حذارِ من اللعبة التركية الكبرى

نشر في 08-10-2012
آخر تحديث 08-10-2012 | 00:01
على غرار مرسي، يودّ الزعيم التركي أن يحقق الإخوان المسلمون نصراً مماثلاً في الأزمة السورية، وهو تطور قد يؤدي إلى تشكيل شبكة من الحكومات الإسلامية أو محور يمتد من شواطئ شمال إفريقيا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
 ذي تيليغراف تتلقى سورية كل اللوم لإطلاقها القذيفة الأولى على تركيا، ما أدّى إلى تصاعد مفاجئ للأعمال العدائية على الحدود التركية-السورية، لكن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لا يستطيع ادعاء البراءة عند التحدث عن تأجيج نيران صراع ما زال يُحتمل أن يشعل حرباً إقليمية. تؤدي تركيا منذ أكثر من سنة دوراً رئيساً في حملة تهدف إلى إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فتتعاون مع عدد من دول الخليج، التي أعلنت التزامها بإنقاذ دمشق من قبضة نخبة نظام الأسد العلوية الحاكمة، كذلك تعمل أنقرة على تنسيق الدعم الدولي لقوات الثوار السورية. حتى إن بعض التقارير تشير إلى أن الأتراك أسسوا مركز قيادة مشتركاً في جنوب تركيا مهمته الإشراف على عملية نقل الأسلحة والإمدادات والمتطوعين إلى الثوار عبر الحدود. إذاً، يبذل الأتراك قصارى جهدهم لتغيير نظام الحكم في دمشق، وهذا موقف يفهمه الأسد تماماً.

لم يتضح بعد ما إذا كانت القوات الموالية للنظام هي مَن أطلق قذيفة الهاون التي أودت بحياة خمسة مدنيين (من بينهم ثلاثة أولاد) في قرية تركية، ولكن إن كان الثوار السوريون ناشطين على الجانب التركي من الحدود، ولم تحرك السلطات التركية ساكناً لتوقفهم، فربما شعر أنصار الأسد أن من حقهم مهاجمتهم، غير أن الحكومة السورية تنكر أي تورط لها في هذه المسألة وتؤكد أنها ستحقق في الحادث.

ولكن وسط ضباب الحرب، يبقى احتمال أن يكون الثوار السوريون (أو مَن يتعاطفون معهم) هم مَن تعمدوا إطلاق النار على تركيا كمحاولة لاستفزاز هذا البلد وحلفائه وحضهم على الرد، فما زال البعض حتى اليوم يعتقدون أن الحكومة البوسنية، في مناورة غريبة مماثلة، قصفت مواطنيها في إحدى أسواق سراييفو في ذروة الحرب الأهلية عام 1995 كي ترغم الغرب على التدخل ضد الصرب.

بغض النظر عن المسؤول عن الاعتداء على قرية أكاكال التركية، فقد دفع بالقوى الغربية إلى العمل، إذ دعا حلف شمال الأطلسي إلى جلسة طارئة لأعضائه الثمانية والعشرين بهدف إدانة هذا الاعتداء.

ولا شك أن لهجة بيان الحلف الصارمة، الذي دان "انتهاكات سورية الفادحة للقانون الدولي"، ستروق لأردوغان، خصوصاً أن رئيس الوزراء التركي أمضى معظم هذه السنة، وهو يطالب بتدخل غربي أكبر في سورية، فبالإضافة إلى تغيير النظام في دمشق، أكّد أردوغان أن أزمة اللاجئين عند الحدود التركية (حيث تقيم راهناً مجموعة كبيرة من اللاجئين يُقدّر عددها بثمانين ألفاً) تشكّل سبباً قوياً لتبذل القوى الغربية جهوداً أكبر بغية وقف إراقة الدماء.

ولكن قبل أن يتورط حلف شمال الأطلسي بالالتزام بالدفاع عن تركيا، قد يكون حرياً بقادته التأمل في دوافع أردوغان الأقل إنسانية للسعي وراء تغيير الحكم في دمشق. في بعض الأوساط، يُعتبر عهد أردوغان، الذي بدأ قبل 12 سنة (وقد نما خلاله الدخل الفردي بثلاثة أضعاف واستعاد البلد مكانته كقوة إقليمية)، نموذجاً لما يمكن لحكومة مسلمة تقدّمية أن تحققه. ولهذا السبب حضت واشنطن ولندن كلتاهما الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في طريقة تعاطيه الصارمة مع سعي تركيا إلى الانضمام إليه.

ولكن مقابل أداء أردوغان الاقتصادي المذهل، لا بد من الإشارة إلى أسلوب حكومته الذي يزداد استبداداً، إذ غالباً ما يُلقى السياسيون والصحافيون في السجن لانتقادهم سياساته. أضف إلى ذلك رغبته في بناء التحالفات مع حكومات إسلامية متشددة، فقبل أن تجتاح الموجة الأخيرة من الانتفاضات العربية الشرق الأوسط، كان شغل أردوغان الشاغل توطيد العلاقات مع آيات الله في طهران.

لكنه أُرغم على التخلي عن هذه السياسة عندما اتضح أنه ما عاد قادراً على السماح لنظام الأسد بالاستمرار، علماً أن هذا النظام يُعتبر أهم حلفاء إيران الإقليميين. للتعويض عن خسارته هذه، صبّ أردوغان اهتمامه على التقرّب من الرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها مرسي والتي خرجت منتصرة من الاضطرابات الأخيرة في مصر.

على غرار مرسي، يودّ الزعيم التركي أن يحقق الإخوان المسلمون نصراً مماثلاً في الأزمة السورية، وهو تطور قد يؤدي إلى تشكيل شبكة من الحكومات الإسلامية أو محور يمتد من شواطئ شمال إفريقيا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.

من المستبعد أن تعود هذه النتيجة بالفائدة على المصالح الغربية، ومع موافقة البرلمان التركي أخيراً على تدبير يمنح أردوغان "الضوء الأخضر" لاجتياح سورية، على قادة حلف شمال الأطلسي أن يحذروا من التورط في صراع قد يساهم في الترويج لأجندة الزعيم التركي الإسلامية.

* كون كافلين | Con Coughlin

back to top