top