تاريخ العقوبات: إيران بعيدة كل البعد عن الانهيار

نشر في 09-10-2012
آخر تحديث 09-10-2012 | 00:01
رغم تقليصها لواردات النفط الإيراني، لم تتخلَّ الصين عن موقفها الصارم ورفضها السماح لواشنطن إحداث أي تغيير في نظام طهران، وينطبق الأمر عينه على روسيا، وعلينا أن نستعد لموقف أكثر تعنتاً في حال حاولت الولايات المتحدة تشديد العقوبات.
 ذي ناشيونال أعلن وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتز يوم الأحد الماضي أن الاقتصاد الإيراني "على شفير الانهيار"، فقد بدأت العقوبات أخيراً تأتي بثمارها، مسببة للإيرانيين "صعوبات اقتصادية كبرى" نتيجة خسارة سنوية في عائدات النفط تُقدّر بـ45 مليار دولار إلى 50 ملياراً.

وفي اليوم السابق، كان وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قد ذكر أن الملالي، في رأيه، سيسقطون قريباً على يد "ثورةِ تحرير إيرانية" شبيهة بالثورة التي أطاحت بحسني مبارك في مصر.

يجب ألا نعتبر هذين التصريحين حقيقة مسلماً بها، فما هما إلا جزء من خطة تراجع ينفذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ألمح إلى أن إسرائيل لا تملك القوة لتقضي بمفردها على منشآت إيران النووية، ولذلك عليها أن تطيل "مهلتها الأخيرة" قبل اللجوء إلى الحل العسكري حتى منتصف السنة المقبلة، على أمل أن تنضم إليها حينذاك الولايات المتحدة الأميركية.

إذن، يجب أن يعرب العالم عن امتنانه لأن الشرق الأوسط لن يشهد قريباً حرباً جديدة، لكن تلك رواية عن "أن العقوبات تحقق المراد منها" اكتسبت بعداً آخر.

حظيت هذه الرواية بزخم إضافي نتيجة الخلافات التي اشتعلت في طهران بسبب تراجع قيمة الريال الإيراني، ومحاولات الرئيس محمود أحمدي نجاد الخرقاء فرض تنظيمات حكومية على أسواق عملات تسودها الفوضى.

مع انخفاض الثقة بالريال، اشتبكت حشود المواطنين مع رجال الشرطة، بينما راح تجار العملة يقفلون أبواب محالهم، كذلك احتشد تجار البازار (السوق المركزية الكبرى)، بعد أن عجزوا عن تسعير سلعهم، وأخذوا ينادون بشعارات مناهضة للحكومة، مثل "اتركوا سورية وشأنها، وفكروا فينا!". فهل يعني ذلك أن العقوبات ناجحة حقاً وأن الملالي يقفون على شفير الهاوية؟

لا يبدو سجل العقوبات الاقتصادية متناسقاً، مقدماً أدلة على أن العقوبات تعجز عن الإطاحة بالحكومات، فضلاً عن أن نتائجها تعتمد على عوامل لا يتحكم بها مَن فرض هذه العقوبات، فقد يردد كثيرون أن الاقتصاد "بات على شفير الانهيار"، إلا أنه لا ينهار فعلاً، إذ يتوافر له دوماً ما يتاجر به، حتى لو كان بضعة أعواد من الغابة.

تُعتبر زمبابوي خير مثال لذلك، فمع أن التضخم المفرط زعزع اقتصادها، حتى بلغ ثمن رغيف الخبز مليون دولار زمبابوي (إلى أن تخلت الدولة عن العملة المحلية مستبدلةً إياها بالدولار الأميركي والراند الجنوب إفريقي)، ظل الرئيس روبرت موغابي ممسكاً بزمام السلطة في البلاد.

في العراق، أخفق نظام العقوبات، الذي وضعته الأمم المتحدة، بالإطاحة بصدام حسين، مع أن دنيس هاليدي، أحد المشرفين على تطبيقه، اعتبره أشبه "بإبادة". وأظهرت التجربة العراقية أن الفقراء يزدادون فقراً، والطبقة الوسطى تمحى. يبيع الناس كتبهم أولاً ثم حليهم وأثاثهم، وأخيراً منازلهم ليسددوا ثمن الطعام والدواء، ففي اقتصاد شمولي يعتمد على النفط، يزدهر مَن تجمعهم بالنظام روابط وثيقة، فيتنقّل المهربون والتجار، الذي يتمتعون بالكثير من المعارف في مناصب رفيعة، في شوارع البلد بسياراتهم الفيراري.

يعتبر كثيرون دولة جنوب إفريقيا مثالاً يُحتذى به، فقد أدت عقوبات الأمم المتحدة، التي شملت سحب الاستثمارات الأجنبية من الاقتصاد وقطع كل الروابط الرياضية والثقافية، إلى سقوط نظام الفصل العنصري.

لكن أوجه الاختلاف كثيرة، فقد حظيت عقوبات جنوب إفريقيا آنذاك بتأييد حركة المعارضة، المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي تمتع بدعم الأغلبية، أما في إيران، فما من أصوات كثيرة مؤيدة للعقوبات.

علاوة على ذلك، سبق أن عبرت الولايات المتحدة عن نواياها بوضوح، فقد أدرجت منذ سنوات منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة المنفية على اللائحة الأميركية للمجموعات الإرهابية المحظورة، إلى أن قررت إدارة أوباما إزالتها في 28 سبتمبر، فكان لهذه الخطوة تأثيران: أولاً، بات بالإمكان اليوم اتهام أي معارض داخل إيران بأنه يساعد هذه المنظمة، التي لطالما اعتُبرت خائنة في إيران منذ أن قاتلت إلى جانب الجيش العراقي عقب مهاجمته إيران عام 1980. ويدرك مَن يتظاهرون ضد النظام الحالي في إيران أنهم يواجهون خطراً متزايداً، إذ قد يُعدمون بجرم الانضمام إلى منظمة "مجاهدي خلق".

تحظى هذه المنظمة بشعبية واسعة في واشنطن بسبب ما قدمته من معلومات عن برنامج إيران النووي ورفضها حكم الملالي. ثانياً، يعتبر الإيرانيون اليوم أن منظمة "مجاهدي خلق" تؤدي دور أحمد جلبي، السياسي المنفي الذي أيدته الولايات المتحدة ودعمته ليتولى السلطة في العراق بعد صدام. صحيح أن جلبي نجح في ملء أعمدة الصحف حول العالم، بيد أنه أخفق في الفوز بالدعم الشعبي في العراق.

يرى داعمو العقوبات في لعبة اللوم الدائرة في طهران بشأن مَن يتحمل مسؤولية أزمة العملة (يشير معارضو أحمدي نجاد إلى عدم كفاءته) إشارة إلى تصدّع الطبقة الحاكمة. قد يكونون محقين، لكن هذا التصدع ليس بالخطورة التي يظنون، فقد تكون هذه مجرد مناورات سياسية معتادة.

ما عاد أحمدي نجاد، الذي ينتهي عهده السنة المقبلة، يحظى بأهمية كبرى، وينصب كل الاهتمام راهناً على المعركة الدائرة لتحديد خلفه، فقد لا يكون عالم السياسة الإيراني مختلفاً كثيراً عن عالم السياسي الإسرائيلي: صحيح أن السياسيين الإسرائيليين يتقاتلون، ناعتين أحدهم الآخر بـ"النازي" و"الخائن"، بيد أن شؤون الدولة الفعلية (مثل نشر المستوطنات في الضفة الغربية) تتواصل بلا هوادة بغض النظر عن الحزب الذي يمسك بزمام السلطة. على نحو مماثل، يشكل سعي إيران إلى إتقان دورة الوقود النووي مشروعاً وطنياً يدعمه الجميع، بمن فيهم قادة الحركة الخضراء الذين نزلوا إلى الشارع بعد انتخابات عام 2009 المتلاعب بها.

علاوة على ذلك، يجب على مَن يتوقعون أن تطيح العقوبات بالملالي أن يراقبوا سلوك الروس والصينيين، فقد خفضت الصين وارداتها من الخام الإيراني، مبرهنة أنها ما عادت تسعى لتكون العصا في دولاب كل سياسة أميركية، لكنها لم تتخلَّ عن موقفها الصارم ورفضها السماح لواشنطن إحداث أي تغيير في النظام في طهران. وينطبق الأمر عينه على روسيا، وعلينا أن نستعد لموقف أكثر تعنتاً في حال حاولت الولايات المتحدة تشديد العقوبات.

تعرضت القيادة الإيرانية لصدمة، لكن الدرس الذي نستمده من هذا الوضع لا يُظهر أن نظام آيات الله على وشك أن ينهار، بل إن إيران تكون خلال فترات الضعف أكثر استعداداً للقبول بتسوية بشأن برنامجها النووي، لذلك قد يكون من الأفضل أن يركز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على هذه الفرصة ويستغلها للانطلاق مجدداً في محادثات السلام، عوض الاكتفاء بعقد آخر من تجويع أطفال إيران.

* الان فيليبس | Alan Philps

back to top