كيف يمكن أن يحقق الفلسطينيون الاستقلال أخيراً؟
ماذا لو قال عباس: نعترف بأن الاحتلال دائم، الإسرائيليون لن يرحلوا، لذا نحن نتخلى عن طلبنا بالاستقلال، ولكننا نطالب بكل بساطة بحق التصويت، إسرائيل تحكم حياتنا، لذا يجب أن نحصل على حق المساهمة في اختيار حكّام إسرائيل.
قال رئيس وزراء حكومة "حماس" في غزة، إسماعيل هنية، خلال خطاب متلفز في الأسبوع الماضي إن حركته لا تزال ملتزمة بسياسة القتل العشوائي. ولكنه أعطى اسماً مغايراً لهذه السياسة طبعاً، فقال إن "المقاومة هي أقصر طريق لتحرير فلسطين".لكن ما هو معدل نجاح هذه المقاومة حتى الآن بالنسبة إلى رئيس الوزراء؟تُعتبر حركة تحرير فلسطين واحدة من أقل حركات التحرير الوطنية نجاحاً في العالم بعد الحرب العالمية الثانية. في الفترة التي شهدت تقسيم فلسطين في الأمم المتحدة، في عام 1947، كانت هذه الهيئة العالمية تشمل 57 عضواً. اليوم، تضم الأمم المتحدة 193 عضواً وفلسطين ليست واحدة منهم.يمكن لوم فئات متعددة على هذا الواقع المؤسف: رفضت الدول العربية تقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة عربية وأخرى يهودية، ففضلت غزو دولة إسرائيل الناشئة ثم خسرت أمامها في ساحة المعركة. احتلت مصر والأردن قطاع غزة والضفة الغربية بين عامي 1948 و1967 ولكنهما لم تفعلا شيئاً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. بل عمد العالم العربي عموماً إلى حشد الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين بهدف متابعة الصراع مع أنه كان يملك موارد نفطية تكفي لإنقاذ الفلسطينيين من نقص المواد. في المقابل، أظهرت إسرائيل في مناسبات عدة اهتمامها بتحرير غزة والضفة الغربية، وقد استولت عليهما في عام 1967، ولكنها ركزت في أغلب الأحيان على فرض سيطرتها الدائمة على الضفة الغربية فاستعمرتها بطرق مدمِّرة كانت كفيلة بتدميرها ذاتياً أيضاً.لوم الفلسطينيين أيضاًلا يمكن لوم الجميع باستثناء الفلسطينيين على وضعهم الراهن، إذ يعني ذلك اعتبارهم شعباً من دون وكالة مستقلة. اتخذ القادة الفلسطينيون سلسلة من القرارات المريعة التي لم تحقق شيئاً لشعبهم. كان الإرهاب، وليس الدولة، هو الذي لفت نظر الفلسطينيين. وكان تصوير إسرائيل على أنها الشر المطلق هو الذي أرضى الفلسطينيين معنوياً بدل التركيز على إقامة دولتهم.اليوم، يطبق الطرفان الفلسطينيان (المتخاصمان) استراتيجيات شائبة بالقدر نفسه. من المعروف أن "حماس" ملتزمة بالمقاومة كما يقول رئيس حكومتها. يعني ذلك شن حرب استنزاف لامتناهية ضد المدنيين الإسرائيليين واستعمال حجة مبنية على الكره ومستوحاة من الدين لتبرير قتل جميع اليهود الإسرائيليين في الضفة الغربية وفي أملاك إسرائيل (يكفي قراءة ميثاق الحركة للتأكد من صحة هذا الأمر. قد تتغير "حماس" في أي مرحلة لكن يجب أن تتخلى عن جوهر مبادئها لفعل ذلك).قد تنجح هذه الاستراتيجة فعلاً إذا حصلت "حماس" على ثلاثة أو أربعة أسلحة نووية أو إذا رضخ يهود إسرائيل بكل بساطة للمجازر التي يتعرضون لها. تعمل إيران (الجهة التي تزوّد "حماس" بالأسلحة) على تطوير إمكاناتها النووية الخاصة لكن من المستبعد أن يسلّم المسؤولون في طهران أي سلاح نووي إلى أصدقائهم في غزة. كذلك، من المستبعد أن يوافق اليهود على استمرار أعمال القتل ضدهم.تعتبر "حماس" أن حرب الاستنزاف التي تخوضها (انتهت آخر جولة منها في الأسبوع الماضي) ستنتهي بإضعاف إسرائيل، ما قد يدفع اليهود إلى التخلي عن بلدهم قبل المجزرة النهائية. لكنّ هذا التوقع ليس واقعياً بأي شكل. لا شك أن الاستراتيجية الأكثر اعتدالاً التي تطبقها راهناً السلطة الفلسطينية المسيطرة على الضفة الغربية هي أقل تعطشاً للدماء ولكنها غير واقعية أيضاً. يقضي جزء من هذه الاستراتيجية بمتابعة التحدث ضد شرعية الدولة اليهودية (وضد فكرة أن إسرائيل هي الموطن التاريخي للشعب اليهودي). فشلت هذه الحجة التي تتجاهل المعالم الأثرية والتاريخ في إقناع اليهود بأنهم ليسوا ما يدّعونه. (اعتبر بعض الإسرائيليين أن الفلسطينيين ليسوا ما يدعونه أيضاً وقد فشلت هذه الحجة بدورها).يتعلق الخطأ الثاني في هذه الاستراتيجية بالسعي إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي الهيئة العالمية التي منحت الفلسطينيين دولة منذ 65 عاماً. يقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس هذا الطلب في نيويورك في 29 نوفمبر وهو شبه متأكد من كسب اعتراف عالي المستوى للفلسطينيين.دولة منبوذةإنه أمر جيد، وبهذه الطريقة قد يشعر عباس على الأقل بالرضا قبل تقاعده الوشيك. لكن لن تكون هذه الخطوة كفيلة بتقريب الفلسطينيين من قيام دولتهم لأن الدولة الوحيدة التي تستطيع منح الفلسطينيين دولة خاصة بهم في غزة والضفة الغربية هي إسرائيل. يعارض القادة الإسرائيليون طلب عباس ولا شك أن الحلفاء الغربيين سيحمون إسرائيل من تداعيات ما يمكن أن يحدث في الأمم المتحدة.لكن ثمة استراتيجية يمكن أن يطبقها الفلسطينيون فوراً من أجل إحراز تقدم نحو الاستقلال: يمكنهم أن يتخلوا عن حلمهم بالاستقلال.إنها فكرة بسيطة جداً. حين يمثل عباس أمام الأمم المتحدة، يجب ألا يطلب الاعتراف بدولة مستقلة بل يجب أن يقول ما يلي: "إسرائيل تحتل الضفة الغربية وغزة منذ 45 عاماً ويبدو أنها غير مستعدة للتخلي عن الضفة الغربية تحديداً. نحن، الشعب الفلسطيني، نعترف بأمرين: أولاً، نحن لسنا أقوياء بما يكفي لطرد الإسرائيليين. المقاومة المسلحة لا تحقق شيئاً. ثانياً، نعترف بأن الاحتلال دائم. الإسرائيليون لن يرحلوا. لذا نحن نتخلى عن طلبنا بالاستقلال. ولكننا نطالب بكل بساطة بحق التصويت. إسرائيل تحكم حياتنا. لذا يجب أن نحصل على حق المساهمة في اختيار حكّام إسرائيل".ستنشأ ردة فعل هائلة وفورية إذ سيكون وقع طلب حق التصويت مدوياً في أوساط العالم أجمع، ولا سيما بالنسبة إلى اليهود الأميركيين الذين يتباهون بدعم إسرائيل والحقوق المدنية محلياً. كذلك، ستصبح إسرائيل في موقع أضعف بعد هذا الطلب. إذا رضخت لأي مطلب مماثل، فلن تبقى بعد ذلك الدولة الوحيدة التي تشمل غالبية يهودية في العالم بل ستصبح الدولة الثالثة والعشرين ذات الغالبية العربية. وإذا رفضت إسرائيل هذا الطلب، سيسارع أصدقاؤها القدامى إلى اعتبارها دولة مبنية على الفصل العنصري.في هذه الحالة، سيكون رد إسرائيل متوقعاً: سيقرر القادة الإسرائيليون الحريصون على عدم تحويل بلدهم إلى دولة منبوذة التفاوض على خطوة منح الاستقلال للدولة الفلسطينية في الضفة الغربية، ثم في غزة، مع أخذ المحاذير الأمنية بالاعتبار. لن تكون إسرائيل أمام أي خيار آخر.في مطلق الأحوال، لن يحصل شيء من هذا السيناريو طبعاً. لطالما كان التعنّت الإسرائيلي ملازماً لِقُصر نظر الفلسطينيين.