تقرير اقتصادي: ادعموا موارد صندوق الأجيال… احترازاً من غدر الزمان

نشر في 11-04-2012 | 21:30
آخر تحديث 11-04-2012 | 21:30
No Image Caption
• 25 إلى 30% بدلاً من 10% لاستغلال الإيرادات في التحوط من أي طارئ اقتصادي أو أمني

• احتياطي الأجيال الحالي يغطي «بالكاد» مصروفات 3 سنوات فقط

تتجه الحكومة خلال الأسابيع القليلة المقبلة إلى إعلان النتائج المالية لميزانية عام 2011-2012، والتي من المتوقع أن تحمل فائضا ماليا يتراوح بين 10 و11 مليار دينار، قبل أن تتقدم إلى مجلس الأمة بميزانية لن تقل بعد اعتماد الزيادات الجديدة في الرواتب عن 22.5 مليار دينار.

وبين الميزانية الجديدة والسابقة ستقوم الحكومة باستقطاع 10 في المئة من إجمالي الإيرادات النفطية لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال القادمة، على أن تحال بقية الفوائض المالية، أي 90 في المئة، إلى الاحتياطي العام للدولة في وقت تتصاعد فيه المطالب العقلانية لزيادة نسبة الاستقطاع إلى ما بين 25 و30 في المئة، لتحقيق درجة أمان أعلى للمستقبل، خصوصا في وقت تتزايد فيه أوجه الصرف المالي الاستهلاكي على الرواتب والدعم، دون أن تقابلها أي زيادة في الإنفاق على المشاريع أو تنمية صندوق احتياطي الأجيال.

فالاحتياطي العام الذي يستحوذ على السواد الأعظم من الأموال المرحّلة من الفوائض المالية يستخدم في أوجه قابلة للصرف المستقبلي على المديين القصير والمتوسط، ويساهم في رؤوس أموال مؤسسات حكومية، كالخطوط الجوية الكويتية وبنك التسليف ومؤسسة البترول واحتياطيات النقد والودائع واستثمارات الأسهم والعقار، وتم استخدام جزء منه خلال السنوات الماضية في تمويل محفظتي الأسهم والعقار الوطنيتين.

كما يسعى العديد من نواب مجلس الأمة إلى تحميل الاحتياطي العام كلفة سداد الدولة لحصص المواطنين في العديد من الشركات، كالمدينة الطبية وشركات الكهرباء المقرر إنشاؤها قريبا، كما حدث في سداد الحكومة لحصص المواطنين في رأسمال بنك وربة من الاحتياطي العام للدولة.

أما احتياطي الأجيال القادمة فهو عبارة عن استثمارات مستقبلية طويلة الأمد لا يتم المساس بها إلا للضرورة القصوى، وذلك لم يحدث إلا مرة واحدة منذ تأسيس الصندوق السيادي عام 1953 خلال الغزو العراقي للكويت، إذ استهلكت الحكومة نحو 100 مليار دولار، بما يعادل 65 في المئة من موجودات احتياطي الأجيال القادمة، لتمويل عمليات تحرير الكويت ثم عمليات إعادة الإعمار.

تعظيم الإيرادات

واليوم نحن أحوج ما نكون إلى تعظيم إيرادات واستثمارات صندوق احتياطي الأجيال القادمة، خصوصا أننا نعيش حاليا في وفرة نفطية ومالية استثنائية، إذ تجاوز إجمالي الفوائض المالية خلال السنوات السبع الماضية 45 مليار دينار، أما الإيرادات النفطية فتتجاوز 150 مليار دينار، في حين أن إجمالي موجودات الصندوق السيادي الخاص باحتياطي الأجيال، حسب أرقام غير رسمية، بحدود 70 مليار دينار، وبالتالي فإن مجرد استقطاع 10 في المئة فقط لمصلحة احتياطي الأجيال، يعد مبلغا محدودا مقارنة بحجم الفوائض والإيرادات المالية المتراكمة وقياساً بحجم الصندوق السيادي.

الكويت والنرويج

إن دولة مثل النرويج ترحل جميع الإيرادات النفطية بنسبة 100 في المئة إلى صندوق احتياطي الأجيال فيها، وتعتمد في إيراداتها على الضرائب والرسوم الجمركية، ومع هذا تعتبر اليوم من أفضل دول العالم في مجالي التعليم والصحة لدرجة أنها تقدمهما بشكل شبه مجاني للمواطنين والمقيمين فيها، حيث يبلغ حجم صندوقها السيادي نحو 560 مليار دولار، وهو من أكثر الصناديق تقييما في مستوى الشفافية والأداء حتى خلال الأزمة المالية العالمية.

ومقارنة بالكويت، التي تقوم ميزانيتها أصلا على الإيرادات النفطية، فإن استقطاع 25 إلى 30 في المئة من الإيرادات النفطية لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال القادمة سيوفر حماية للبلد وللمستقبل من أي تقلبات اقتصادية غير محمودة، لاسيما أن وزير المالية مصطفى الشمالي أعلن ذات مرة نية الحكومة رفع الاستقطاع المالي إلى 15 في المئة دون أن يعطي أي تفاصيل أو يبادر بأي خطوات تنفيذية، مع العلم أن نسبة 15 في المئة أصلا تعد نسبة قليلة، إذا أردنا أن نتحوط للمستقبل.

مقارنة الصرف بالاحتياطي

وإذا عقدنا مقارنة بين حجم الصرف في الميزانية العامة للدولة وحجم الصندوق السيادي للدولة البالغ نحو 70 مليار دينار فسنجد أن الميزانية العامة قبل نحو 6 سنوات كانت تبلغ 10 مليارات دينار، أي أن احتياطي الأجيال كان يغطي 7 سنوات من الإنفاق العام، وفي عام 2011 بلغت الميزانية العامة 17 مليار دينار، ما يعني أن الاحتياطي يغطي 4.1 سنوات إنفاقاً.

أما اليوم ومع ميزانية من المتوقع أن تلامس 23 مليار دينار، فإن حجم تغطية احتياطي الأجيال لمصروفات الموازنة بالكاد يتجاوز 3 سنوات انفاقا فقط، وهذا مؤشر غير صحي، وينبئ بمستقبل خطير، خصوصا مع تنامي أوجه الصرف وضعف آليات تدعيم صندوق احتياطي الأجيال القادمة.

المقلق فعلا أنه خلال الأزمة المالية العالمية فإن تنامي أو تعظيم أصول صندوق احتياطي الأجيال القادمة تباطأ بشكل كبير، في حين تنامت أوجه الصرف بشكل قياسي، لدرجة أن الميزانية المقبلة ستتجاوز ميزانية 2009 بنحو 30 في المئة، وبالتالي فإن آليات الإنفاق التصاعدية ستشكل خطرا حقيقيا خلال الــ20 عاما المقبلة، خصوصا من جهة تنامي الطلب على خدمات الدولة، مع توقع تحقيق الميزانية العامة التي تحقق اليوم فائضا بواقع 10 مليارات دينار لعجز تراكمي بين عامي 2020 و2030 بواقع 174 مليار دينار.

مستوى الشفافية

وبالطبع فإن رفع نسبة الاستقطاع من 10 إلى 25 أو 30 في المئة لتدعيم صندوق احتياطي الأجيال يستلزم بالضرورة رفع مستوى الشفافية في الصندوق وتقديم بيانات مالية كاملة، كي يستطيع أهل الاقتصاد والأعمال تقديم النصح والمشورة والتحليل لكيفية إدارة الدولة لأصول مليارية تتعلق بالأجيال القادمة.

إن تعظيم موارد صندوق احتياطي الأجيال القادمة مسؤولية اقتصادية بالغة الأهمية على الجيل الحالي الذي يعيش اليوم في وفرة نفطية غير مسبوقة، وبالتالي فإن أولى الأولويات هي تدعيم موارد هذا الصندوق عبر اقتطاع أكبر نسبة ممكنة من إيرادات النفط بالأسعار الحالية العالية، لتكون مصدرا للدخل والإنفاق حال حدوث اي طارئ مستقبلي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتراجع حاد في أسعار النفط أو عند التعرض لخطر أمني كما حدث في فترة الغزو العراقي.

back to top