الطب النفسي الجسدي... تظاهر بأن صحتك جيدة
الصلة بين العقل والجسد بقعة لا يجرؤ باحثون كثر في مجال الطب على الاقتراب منها، خوفاً من الإخفاق في كشف النقاب عن حقيقتها. لكن ربما يجب عليهم القيام بذلك. لماذا وكيف؟ تابعوا التفاصيل من The Economist.
على مدى قرون، اعترف الأطباء بتأثير العلاج الوهمي الذي يؤدي فيه التوهم بالعلاج، مثل الحبوب الخالية من العنصر النشط، إلى فوائد طبية حقيقية. في الآونة الأخيرة، أثبتت البحوث الموثوقة أن الذين يختبرون غالبًا مشاعر إيجابية يعيشون حياة أطول وأكثر صحية، فيتعرضون أقل من غيرهم للإصابة بأزمات قلبية وبنزلات البرد أيضًا.مع ذلك، يبقى السبب وراء ذلك غير مفهوم تمامًا، والمطلوب تجربة تشير إلى طرق قابلة للقياس تظهر تغير العواطف في تركيبة الفرد البيولوجية. في الواقع، حققت هذا المطلب دراسة نشرها في دورية علم النفس كل من باربرا فريدريكسون وبيثاني كوك من جامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل.
ركزت الباحثتان اهتمامهما على العصب المبهم، الذي ينطلق من الدماغ ويمتد عبر فروع كثيرة إلى عدة أعضاء صدرية وبطنية بما فيها القلب، وتتمثل إحدى وظائفه في إرسال إشارات تأمر العضو بالتمهل خلال لحظات الهدوء والأمان.يمكن تتبع مدى فاعلية العصب المبهم من خلال رصد معدل القلب لشخص ما فيما يتنفس. تنعكس الوظيفة المبهمية الصحية في زيادة طفيفة في معدل ضربات القلب مع الشهيق وانخفاض طفيف مع الزفير، ويُنتج الفرق مؤشر التفاعل المبهمي، علمًا أن قيمة هذا المؤشر متصلة بالصحة. أما القيم المنخفضة على سبيل المثال، فتتصل بالالتهاب والنوبات القلبية.مؤشر التفاعلأظهرت الدراسة حقيقة أخرى حول مؤشر التفاعل المبهمي: من يظهر تفاعلاً إيجابيًا عاليًا أفضل من الذي يعجز عن منع تفاقم المشاعر السلبية، ويظهر أيضًا عواطف إيجابية أكثر بشكل عام، وهنا تنكشف الحلقة المفقودة بين الصحة العاطفية والصحة الجسدية.وجدت الباحثتان، خلال دراسة أولية في عام 2010، أن قيم التفاعل المبهمي لدى من يختبر المشاعر الإيجابية على مدى فترة من الزمن ترتفع، ما جعلهما تتساءلان عما إذا كانت المشاعر الإيجابية والتفاعل المبهمي يؤديان إلى دوامة من القيم الفاضلة، فأجرتا في هذا الشأن تجربة على 65 من موظفي الجامعة. قاست الباحثتان تفاعلات المتطوعين المبهمية في بداية التجربة ونهايتها بعد تسعة أسابيع. في غضون ذلك، طلبتا من المتطوعين أن يزوروا كل مساء موقعًا إلكترونيًا صمم خصيصًا لهذا الغرض، وتقييم تجاربهم العاطفية الأقوى خلال اليوم. كذلك سألتا المتطوعين التفكير في تسعة مشاعر إيجابية، الفرح والأمل والحب وغيرها، و11 سلبية، بما فيها الملل والغضب والاشمئزاز. وطلبتا منهم تقييم، على مقياس من خمس درجات، إذا كان الشعور شديدًا وإلى أي مدى. تعني النقطة الواحدة «على الإطلاق» والنقاط الخمس «للغاية». بالإضافة إلى ذلك، شارك نصف المتطوعين (تم اختيارهم عشوائيًا) في سلسلة ورش عمل يديرها معالج معتمد، بهدف تعلم تقنية التأمل وحثهم على الشعور بحسن النية تجاه أنفسهم والآخرين. كذلك تم تشجيع المشاركين على التأمل اليومي، وتقديم تقرير عن الوقت الذي أمضوه في القيام بذلك.اكتشفت الباحثتان أن التفاعل المبهمي زاد بشكل ملحوظ لدى الأشخاص الذين يتأملون، وبالكاد لدى أولئك الذين لم يفعلوا ذلك. من بين المتأملين، أبلغ الذين بدأوا التجربة بأعلى درجات التفاعل المبهمي عن أكبر زيادات في المشاعر الإيجابية، فيما لم يظهر المتأملون الذين بدأوا بدرجات منخفضة أي زيادة من هذا القبيل عمليًا.توليد المشاعرتشير هذه النتائج إلى أن التفاعل المبهمي المرتفع يسهل توليد المشاعر الإيجابية، ما يدفع بدوره التفاعل المبهمي إلى الارتفاع. إنه خبر جيد بالنسبة إلى الأشخاص الإيجابيين عاطفيًا، لكنه سيئ بالنسبة إلى الأشخاص السلبيين عاطفيًا، لأنه يعني أن من هم في أشد الحاجة إلى تحفيز نفسي جسدي غير قادرين على توليد هذا الشعور. مع ذلك، تشير دراسة أخرى (غير منشورة حتى الآن) أجرتها الدكتورة كوك إلى أن حاد الطبع لا يحتاج إلى التخلي عن الآمال كلها، فأبسط إجراء في التأمل هو التفكير ليلاً في العلاقات الاجتماعية التي جرت خلال اليوم، ويبدو أنه يتسبب ببعض التحسن على مستوى التفاعل المبهمي، ما قد يسمح حتى لمن لا يظهر سوى التوقعات السلبية على الحياة بأن «يمهد» طريقه إلى الحالة النفسية التي تسمح له بالتقدم بعد ذلك إلى تقنية أكثر قوة من التأمل.إلى جانب تحسين الصحة العامة، يبقى مدى فاعلية الآلية التي اكتشفتها الباحثتان والتي تساعد على تفسير تأثير الدواء الوهمي غير مؤكد، علماً أن جزءًا من هذا التأثير هو الشعور الجيد الذي ولّدته حقيقة خضوع المتطوعين للعلاج.لطالما ردد الأطباء «العقل السليم في الجسم السليم»، قول صحيح ولكن الأفضل منه هو «عقل سليم لجسم سليم».