التكنولوجيا تتفوّق على الذاكرة الوميضية
ستتمكن رقائق الذاكرة المتغيرة الطور (Phase-Change Memory)، وهي تكنولوجيا التخزين الناشئة، قريبًا من الإطاحة بالذاكرة الوميضية أو ذاكرة فلاش (Flash memory) في الكاميرات والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة. التفاصيل من The Economist.يعرف الأهل أن غرفة النوم المرتبة تختلف تمامًا عن الغرفة الفوضوية. قد يكون عدد العناصر الموجودة في الغرفتين متساوياً، لكن الفرق بين الترتيبات المنظمة وغير المنظمة يظهر فورًا.
تخيل الآن منزلاً يحتوي على ملايين من الغرف، مرتبة وغير مرتبة. يمكن لروبوت في المنزل التعرّف إلى حالة كل منها، وفي إمكانه أن يحول غرفة مرتبة إلى فوضوية (عن طريق رمي الأشياء على الأرض بشكل عشوائي) وأخرى فوضوية إلى مرتبة (عن طريق ترتيبها). يمثل هذا الأمر، في جوهره، كيفية عمل فئة جديدة من رقاقات الذاكرة.تسمى هذه الرقاقة «الذاكرة المتغيرة الطور»، ومثل ذاكرة فلاش التي توفر التخزين في الهواتف النقالة والكاميرات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، يمكنها الاحتفاظ بالمعلومات حتى مع إيقاف تشغيل الجهاز. لكنها تعد بأن تكون أصغر حجمًا وأسرع من الفلاش، ومن المحتمل أن يصبح في إمكانها تخزين الصور والموسيقى والرسائل في غضون بضع سنوات.تعتمد هذه التكنولوجيا، كما يوحي اسمها، على مواد خاصة تسمى «مواد متغيرة الطور». هذه المواد، مثل هيدرات الملح، قادرة على تخزين وإطلاق كميات كبيرة من الطاقة عند الانتقال من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة والعودة إلى الصلبة. استخدمت تقليديًا في أنظمة التبريد، وأخيرًا، في محطات الطاقة الشمسية الحرارية، حيث تخزن الحرارة خلال النهار التي يمكن أن تطلق لتوليد الطاقة في الليل. لكن في حالة أجهزة الذاكرة، ليست خصائصها الحرارية هي التي تجعل المواد المتغيرة الطور مغرية، بل قدرتها على التحول من حالة غير منظمة (أو غير متبلورة) إلى حالة منظمة (أو بلورية) بشكل سريع جدًا.تعتمد رقائق الذاكرة المتغيرة الطور على مواد مثل الزجاج وتسمى الكالكوجينيد، التي تصنع عادة من خليط من الجرمانيوم والأنتيمون والتيلوريوم.تتكون كل خلية في رقاقة الذاكرة من منطقة من الكالكوجينيد محصورة بين قطبين كهربائيين. القطب الكهربائي السفلي، مقاوم يزيد درجات الحرارة عندما يمر التيار الكهربائي من خلاله، ما يطلق نبضة من الطاقة الكهربائية إلى الخلية ويشغل هذا السخان الصغير ويتسبب في ذوبان الكالكوجينيد. وفيما تبرد تشكل بنية منظمة وبلورية. تتوافق هذه الحالة مع تخزين خلية الذاكرة «1». تزويد الخلية بنبضة أقصر وأقوى من الطاقة يذوب الكالكوجينيد، لكن لا يسمح بتشكيل بلورات فيما تبرد. بدلاً من ذلك، تتخذ منطقة المواد فوق القطب السفلي حالة غير منظمة وغير متبلورة، تتوافق مع تخزين الخلية «0». تتمتع الحالة غير المتبلورة بمقاومة كهربائية أعلى من الحالة البلورية، ما يسمح بتحديد القيمة المخزنة في الخلية. (لهذا السبب تسمى الذاكرة المتغيرة الطور أحيانًا «الذاكرة المقاومة»، ويشار إلى خلاياها الفردية أحيانًا على أنها «الميمريستور»).تعتمد في حياتك اليومية على الكالكوجينيد لتخزين البيانات من دون أن تدرك ذلك، لأنها تُستخدم في إعادة التخزين الضوئي للكتابة، مثل الأقراص المضغوطة القابلة لإعادة الكتابة. تحول رشقات من طاقة الليزر مناطق ضئيلة من المواد إلى حالات غير متبلورة أو بلورية لتخزين المعلومات. تعكس الحالة غير المتبلورة الضوء بشكل أقل فاعلية من الحالة البلورية، ما يسمح بقراءة البيانات مجدداً. بعبارة أخرى، أثبتت التكنولوجيا فعلاً أنها صالحة للعمل. والآن تعمل شركات مثل «مايكرون تكنولوجي» و{سامسونغ» و{هاينكس»، العمالقة الثلاثة للتخزين الرقمي، على تطبيقها داخل رقاقات الذاكرة.عملت هذه التكنولوجيا بشكل جيد في المختبر لبعض الوقت، واستخدمت في عدد قليل من التطبيقات المتخصصة منذ عام 2007. لكنها تتجه نحو السوق الاستهلاكية السائدة، فبدأت «مايكرون» بيع أول رقاقات الذاكرة القائمة على المواد المتغيرة الطور للهواتف النقالة في يوليو، مقدمةً 512 ميغابايتاً وجيجابتاً واحداً كسعة التخزين.الشكر للذاكرات تتمتع رقائق الذاكرة المتغيرة الطور بعدد من المزايا أكبر من مزايا ذاكرة فلاش، التي تعمل من خلال محاصرة الإلكترونات في علبة تسمى «البوابة العائمة»، بنيت على رأس صيغة معدلة من الترانزستور. تبلغ القيمة المخزنة في كل خلية 1 أو 0، اعتمادًا على ما إذا كانت العلبة فارغة أو ممتلئة. لكن تنطوي الكتابة على خلايا ذاكرة فلاش الفردية على محو منطقة بأكملها من الخلايا الأولى المجاورة. هذا ليس ضروريًا مع الذاكرة المتغيرة الطور، ما يجعلها أسرع بكثير، بحسب باولو جوزيبي كابيليتي، المسؤول عن مشروع الذاكرة المتغيرة الطور في «مايكرون» في إيطاليا. في الواقع، يمكن لبعض أجهزة الذاكرة المتغيرة الطور النموذجية تخزين البيانات واسترجاعها 100 مرة أسرع من ذاكرة فلاش، بحسب إيفانجيلوس إيليفثيريو، رئيس تقنيات التخزين في مختبر زيوريخ للبحوث في سويسرا.تتحلى الذاكرة المتغيرة الطور بفائدة أخرى وهي أنها متينة للغاية، وقادرة على أن تتم كتابتها وإعادة كتابتها على الأقل 10 ملايين مرة. في المقابل، تبلى ذاكرة فلاش بعد بضعة آلاف من دورات إعادة الكتابة، بسبب ارتفاع الفولطية المطلوبة للإلكترونات الراعية داخل علبة البوابة العائمة وخارجها. وفقًا لذلك، تحتاج ذاكرة فلاش إلى وحدات تحكم خاصة لتعقب أي أجزاء من الرقاقة أصبحت غير موثوقة، بحيث يمكن تجنبها. يزيد هذا من تكلفة وتعقيد فلاش ويبطئها.فضلاً عن الإطاحة بفلاش، قد تؤدي الذاكرة المتغيرة الطور إلى تحول جذري في تصميم الكمبيوتر. بالإضافة إلى ذلك، فيما تصبح خلايا ذاكرة فلاش أصغر حجمًا، تصبح الأجهزة أكثر كثافة، وينخفض عدد الإلكترونات في البوابة العائمة. ولأن عدد الإلكترونات محدود، سيصل إلى مرحلة لا يمكن فيها أن يتقلص هذا التصميم أكثر من ذلك، بحسب توم إيبي، رئيس مجموعة «مايكرون للحلول المضمنة»، ويقول: «نحن بحاجة إلى نهج مختلف جذريًا». في العام الماضي، أظهرت مجموعة بقيادة إريك بوب في جامعة إلينوي، أوربانا شامبين، كيف يمكن صنع خلية الذاكرة المتغيرة الطور النموذجية بحجم 10 نانومترات فقط، وسد فجوة بين القطبين الكهربائيين لأنبوب الكربون النانوي. وأظهرت الدراسة التي نشرت في مجلة «ساينس» العلمية أيضًا تحسينات ملحوظة في استهلاك الطاقة مقارنة مع الفلاش.فضلاً عن السماح بصنع خلية بأحجام أصغر، يمكن للذاكرة المتغيرة الطور أن تحتوي على مزيد من البيانات عن طريق تخزين أكثر من رقم ثنائي واحد في كل خلية. يقوم بعض أجهزة ذاكرة فلاش بذلك فعلاً، عبر استخدام خدعة تسمى «الخلايا متعددة المستويات». بدلاً من أن تكون كل بوابة عائمة ممتلئة أو فارغة، يتم استخدام حالتين متوسطتين أيضًا. نحصل إذًا على أربع حالات في المجموع، تتخذ لتمثيل 00، 01، 10 و11، بدلاً من 0 و1 فقط كالمعتاد. يحفظ بعد ذلك اثنان من الأرقام الثنائية أو البتات في كل خلية، ما يضاعف قدرة الذاكرة. كذلك، تسمح زيادة عدد الحالات إلى ثمانية لكل منها بالاحتفاظ بثلاثة بتات. لكن تصبح هذه الحيلة أصعب للإنجاز مع تحول أجهزة الذاكرة إلى حجم أصغر، إذ لا تحمل خلايا ذاكرة فلاش الحالية سوى بضع عشرات من الإلكترونات في البوابة العائمة عندما تكون ممتلئة. في الوقت الراهن، تستخدم بضع عشرات من الإلكترونات للتمييز بين الحالات المبرمجة المختلفة في خلايا فلاش متعددة المستويات، وقد سعى الدكتور إيليفثيريو إلى تطبيق فكرة تعدد المستويات في الذاكرة المتغيرة الطور.ينطوي هذا على السيطرة الدقيقة على طول نبض الطاقة التي تنتج منطقة غير متبلورة في خلية الذاكرة، فالنبض الأقصر ينتج منطقة غير متبلورة أصغر. وكلما صغرت المنطقة، انخفضت مقاومة الخلية الكهربائية، لذلك من الممكن الحصول على خلية واحدة لتخزين بتات متعددة. أما العدد بالضبط، فيبقى قيد الدرس. وقد بنى الباحثون في «آي بي أم» رقائق الذاكرة المتغيرة الطور مع 16 حالة (أو أربعة بتات) لكل خلية، وبنى ديفيد رايت، باحث تخزين البيانات في جامعة إكستر، في إنكلترا، خلايا الذاكرة المتغيرة الطور الفردية مع 512 حالة (أو تسعة بتات) لكل الخلية. لكن كلما زاد عدد الحالات، زاد الأمر صعوبة في التمييز بينها، وزادت حساسية المعدات اللازمة لكشفها.ثمة أيضًا مشكلة الانجراف، المكان الذي تتغير فيه مقاومة الخلية تدريجًا في الأيام والأسابيع التي يتم فيها تحديث حالتها. بالنسبة إلى خلية ذات بت واحد لا يشكل ذلك مشكلة، لأن الفرق في المقاومة بين اثنين من الحالات الممكنة كبير جداً، لذلك لا يهم التباين الصغير حقًا. لكن بالنسبة إلى الخلايا المتعددة المستويات قد يؤدي الانجراف في نهاية المطاف إلى الأخطاء. ما يزيد الأمور سوءًا، بحسب د. إيليفثيريو هو أن مقدار الانجراف غير خطي، ويعتمد على اتساع المنطقة غير المتبلورة.لكن يعتقد الباحثون في «آي بي أم» أنهم قد توصلوا إلى الحل، عن طريق تعديل الطريقة التي تتم فيها كتابة الخلايا وقراءتها. عند كتابة قيمة ما في خلية، يتم قياس مقاومة الخلية بعد تطبيق نبضة الطاقة، ويتم تطبيق المزيد من النبضات إذا لزم الأمر لضمان تحديد المقاومة النهائية المناسبة للقيمة. حتى في أسوأ السيناريوهات التي تحتاج إلى نبضات متعددة، لا تزال الكتابة على الذاكرة المتغيرة الطور أسرع بمئة مرة من الكتابة على فلاش. يعود هذا النهج أيضًا إلى الاختلاف البسيط في مقاومة مختلف الخلايا في الذاكرة المتغيرة الطور.بالإضافة إلى ذلك، وضع الباحثون في «آي بي أم» طريقة «تتحمل الانجراف» لقراءة القيمة في الخلية، من خلال قراءة الخلايا المتعددة في الوقت نفسه ومقارنة قيمتها النسبية لتحديد حالة كل منها. كذلك طوروا وسيلة لقياس سماكة المنطقة غير المتبلورة بشكل أكثر دقة من خلال تحليل خصائصها الكهربائية عندما يتم تمرير تيار معروف من خلالها. يتسبب الانجراف بتغيير مقاومة الخلية، وليس بسماكة المنطقة غير المتبلورة، ما يوفر وسيلة أكثر قوة لقياس حالة الخلية.تعمل «آي بي أم» راهنًا مع هاينكس لتوجيه رقائق الذاكرة المتغيرة الطور المتعددة المستويات إلى السوق، والهدف إيجاد أحد أشكال الذاكرة القادرة على سد الفجوة بين الفلاش، التي تستخدم للتخزين، ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية، التي تستخدمها أجهزة الكمبيوتر كذاكرة عاملة على المدى القصير، لكنها تفقد محتوياتها عندما تتوقف عن العمل. ستتمكن الذاكرة المتغيرة الطور التي تأمل «آي بي أم» بالبدء ببيعها بحلول عام 2016، من العمل كأداة تخزين وذاكرة عاملة في آن وهي فئة جديدة يطلق عليها اسم «ذاكرة صنف التخزين».قد يؤدي هذا بدوره إلى فتح الباب أمام هندسات جديدة في الكمبيوتر، ليس من الضروري فيها تعديل المعلومات من أجهزة التخزين البطيئة نسبيًا إلى ذاكرة عاملة أسرع بكثير. ستكون هذه الهندسات قادرة على طحن كميات هائلة من المعلومات، مثل البيانات التي سيتم جمعها من تلسكوب معين، بشكل أكثر كفاءة من الآلات الموجودة، بحسب الدكتور إيليفثيريو. باختصار، لا تهدد الذاكرة المتغيرة الطور بالإطاحة بالفلاش فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى تحول جذري في تصميم جهاز كمبيوتر، وهي مرحلة تغيير تشمل نطاقاً أوسعاً من ذلك بكثير.