شاركوا في القرار أو تحمَّلوا المسؤولية
مَنْ يعتقد أن الأزمة التي نعانيها اليوم مجرد موضوع تقني يسهل حلّه إما بالضغط السياسي – الشعبوي أو بمبادرة من طرف الحكومة، فهو إما ساذج أو مخاتل.فالبلد اليوم في مأزق سياسي – دستوري عميق يتجاوز هواجس الانتخابات والعصبيات الفئوية والمذهبية والقبلية والمصالح الانتخابية. أما تبسيط المسألة واعتبارها نوعاً من اختبار القوى بين أغلبية مبطلة وسلطة مرتبكة، فهو طريق لا يؤدي إلا إلى الهاوية. والهاوية أمامنا ونحن لها متجاهلون مع أننا لسنا عنها بغافلين.
منذ حكم المحكمة الدستورية ببطلان مجلس 2012 حتى اليوم نعيش في دوامة سال خلالها حبر كثير وبرزت فيها اجتهادات بعضها غث وبعضها الآخر سمين، لكن النتيجة صفر مكعبٌ أو عودة إلى مربع المأزق. والسؤال: على من تقع مسؤولية الخروج من النفق، على الحكومة وحدها، أم على القوى السياسية والنواب، أم على الأطراف كلها؟ ذلك أن المحكمة الدستورية ليست سلطة تشريع ولا تنفيذ، وما في يدها هو السهر على دستورية القوانين ضمن شروط محددة وليس حلّ المشكل السياسي. منذ اندلعت الأزمة كثر الكلام الفضفاض وقلّ الكلام المفيد. هذا يلوح بتقسيمات وذاك يهدد بعرائض، في حين أن القضية تحتاج إلى توافق يحصّن عملية الانتخاب المقبلة ويحول دون إبطالها من جديد.لا تستطيع حكومة أو قوى سياسية مناهضة لها ضمان ألا تبطل المحكمة الدستورية المجلس المقبل إذا جرت الانتخابات على النظام الحالي. وليس مضموناً في المقابل ما ستقرره المحكمة إنْ بادرت الحكومة إلى الطعن بالقانون للحصول على مخرج دستوري. فهل تقر الوضع القائم أم تقبل الطعن الجزئي متناولاً تقسيم الدوائر أو عدد أصوات الناخبين؟ المحكمة الدستورية جزء من منظومة السلطات، وليست بديلاً عن القوى السياسية ولا عن النواب ولا عن الحكومة. لذلك يقع عبء المسؤولية في توليف المخرج على هؤلاء مجتمعين، فاتفاقهم يحصن الخيار إلى حد كبير ويسد الثغرات. أما بقاؤنا على هذه الحال، حكومةً تحاول قدر ما تستطيع، وقوى سياسية ونواباً مستنكفين عن تقديم فكرة مفيدة ومركزين اهتمامهم على الكسب الانتخابي أو الشعبي، فلن يفيدنا سوى تعميق للمأزق ووعد بتجديده.وهكذا، فإن استمرار الوضع على هذه الصورة وترك الحكومة تبادر وحيدة في الميدان، يوجب على القوى السياسية والنواب عدم توجيه اللوم إذا أتت النتائج خلاف ما يرتضون، وعدم إدخال البلاد في أزمة مقاطعة أو رفض أو تجييش، وليتحمل من دفع الحكومة إلى الانفراد بالقرار تبعات أعماله.يكفي المواطن الكويتي التعطيل الحاصل منذ سنوات، ويكفيه أزمات تلد أزمات، ولا أفق في معارك تخاض بعيداً عن منطق التنافس المشروع. إنه تدمير للبلد ولإمكانات التقدم ودفع الجميع نحو المجهول. فهل هذا ما يريده المواطن الكويتي؟الجريدة