الزنج

نشر في 22-12-2012
آخر تحديث 22-12-2012 | 00:01
 د. صالح الحيمر الأوضاع متدهورة والدولة أصابها العطب ولا تكاد ترى أي مجال للتطور أو التنمية، تشكو الترهل وبدت شاحبة، نخرها الفساد الإداري والتخلف الاقتصادي. في المقابل زادت المظاهر العسكرية وقويت شوكة أصحاب البزات الحربية، الكلمة لهؤلاء العجم قليلي التفكير ومحدودي الأفق الذين أتت بهم الأهواء الشخصية وعلاقات النسب مع الأمراء والأعيان لهذه الأماكن الحساسة.

في المقابل فإن التجار يرون تجارتهم ولا يرون غيرها، وينظرون إلى عقاراتهم لا إلى سواها، يتابعون تجارتهم لا يعرفون إلا طريقها، وما دامت الأموال تتدفق إلى جيوبهم فكل ما سواها يهون.

رأى هذا الشقي المتذاكي أن الفرصة مواتية للانقضاض على الدولة وشعبها، وظن المسكين أنه سينفذ ما يدور بباله، وظن خطأً أنه فوق الجميع، وزعم بتواصل نسبه إلى بيت النبوة. وضع خطة لم يشاركه فيها أحد، وعقد النية لإغراق دولة الخلافة في الوحل، لم يراع تاريخها ولم يحترم قادتها المؤسسين، ولم يرف له جفن عندما وضع خطة الشؤم هذه.

استفز مدعي النبوة أراذل القوم ليهجموا بكل همجية على الدولة التي آوتهم وحفظتهم، أثبت لهم زوراً أنهم الأحق بها، وأن النظام يسمح لهم باستغلال ثرواتها واستعباد أهلها واستباحة العرض والنسل.

هؤلاء الأوباش والشذاذ "طلعوا على أصلهم" وأخرجوا خرابهم الذي بداخلهم، فأكثرهم أصحاب ماض أسود وسمعة سيئة، وبعضهم "حرامية" قبض عليهم بالجرم أكثر من مرة، ومنهم من هو هارب من العدالة في الدول المجاورة لجأ إلى البصرة واحتمى بالدولة العباسية، وجمع منهم لم يعرف طعم الحرية والاحترام سوى في دولة الخلافة، حيث تم جلبهم من إفريقيا وبلاد فارس ودول القوقاز.

المجرمون المحرومون سابقاً من السطح طفوا عليه الآن، وأظهروا أسلوبهم المتخلف وطريقتهم الفجة، وماضيهم الإجرامي في سياسة الدولة وسوقها نحو الخراب، لم يمنعهم دين أو خلق أو حتى أصل، فاعتدوا على مقدرات الدولة وشرّعوا السرقة الممنهجة.

زعيمهم ما زال يخبرهم بأحلامه ورؤاه ويعدهم بالتمكين بينما هو مستمر في عبثه التخطيطي وضياع بوصلته الإدارية وغياب نظرته للمستقبل، فالقتل عنده هواية والسلب لديه مهنة والحرق والتخريب يبرد ما لديه من حقد على دولة الخلافة.

قام أهل البلاد بعد فترة من التخاذل والهروب وتفادي المواجهة تحت راية الشهم الشجاع "أبو العباس الموفق"، وقاتلوا قتال الأبطال على مدى 14 عاماً، والملفت في هذه الفترة أنهم منذ قاموا لم تلن عزيمتهم، ولم يرعبهم منظر الدماء ولم يتردد أي منهم في طلب دولته التي كادت تغيب للأبد.

طارد الموفق الأحباش وزعيمهم "الغاوي" محمد بن علي وشدوا عليهم حتى قضوا على ثورة الزنج بالقرب من المختارة، وعاد الموفق برأس زعيمهم إلى أخيه المعتمد، ويحمل معها مستقبلاً مشرقاً لدولة بني العباس المظفرة.

back to top