«رحلتان إلى اليابان» للجرجاوي وحافظ... أسفار لأجل المعرفة

نشر في 23-12-2012 | 00:01
آخر تحديث 23-12-2012 | 00:01
No Image Caption
صدر مرفقاً مع مجلة «الدوحة» القطرية كتاب «رحلتان إلى اليابان» للمصريين علي أحمد الجرجاوي والدكتور صبري حافظ. على الغلاف الأخير نقرأ أن مئة وستة أعوام تفصل بين الرحلتين اللتين يضمهما هذا الكتاب، وبالإضافة إلى عامل الزمن يفصل الرحلتين التكوين الثقافي والتوجه الذي ينطلق منه الكاتبان، ولكن تجمعهما رغبة في المعرفة وفي نقلها إلى القارئ العربي.
يوضح صبري حافظ في مقدمته لكتاب «رحلتان إلى اليابان» أن الجرجاوي هو أول مصري سافر إلى اليابان عام 1906، مؤكداً أنه تحمل الأسفار ومشقتها لينقل الخبرة الراقية لشعب اليابان فيخدم بذلك بلده وجامعته ودينه، مشيراً إلى أنه أراد من رحلته أيضاً التي قام بها عام 2012 أن يستكمل ما قام به الجرجاوي. ومعتبراً أن الزمن أحد أهم العوامل التي أدّت إلى الاختلاف في تناول كل منهما لرحلته.

   ففي عام 1906، وصلت الأنباء إلى العالم الإسلامي بأن الشعب الياباني بعد انتصاره على روسيا سيعقد مؤتمراً كبيراً للمقارنة بين الأديان المختلفة لأجل اختيار أفضلها وأصلحها، حتى يصبح دين الإمبراطورية الرسمي.

اهتم عدد من الصحف في أنحاء العالم الإسلامي بهذا الخبر، وكان ممن سمع به وجذب اهتمامه صحافي مصري أزهري هو علي أحمد الجرجاوي؛ فكتب في صحيفة «الإرشاد» يدعو شيخ الأزهر وعلماء الإسلام إلى تشكيل وفد للمشاركة في هذا المؤتمر الذي يمكنهم من خلاله إقناع الشعب الياباني وإمبراطوره بالإسلام؛ وهو ما من شأنه إذا حدث قيام حلف إسلامي قوي يجمع اليابان وربما الصين أيضاً مع السلطنة العثمانية، فيعود إلى الإسلام مجده القديم.

ولما لم يجد الجرجاوي استجابة من الأزهر على دعوته، أعلن عزمه على السفر بنفسه لأداء هذا المهمة، فعاد إلى بلدته «أم القرعان» في صعيد مصر، وباع خمسة أفدنة من أرضه لينفق منها على رحلته، واستقل الباخرة من ميناء الإسكندرية قاصدًا اليابان، وغاب أكثر من شهرين، ثم عاد بكتاب عنوانه «الرحلة اليابانية» نشره عقب عودته من اليابان، وصدرت طبعته الأولى سنة 1907 على نفقته الخاصة، ويعتبر أول كتاب في العالم العربي ربما يكتبه صاحبه عن اليابان.

 ذهب الجرجاوي، وكان في طموحه تقديم صورة ملائمة للمسلم تعريفاً وتبشيراً بالدين الإسلامي بين أبناء الشعب الياباني عقب مؤتمر ديني بأمر الميكادو الحاكم على تلك البلاد آنذاك ولمعرفة ما وصلت إليه تلك البلاد من تقدم بشغف معرفي، وهو السبب ذاته الذي ذهب إليه الناقد الدكتور صبري حافظ هذا العام منذ شهرين، غير أن حافظ سافر في ظرف وصلت فيه صورة المسلم إلى درجة أسوأ تضعنا في موضع الدفاع لا أكثر وهو في حياته مال إلى الأدب ولا يسعى إلى التبشير بالإسلام بقدر ما يعتنق عروبته.

محطات كثيرة

ترك الزمن بصمته على الرحلتين وعلى طريقة كتابتهما، إذ كانت المواصلات الوحيدة التي تنقل مصرياً إلى اليابان في مطلع القرن العشرين هي القطار أو السفينة، بينما كانت الطائرة والنفاثات العملاقة بالتحديد قد قلصت زمن الرحلة التي استغرقت أشهراً في الرحلة الأولى كي يصل صاحبها إلى اليابان، فلم تتجاوز عدة ساعات في الثانية، لذلك يلاحظ أن الرحلة الأولى، تتلكأ لصفحات طويلة عند محطات كثيرة على الطريق، وهذا الأمر الذي لجأ ناشر الرحلة إلى حذفه في هذه الطبعة، فليس في تلك التوقفات أي شأن باليابان. لكن المدهش في الأمر، والذي يبدو أنه من القواسم المشتركة بين الرحلتين، هو أن الاستطراد يفرض نفسه على بنية الرحلة. وكأن الارتجال الفعلي يستلزم ارتجالات ذهنية في الزمن والمعارف والتذكارات يبعثها في العقل وتبدل المكان. وهي استطرادات حصلت بمنطق مغاير في الرحلة الثانية.

الجامع بين الرحلتين أنهما مكتوبتان معاً لأجل أن يقرأهما قارئ عربي يروم التقدم لبلاده، واستلهام النماذج التي طورت نفسها، وحظيت بمكانة مرموقة بين الأمم. نماذج مغايرة للنموذج الغربي، يضعها الكاتبان أمام العقل العربي كي يتأملها ويستقي منها الدروس.

لأن الكاتب يحمل هموم بلاده التي تركها وراءه في ارتحال، كان مثيراً للانتباه بحسب صبري حافظ أن الجرجاوي، كاتب الرحلة الأولى، يعي أن من العادة أن تكتب الكتب وتهدى للحكام منذ كتابة «قلائد العقيان» للموكل و{العقد الفريد»، وحتى «كتاب الهدية السعيدة في الحكمة الطبيعية» في زمن قريب من زمن كتابته لكتابه. ولكنه مع ذلك، ورغم علاقة الجرجاوي الوثيقة بالباب العالي العثماني، ورعاياته لمجلته «الإرشاد»، لم يهد الكتاب (الرحلة) للسلطان عبد الحميد، سلطان الدولة العثمانية آنذاك. ويؤكد: «لم أتحمل الأخطار ووعثاء الأسفار، ولم أعتمد في الإنفاق على الأخلاق، إلا لأجل نفع بلادي وخدمة ديني وجامعتي، وهذا هو أول مبرر لوضع هذه الرحلة».

انبهر الجرجاوي باليابان، فجعله انبهاره يخلط بين الحقيقة والخيال، ويقدم لنا صورة رومانسية عن اليابان من ناحية، وعن نجاح مهمته من ناحية أخرى، لدرجة أنه يخبرنا أن امبراطور اليابان جذبته الدعوة الإسلامية ولكنه خشي أن يصدم مشاعر شعبه، فتقاعس عن إعلان إسلامه. وفي وصفه للرحلة اليابانية يسهب في الحديث عن الشعب الياباني وشجاعته في الحرب الروسية وعلو همته، ويشيد بوطنيته وتضحياته لأجل حرية وطنه، كذلك يمتدح المرأة اليابانية والبوليس الياباني والصحافة والتعليم والخطباء والقصاصين وكل شيء في اليابان، حتى أعيادهم وعوائدهم في الجنازات والمناسبات المختلفة. الرحلة مليئة بالمبالغات الواضحة التي تقترب من الأساطير الشائعة في القصص الشعبي، ربما كان أكثرها وضوحًا ما يذكره من أنه قد أسلم على يديه 12 ألفاً من اليابانيين في 32 يومًا فقط، أمضاها في بلادهم، في حين أن بعض التقديرات الحالية لمسلمي اليابان لا يزيد عن الرقم نفسه بعد ما يقرب من قرن.

 

back to top