أحمد الزنجباري... مطوّر الألحان ومجدد فن الصوت والسامري

نشر في 01-08-2012 | 00:01
آخر تحديث 01-08-2012 | 00:01
خصوصية ألحانه جعلت أعماله خالدة (1-2)

أحمد الزنجباري من الملحنين المتميزين الذين قدموا للمكتبة الموسيقية في الكويت أغنيات تعدّ بحق كنوزاً ثمينة على رغم قلتها، ومدرسة موسيقية مستقلة بذاتها لها أثرها في الأغنية الكويتية والخليجية، لما لها من مقومات وأصول وتميز. يسجل له أنه أول من أدخل الهارموني الكونتربوينت والبيانو في الأغنيات الكويتية المطوّرة.

أبدع أحمد الزنجباري تسعة ألحان خلال مشواره الفني الطويل، ستبقى عبر الأزمان تعبّر عن أصالة الأغنية الكويتية وتراثها الوطني، نظراً إلى طابعها الخاص السهل وبساطتها وشعبيتها، وهي من أهمّ دعائم تطور الفن الموسيقي... يعرف عن أحمد الزنجباري أنه كان دقيقاً في عمله إلى درجة أنه يعيد صياغة اللحن مرات.

شخصية فنية فريدة

الارتقاء بالفنون الكويتية شغل الزنجباري الشاغل على الدوام بالإضافة إلى تقديم ألحان أصيلة لها خصوصيتها وتميزها، لذا خلدت أعماله الفنية في الذاكرة والوجدان، ساعدته نظرته الثاقبة وإجادته العزف على أكثر من آلة موسيقية، فرسم لنفسه شخصية فنية فريدة ومتميزة ومحبوبة.

عشق أحمد الزنجباري صوت الكويتي، فجاء إليه من زنجبار إلى الكويت التي أحب ترابها وتراثها وفنها الأصيل وعاش على أرضها ومات فيها، وأصبح أستاذ الفن فيها بشهادة الجميع ومعلماً لغالبية الملحنين الذين ظهروا في نهاية الخمسينيات وأوائل الستينيات، وأحد أبرز مطوّري الأغنية الكويتية وإيصالها إلى المستمع الكويتي والخليجي والعربي.

أول أغنية كويتية حديثة

شارك الزنجباري مع شخصيات فنية وأدبية وإعلامية في ولادة أول أغنية كويتية حديثة متطورة بعنوان «لي خليل حسين» (1960) التي غناها الفنان شادي الخليج ولحنها الفنان أحمد باقر، في ترتيب الإيقاعات والعزف للأغنية... وقد كتب د. يوسف دوخي عن دور الزنجباري في تطوير فن الصوت في كتابه «الأغاني الكويتية»، رسالة ماجستير طبعها مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية (1984): «أما أحمد الزنجباري فتألق بألحانه المجددة، ويعدّ أول مجدد لغناء الصوت في الغناء الحديث، وأول من أسس طرائق مستحدثة في غناء السامري والصوت على حد سواء لا سيما في أسلوب الأداء، ولا تزال الأغنية الكويتية تتابع مسيرتها على هدي تلك النماذج المعبرة عن الغناء الكلاسيكي الكويتي، واشتهر باختيار أول صوت له من شعر أحمد شوقي وأداء سعود الراشد في:

السحر في سود العيون لقيته

والبابلي بلحظهن سقيته»

في الفترة نفسها تهافت فنانون مطورون ومبدعون، كل على سجيته، وبحدود ما يتطلبه التنافس الشريف، على وضع قالب الأغنية الكويتية الصميمة، وفي ذلك يقول عبد الرزاق العدساني: «أما بالنسبة إلى الصوت العربي بالذات، فمن استطاع تثبيته وتطوير الروح القديمة فيه هو الفنان أحمد الزنجباري، كما فعل في صوتي «ألا يا صبا نجد، والسحر في سود العيون لقيته»، كذلك الفنان عوض دوخي وأخوه (الباحث) اللذان يعدان عاملاً أساسياً في تطوير الصوت العربي وتقديمه بإبداع، وأول من أدخل «الكورس» النسائي في الصوت العربي، في ثاني صوت لهما، وهو: «قل للمليحة في الخمار الأحمر»، ولهما الدور الكبير في تطوير الصوت، ومن الأصوات المعروفة لهما: يا من هواه، وطال الصدود».

لم يقف غناء الصوت عند هذا الحد، بل تعدى حدود هذه المنطقة، فاستهوى أبناء سواحل إفريقيا، ومنهم من عبر المحيط ووصل إلى الكويت وأصبح أستاذاً لفن هذا الغناء في المدرسة الثالثة. وقد تخرّج على يد أحمد الزنجباري سعود الراشد، يوسف وعوض دوخي، فرج الفرج، سلطان أحمد وغيرهم من فناني الكويت.

سيرة ذاتية

أحمد الزنجباري اسمه الكامل هو أحمد سالم سعيد الشهيبي من مواليد زنجبار (1917). جاء إلى الكويت (1933) مع النوخذه أحمد عبد الهادي وتزوج ابنته ولم يتجاوز عشرين عاماً. لم يكن يجيد اللغة العربية، لكن بعد مخالطته للبحارة في السفن تعلّم نطقها تماماً... وظل طوال حياته يثني على المرحوم أحمد عبد الهادي لأن له الفضل الأول والأخير في مجيئه إلى الكويت وبلوغه مرتبه عالية في الموسيقى.

ذكر مصدر آخر أن الزنجباري جاء مع بحارة المرحوم محمد بن شاهين الغانم من زنجبار، وهو من أصل عربي ويرجح أن يكون والده من اليمن. ينتمي إلى عائلة أصيلة ومتدينة، فوالده من أهل الدين والورع والتقوى وكان يشغل مركزاً دينياً مهماً في زنجبار، فاتصف أحمد الزنجباري بصفة والده، وكان متديناً ومن أصحاب الورع والتقوى.

في البداية سكن في بيت في دروازة عبد الرزاق بمنطقة الشرق، وكان يسكن بالقرب من منزله الفنان سعود الراشد فتوطدت العلاقة بينهما. بعد ذلك تعرّف إلى المذيع مبارك الميال فكونوا ثلاثياً فنياً من هواة الموسيقى والغناء يقضون معظم أوقات فراغهم في السمرات والندوات الفنية.

ملتقى فني

كانت تقام في ديوانية أحمد الزنجباري جلسات طرب يتخللها عزف وغناء ويجتمع فيها عشاق الموسيقى والغناء مع الفنانَين سعود الراشد وبدر سعود العبد الرزاق والمذيع مبارك الميال، وغالباً ما كان يحضرها الفنان الراحل عوض دوخي والدكتور يوسف دوخي وشخصيات مهمة.

في هذا الصدد يتذكر بدر بن سلطان العيسى جانباً من نشاط الراحل أحمد الزنجباري، إذ نشر مقالا في جريدة «السياسة» في عددها الصادر بتاريخ 24 ديسمبر 1999 جاء فيه: «قبل نصف قرن حضرت سهرة أحياها المكبس أحمد الزنجباري، (المكبس هو مطرب وعازف عود يغني من الصوت على ظهر السفينة) في مزرعة الشيخ سليمان الفاضل بمنطقة السالمية، بدأت بعد صلاة العشاء مباشرة وعلى ضوء تريك بوناشي، وانتهت عند التاسعة مساء. في تلك الليلة غنى الزنجباري «ولد الهدى» لأم كلثوم. لم يبق من الذين حضروا تلك الحفلة أحد كلهم انتقلوا إلى رحمة الله. هذا المساء شاهدت في تلفزيون الكويت ليلة الزنجباري واسترجعت تلك الليلة».

يضيف: «كان فرقة كاملة بمفرده، لم يكن معه عازف آخر ولا حتى ضارب للمرواس أو ميكروفون، إنما عود أحمد وصوته الخفيف، وهو يحاول جاهداً إطراب الحضور (لم يكن يتعدى عددهم العشرة) بالاندماج في الأغنية، فيطلقون صيحات الإعجاب بعد غناء أحمد كل مقطع من مقاطع الأغنية».

في مجلة «عالم الفن» (العدد 689) الصادرة في 4 يوليو1985 كتب الباحث عز الدين الشريف: «يروي أقرب المقربين إليه الذين لم يفارقوه طوال دربه الفني، وهو الأستاذ سعود العبد الرزاق، أنه إذا سمر الفنان أحمد الزنجباري ليلة من لياليه لم نستطع الحصول على تاكسي من ساحة الصفاة، حتى اعتدنا على اليوم الذي لا نجد فيه «تكسيات» في الساحة ندرك أن الفنان أحمد الزنجباري يسمر هذه الليلة.. وكانت سمراته ممتعة لا تخلو من الطرب والغناء والصوت الكويتي، يقدم فيها أغاني والحاناً المصرية أيضاً، لا سيما أغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب مطربه المفضل، وكان يحتفظ بكمّ من اسطواناته علاوة على مجموعة ضخمة من أسطوانات رياض السنباطي والشيخ زكريا أحمد».

بحار فنان

كانت بدايات أحمد الزنجباري الفنية من خلال عمله بحاراً في سفن الغوص والسفر، ومن محاسن ذلك أن جدد لديه الثقافة الفنية وعمقها واستوعب مزيداً من الألوان الغنائية. وقد اهتم بالصوت الكويتي والعزف على آلة العود لأعمال كبار الفنانين: محمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب، إلى جانب العزف على آلة الكمان في فترة شبابه (1934- 1950).

أسهم الفنان الراحل أحمد الزنجباري في خدمة الحركة المسرحية في بداية نشأتها، ومما يؤسف له أن الأشخاص الذين وثّقوا تاريخ المسرح لم يذكروا دوره، مع أنه وهب جانباً من حياته لخدمته، ويعدّ أول من نقل الموسيقى من «التخت» إلى المسرح، فأصبحت الموسيقى والأغنية جزئين من المسرحية.

شارك على خشبة المسرح في مسرحيتين: «المرأة المقنعة» (1943)، «وفاء» (1945) إخراج حمد الرجيب، عرضت على خشبة مسرح مدرسة المباركية، شارك فيها كملحن وعازف على آلة الكمان ورافقه الموسيقار سعود الراشد على آلة العود وأحمد سيد عمر كمطرب.

لم تكن أدواره ذات قيمة فنية أو بطولة، بل عبارة عن أدوار قصيرة غير مؤثرة. من المؤكد أنه لم يجد نفسه في مجال التمثيل إنما سعى إلى تأكيد موهبته في مجال الغناء، واستمر يمارس نشاطه الفني المسرحي لغاية العام 1945.

مرحلة الخمسينيات

في الخمسينيات عمل منسق حروف في مطبعة خاصة، من ثم عمل في دائرة الأمن العام ضمن فرقتها الموسيقية (1951 - 1955)، وانتقل إلى فرقة الإذاعة الموسيقية (1959) وكان من العناصر الأساسية في تكوينها. بعد ذلك عمل في وزارة الأشغال العامة، لكنه لم يترك الإذاعة الكويتية، وكان يتردد عليها ويقدم ألحاناً غنائية. وعندما تقاعد من وظيفته (31 أكتوبر 1973) طلب الفنان أحمد علي، رحمه الله، من المسؤولين في الإذاعة تعيين الزنجباري على بند المكافأة في مكتبة الموسيقى والتراث التي كان مسؤولاً عنها، وفعلاً تم ذلك وبقي حتى وفاته.

دقة وإحساس

معروف عن الزنجيباري أنه لا يقدم ألحانه لأي مطرب، فقد كان دقيقاً في اختياره المطرب الذي يغني ألحانه مهما كان مستواه أو شهرته، المهمّ عنده معرفة ما إذا استطاع أن يعطي إحساسه في اللحن، لذلك أول من غنى له كان المطرب الشعبي المرحوم فرج الفرج، ولم يكن آنذاك من الأصوات الغنائية الكويتية المعروفة في الساحة، وكانت الأغنية في عنوان «صفا لي حبي اليوم»، يقول مطلعها:

صفا حبي اليوم

بعد الجفا واللوم

كان فرج الفرج (المتوفى في العام 1989) يكنّ تقديراً خاصاً للفنان الأصيل أحمد الزنجباري، وشارك معه في السمرات والحفلات الخاصة.

والطريف في الأمر أن هذه الأغنية لحنها الموسيقار الراحل أحمد الزنجباري للفنان فرج الفرج على ظهر سفينة يملكها خالد الحمد أثناء رحلة سفر من الكويت إلى البصرة، وكان النوخذة آنذاك السيد بدر القطامي، إلا أنه لم يسجلها لعدم إجازة نص الأغنية من قبل لجنة النصوص، عندما قدمها فرج الفرج للإذاعة بعد إجازته كمطرب.

back to top