حوار الطرشان: الاستجابة لداعي التاريخ

نشر في 15-12-2012
آخر تحديث 15-12-2012 | 00:01
 فيصل الرسمان الديمقراطية، الديمقراطية، الديمقراطية- مصطلح قديم جديد، تبناه الغرب وتدرجوا في تطبيقه وخضعوا لتعاليمه إلى أن وصلوا في نهاية الأمر إلى ما يسعد شعوبهم ويقوي أركان دولهم.

أما نحن الذين ضربنا أطناب خيامنا في الجانب الآخر، مازلنا نجهل معناه، ولا نحيط بمضمونه، ومع ذاك الجهل وعدم الاحتياط، نجد الناسك المتعبد في محرابه ينادي به، والصغير قبل الكبير يرفع لواءه، حتى ظننا زيفاً أن المصطلح المزعوم سيحقق آمال الكل، ويحل مشاكل الكل، ويملأ جيوب الكل، أو خُيِّل لنا أنه دواء لكل داء يمكن أن يصيب جسد المجتمع، أو أنه بمنزلة الظل الذي سيحمينا من هجير الاستبداد والظلم.

وبداعٍ من تلك الدوافع المزيفة التي تدفعنا دفعاً، اقتحمنا الديمقراطية اقتحاماً فجاً، فسحبناها من تلابيبها من أجل إخضاعها لرغباتنا التي تتنافى مع مبادئها وأعرافها، فتهنا بعد أن أضعنا الطريق.

* بعد هذه التوطئة أقول مستعيناً برب الفلق:

إنني وجوارحي وفكري الذي يهديني مع الديمقراطية التي تكفل لنا حرية الرأي وفقاً للقانون، لأن حرية الرأي تعتبر الأساس الأولي لتطور الإنسان.

كما أنني مع الديمقراطية التي تصان بها الحقوق من كل إجراء تعسفي بحسبانها حقاً أصيلاً لا يمكن للإنسان، أي إنسان، أن يعيش بمعزل عن تلك الحقوق التي تحفظ آدميته.

ولكنني لست مع الديمقراطية التي نهبط عليها من السماء ولا نصعد إليها بسلمها المؤدي إليها، بمعنى أن نبدأ من القاعدة إلى أن نصل إلى قمة الهرم الديمقراطي، كما فعلت الشعوب الحيّة قبلنا، لأننا لو هبطنا عليها من السماء بمظلات الخيال وأحلام اليقظة، فإن القاعدة التي سنهبط عليها ستكون هشة لا تستطيع بالمطلق حملنا، وبالتالي ستكون النتيجة السقوط، وسيكون السقوط مؤلماً إلى حد كبير.

لأن الديمقراطية التي لا نسبر غورها تكون كالغابات المظلمة يكون السير فيها مرعباً، فالسائر فيها سيلتفت إلى جهة اليمين تارة وإلى اليسار تارة أخرى، خوفاً من أن يظهر عليه من جنباتها شيء يكدر صفوه ويبعث الرعب في جوفه.

إنها- أي الديمقراطية- كالحصان الجموح الذي لابد لك أن تسوسه قبل أن تمتطي ظهره حتى يكون بعد ذلك مطواعاً لك تسيّره للجهة التي تريد لا الجهة التي يريد.

وهذا الأمر لا يتأتى على الإطلاق ما لم نهضم الديمقراطية هضماً تدريجياً، والهضم التدريجي يحتاج إلى ممارسة عملية طويلة نسبياً إلى أن يعرف رجل الشارع معناها قبل أن يعرفها المثقف المتفذلك.

* نهاية المطاف ونافل القول:

إن التاريخ له داعٍ، فإن أنت لم تستجب لداعي التاريخ فسيتجاوزك بعد أن يطويك ليضعك في مخلفاته، والاستجابة لا تتحصل ما لم تكن مؤمناً بحركة التطور، لأن الكافرين بها لا يمكن أن يجدوا لهم كرسياً في تلك الحركة ليجلسوا عليه.

وفي المقابل يجب عليك ويتحتم ألا تستجيب للتاريخ ما لم يدعك داعيه، لأنك لو فعلت فستضيع في هوته، وتتوه في فلكه ولن تجد بعد ذلك الدليل الذي يدلك على الطريق.

ومثال ذلك الكويت ودستورها الذي وضعته قبل خمسة عقود، وضعته من دون أن يدعوها التاريخ إلى وضعه، وبهذا قفزت قفزة كبيرة تخطت بها جميع محطات التدرج التي كان ينبغي الوقوف بها والتزود من زادها الذي يكفيها لبلوغ المحطة التالية، وهكذا حتى تصل في نهاية الأمر إلى آخر محطات الديمقراطية.

لم تفعل ذلك فكانت النتيجة بطبيعة الحال عدم فهم و»توهان» في هوة التاريخ، لأن الأخير لم يسجل دخولنا لأنه لم يدعنا في لحظتها... والسلام.

back to top