حكاية من الهند

نشر في 14-12-2012
آخر تحديث 14-12-2012 | 00:01
 بدر سلطان العيسى "بارا عقل" وبالعربي ذو العقل الكبير أو المستشار المجرب ذو الخبرة الطويلة والعلم، مؤهلات تدفع الأمراء ورجال الدولة إلى اللجوء إلى بارا عقل لإخراجهم مما هم فيه من ورطة، وإيجاد الحلول لأي إشكالات أو مصاعب لم يستطيعوا التغلب عليها أو أن يجدوا لها الحل الذي غالباً ما يجب أن يرضي ذلك المسؤول بالدرجة الأولى، أما ما قد تؤدي إليه نتائج استشارة ذلك المسؤول "ذي العقل الكبير" والخبرة على مستوى الوطن والمواطن فهذا أمر يأتي بالدرجة التالية، فالمهم عند المستشار وعند من استشار هو أن يرضى عنه رئيسه حتى لو أدى ذلك إلى نتائج سيئة ومضرة بمصلحة عامة الشعب.

هنا يجب التمييز بين العقل المقصود في هذه الحكاية ومجموعة الخلايا المكونة لمخ الإنسان التي قد يصل عددها إلى عشرين مليار خلية، وهي خلايا مكونة من مواد دهنية لا تختلف عن الخلايا الدهنية الموجودة في أجزاء أخرى من جسد الإنسان.

أما المقصود هنا في هذه الحكاية فهو العقل أو التفكير وليس تلك الكتلة من الخلايا الدهنية الموجودة داخل الجمجمة، فعندما نقول إن فلاناً ذو عقل كبير فإننا نعني أن لديه تفكيراً سليماً، وليس لديه حجم كبير لتلك الكتلة الدهنية، أما إذا تم فهم العنوان أو الحكاية على أساس الكتلة الدهنية فإن الإنسان قد يتساوى مع أي حمار تكون كتلته الدهنية الموجودة داخل جمجمته وعدد خلايا عقله متساوية مع عقل ذلك المستشار في حكاية "بارا عقل".

 الحكاية تقول إن لدى فلاح هندي غلبان ثوراً كان يساعده في الحراثة، وكان من عادة ذلك الفلاح أن يخزن ما يزيد من إنتاجه لاحتياجاته المستقبلية في جرة للأيام السوداء، إلا أنه في يوم بائس لم يقتنع فيه الثور بما يقدم له من علف، فأدخل رأسه في الجرة وأكل منها حتى امتلأ شبعا، وعندما أراد إخراج رأسه من الجرة لم يستطع فالدخول إلى الجرة ليس كالخروج منها، واحتار الفلاح المسكين في كيفية الوصول إلى حل يحافظ على الثور ويبقي الجرة سليمة، ويحافظ له على ما تبقى من مؤونة خزنها للأيام السوداء، فالجرة عنده مقدسة ورثها أباً عن جد، والثور يعتمد عليه في كل عمله، والمؤونة داخل الجرة هي غذاؤه للأيام التي ينعدم فيها الغذاء فلم يكن أمامه إلا طلب مساعدة "بارا عقل"، وهو مستشار القرية حيث قد يستطيع إخراج الفلاح من هذا المأزق، وهذه الورطة التي أوقعه فيها الثور، إلا أن ما يواجهه "بارا عقل" هذه المرة يختلف كليا عما قام به من قبل بإيجاد الحلول له في المرات السابقة الأمر الذي استوجب عليه التفكير العميق للخروج من هذا المأزق.

حاول في البداية إخراج رأس الثور من الجرة إلا أن قرون الثور كانت العائق، وحاول إقناع الفلاح بكسر الجرة إلا أن الفلاح رفض، فالجرة ثمينة ورثها أبا عن جد، ثم إنها تحتوي على قوته للسنوات القادمة، ولم يجد "بارا عقل" حلا لهذه الورطة إلا بقطع رأس الثور، وهكذا تم فوقع رأس الثور في الجرة، وكان يعتقد أنه يستطيع إخراج رأس الثور المقطوع إلا أنه كان مخطئاً، وفي نهاية الأمر لم ير بدا من كسر الجرة لإخراج رأس الثور، وبهذا يكون "بارا عقل" قد أشار عليه بأسوا رأي وتصرف، فالفلاح فقد الثور الذي يعتمد عليه في الحراثة، وفقد الجرة الثمينة، وفقد مؤونة الشتاء، توتة توتة ولم تخلص "الحدوتة".

 فالمستشارون الذين عملوا مع الشيخ ناصر المحمد في وزاراته الست يمكن أن ينطبق على معظمهم تسمية "بارا عقل"، فالمستشار أبو مسطرة أشار عليه بإلغاء كل عقود الـ(B.O.T) والمستشار الآخر أشار عليه برشوة ثلاثة عشر نائباً للحصول على موافقة الأغلبية في مجلس 2009 في التصويت على سرية الاستجواب و"بارا عقل" ثالث أو رابع أو خامس أشاروا عليه بالدخول في منازعات مع كل من يعترض على أي من قراراته أو تصرفاته.

وخلاصة الرأي الذي يمكن أن يستفيد منه سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك هو ألا يلجأ إلى هذا النوع من المستشارين الذين يفكرون في مصالحهم الشخصية دون مصلحة البلاد والعباد.

back to top