بطل قومي... مجرم دولي؟

في خضم ما سمي الربيع العربي بعد عقود من التقوقع كما أطلق عليه البعض، وعدم التأثر بما يحدث في هذا العالم، حتى ظن البعض أن التغير الذي تنقل بين أوروبا الشمالية وآسيا وأدغال إفريقيا توقف عند البوابة العربية، حيث دب اليأس في أغلب المثقفين والمصلحين والسياسيين والمراقبين للشأن العام. وحينما حدثت بعض التغييرات على صعيد القمة من تبدل في شكل السلطة في بعض البلدان، ظهرت بعض الملامح الخطيرة التي تنبه لوجود معضلة كبرى وخطيرة، وتحتاج إلى جهد ووقت؛ ألا وهي معضلة "الثقافة" سواء اجتماعياً أو سياسياً أو حتى إنسانياً.  وتظهر جلياً هذه الأزمة في عدة أوجه وصور وحالات أورد واحدة كنموذج، واختصاراً في حالة أن "يتحول مجرم حرب إلى بطل"، مجرم جر على بلده والمنطقة كوارث عدة ما زلنا نعيش توابعها، وقد تستمر سنوات طوالاً. فتسوق هذه العقليات تبريرات وخلطاً للأوراق لتحويل مجرم إلى بطل قومي لأنه من هذه الفئة أو تلك، أو بالأصح أن ينظروا إلى الضحية ليحددوا موقفهم من القاتل.   فالقضية ليست مسابقة من قتل أكثر أو من قصف مدناً ومسح قرى أكثر، وصل الأمر بالبعض إلى تبرير القتل والحروب والجرائم بقصة المؤامرة، وتارة الخديعة، وتارة أخرى تبرير الأفعال بحجج واهية، وما يحدث في أغلب الميديا الحديثة من قنوات وصحف إلكترونية و"تويتر" ومواقع تحتوي على تعليقات مؤسفة يظهر مدى صحة ذلك.  فالقتلة والدكتاتويون لم يخرجوا إلا من بيئة تسمح بثقافة الإلغاء والعنصرية، فهي البيئة الصانعة لتلك العقليات، فالقضية ليست فقط في هرم السلطة، بل من ثقافة وبيئة حاضنة أنتجت أنظمة شمولية، وهذا يوضح بجلاء مدى الجهد المطلوب لربيع  ثقافي ينشر التسامح ويعزز ثقافة حقوق الإنسان والتعايش مع المختلف أينما كان، واحترام الآخر فكراً ورأياً واختلافاً، فالخالق سبحانه قال "لتعارفوا" أي تعايشوا، ولم يقل تذابحوا.  فما أحوجنا في الكويت إلى تعزيز هذه القيم، للقضاء على أي تسرب لهذا الفكر الذي يدعمه البعض، بل للأسف يموله طمعاً في كرسي هنا أو منصب هنالك، ويصفّق البعض عن جهل بالعواقب الوخيمة لأي مجتمع تنتشر فيه الإقصائية والعنصرية والترويج لثقافة السلبية.  وهذه مسؤولية الجميع: الدولة بكل مؤسساتها، والأفراد، والمجتمع المدني الذي يتطلع أن يعيش في وطن أجمل كوطن النهار، فـ"السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.