المالكي وإمبراطورية الفساد وشعب «الماكو»

نشر في 17-11-2012
آخر تحديث 17-11-2012 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر    لا يمكن لأي سياسي أن يستمر بالكذب طويلاً على شعبه فلابد لحقيقته أن تظهر بعد فترة وإن طالت، وهذا ما حدث تماماً مع المالكي في الآونة الأخيرة. فقد حاول الرجل منذ ولايته الأولى  الظهور بمظهر السياسي الذي يطمح إلى المزيد للشعب ولا يمنعه في ذلك إلا شركاؤه في  حكومة الشراكة الوطنية، واستطاع إلى حد ما الاعتماد على هذه النقطة في التقليل من شعبية الأحزاب والائتلافات الأخرى سواء الشيعية منها أو السنية. وتأتي الأحداث الأخيرة لتكشف كمية الكذب الذي مارسه المالكي على الشعب، وليكتشف الشعب أن المالكي هو من يقف عائقاً في بناء عراق ديمقراطي بدون مشاكل سياسية، وأن من يحمي الفاسدين في العراق هو دولة رئيس الوزراء المبجل لا غيره.

ففي الفترة الأخيرة مر بالعراق حدثان لو حدثا في أصغر دولة في مجاهل إفريقيا لتنحى واستقال المسؤول الأول فيها ولأفسح المجال أمام غيره لترميم ما أفسده. ففضيحة "صفقة الأسلحة الروسية" للعراق مع ملف "البطاقة التموينية" أظهرا بشكل لا يدع مجال للشك أن المالكي هو أخطر ما واجه العراق خلال تاريخه الحديث. فبعد شد وجذب وبعد أزمة سياسية شنجت الوضع السياسي أكثر مما كان عليه أصر المالكي بشكل يدعو للاستغراب على إبرام صفقة أسلحة مع روسيا بملايين الدولارات مبرراً إصراره هذا بوجوب بناء جيش قوي  بمصادر أسلحة متنوعة، الأمر الذي أيده فيه الكثير من البسطاء من الشعب غير مدركين أن استماتة المالكي في إبرام هذه الصفقة لا علاقة لها بوطنية هذا الرجل وحبه للعراق، بل للحصول على منافع شخصية له ولـ"شلة الفاسدين" من حوله وهذا ما كُشف لاحقاً.

وقد فُضح أمر هذه الصفقة، حسب مصادر روسية، بينما الوفد العراقي كان لايزال في روسيا، حيث أبلغ بوتين المالكي أن الوفد العراقي يطالب بعمولة مقدارها 195 مليون دولار، وعلى الرغم من ذلك استمر الوفد في عقد الصفقة. والغريب في الأمر أنه بعد عودة الوفد العراقي لم تشكل أي لجنة تحقيق للتأكد من ملابسات الموضوع على الرغم من أن القضية كانت واضحة للمالكي، وكان المفروض به بوصفه رئيس الوزراء وحامياً للقانون والعدالة أن يحاسب جوقته (حتى إن كان غير مشارك في الفضيحة هذه)، كما يفعل مع غير المنتمين إلى خطه وتوجهاته، لكن بعكس ذلك فقد بدأت الآلة الإعلامية ووسائل الإعلام المجيّرة له، وكما هي عادتها، بتصوير الصفقة وكأنها إنجاز تاريخي للمالكي وانتصار وطني للعراق والعراقيين.

وبدلاً من ذلك فتح "دونكشوت" العراق جبهة أخرى لمحاربة الفساد واختار هذه المرة أهم ملف مرتبط بصميم الحالة المعيشية للفرد العراقي. فقد أقر مجلس الوزراء إلغاء نظام البطاقة التموينية، وكأن كل الفساد الموجود في العراق هو بسبب وجود هذا النظام الغذائي الذي يتعلق بصميم قوت الشعب، الأمر الذي أثار سخط شريحة واسعة من الشعب والأحزاب العراقية والمراجع الدينية في النجف وكربلاء، مما حدا بالمالكي ليتستر بستار مجلس الوزراء والكتل السياسية المشاركة ويدعي أن مجلس الوزراء قد وافق على هذا القرار بالإجماع، الأمر الذي  كذبه ممثل التيار الصدري مبيناً أن وزراء التيار الصدري لم يوقعوا على هذا القرار، مما يعتبر مؤشراً آخر على أن القرارات تتخذ بدون علم مجلس الوزراء ويتفرد بها المالكي دون أخذ رأي أحد.

ثم لتخفيف الضغط الجماهيري والسياسي عليه ادعت "دولة القانون" أن الحكومة ستقوم بالسيطرة على أسعار المواد الغذائية في السوق لمنع التلاعب بها وزيادتها في حال إلغاء نظام البطاقة التموينية، وبعد أيام من إثارة هذه الأزمة يخرج إلينا مسؤول من ائتلاف المالكي بتصريح ليؤكد ما ندعيه من غباء سياسي مدقع يعانيه المالكي وأعوانه وليزيد الطين بلة، فلقد صرح أحد فطاحل "دولة القانون" بأن الحكومة كانت بصدد تطبيق قرار إلغاء البطاقة التموينية على محافظة واحدة بداية لقياس مدى النجاح فيها واتخاذ القرار التالي بناء على تقييم النتائج في هذه المحافظة.

في تصوري إن هناك ربطاً مباشراً بين موضوع الفساد الذي كشف عنه في صفقة الأسلحة العراقية من روسيا وإثارة موضوع إلغاء البطاقة التموينية. فلقد اعتاد المالكي منذ بداية ولايته الأولى وللتغطية على أي فشل يواجهه بإثارة مشاكل وأزمات سياسية مع هذا الطرف أو ذاك سواء كان الطرف هذا داخلياً أم خارجياً، وبعد كم هائل من الأزمات والمشاكل السياسية مع الأطراف السياسية العراقية ودول الجوار العربية، وبعد أن وصلت كل هذه الأزمات إلى حافة الهاوية لم يبق هناك مجال للذهاب أكثر في طريق إثارة أي منها فقد ارتأى "دولة" رئيس الوزراء هذه المرة إثارة أزمة مع الشارع، وذلك بغية التغطية على الفضيحة التي رافقت صفقة السلاح العراقية من روسيا، ومن المؤكد ان هذه الأزمة آنية ولن تستمر أكثر من استمرار أصداء فضيحة صفقة الأسلحة، وسنرى بعدها مباشرة أن قرار إلغاء البطاقة التموينية قد ذهب أدراج الرياح وسيعود كل شيء إلى ما كان عليه، لأن المالكي ليس مستعداً أن يخسر أصوات الشارع العراقي في الانتخابات القادمة.

المثير للاشمئزاز أن هناك الكثير من التناقضات السياسية في الوضع العراقي التي استطاع المالكي الدخول من خلالها واستغلالها لبناء إمبراطوية اقتصادية وسياسية له تربع عليها بعد سنوات قليلة وساق الشعب وراءه بشعارات تافهة ليس لها وجود على أرض الواقع، فهل سيفيق العراقيون وينقلبون على سارق قوتهم وقوت أطفالهم أم سيستمرون في الشكوى والقول إنه "كهربا ماكو"، "شكر ماكو"، "ماي ماكو"، "أمن ماكو" حتى أصبحنا في دولة يمكن تسميتها بدولة الماكو... والشيء الوحيد "الآكو" في هذه الدولة هو الفساد برعاية إمبراطور الفساد المالكي ورغم ذلك فنفس "المولولين" والمشتكين وجماعة "الماكو" هم أنفسهم من يرشح المالكي في أي انتخابات!

* كردستان العراق – دهوك

back to top