مع تصاعد غبار الحروب... من فاز بمعركة غزة؟!

نشر في 03-12-2012
آخر تحديث 03-12-2012 | 00:01
شكلت معركة غزة هزيمة لمحمود عباس الذي يحكم الضفة الغربية. لا يملك عباس أي سلطة في غزة (عام 2006، فازت «حماس» بانتخابات واحدة ضد حركة «فتح» التي يقودها عباس ثم شنت حرباً أهلية وحشية ضد «فتح»). اليوم، لا يجرؤ عباس على دخول غزة.
 ناشيونال ريفيو  لم يشكك أحد في هوية الفائز بمعركة القسطنطينية عام 1453 (الخلافة العثمانية) أو هوية الخاسر في معركة فيينا عام 1529 (الخلافة العثمانية). خلال الحرب الأهلية، ألحق الشمال هزيمة حاسمة بالجنوب. وفي "معركة الثغرة"، هيمنت دول الحلفاء ولم تنهض دول المحور من نكبتها مطلقاً.

لكن في هذه الأيام، يبدو أن غبار الحرب يغلّف الصراعات المستمرة وحتى الصراعات المنتهية. لذا يسود جدل الآن حول نتيجة "معركة غزة" التي وقعت في شهر نوفمبر.

من جهة، وجّهت قوات الدفاع الإسرائيلية ضرباتها بدقة استثنائية (ونجحت في الحد من عدد الضحايا المدنيين مع أن "حماس" كانت تستعمل المدنيين كدروع بشرية) واستهدفت أكثر من 1600 موقع خلال حملة دامت ثمانية أيام، فقضت بذلك على جهاز القيادة والتحكم التابع لحركة "حماس"، وقتلت أكثر من مئة قائد في "حماس"، وأعاقت إمكانات إطلاق الصواريخ لدى "حماس"، ودمّرت 26 مخزناً للأسلحة وأكثر من 200 نفق لتهريب الأسلحة وشن الاعتداءات.

من جهة أخرى، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" افتتاحية اعتبرت فيها أن "حماس" لم تتأثر سياسياً بل أصبحت أقوى استراتيجياً بعد ثمانية أيام من القتال المتواصل. أطلقت "حماس" أكثر من 1500 صاروخ على إسرائيل (ما أجبر ملايين الإسرائيليين على الاحتماء في الملاجئ) ولكنها لم تواجه أي هزيمة عسكرية حاسمة. تحدّت "حماس" رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صراحةً كي يغزو قطاع غزة. لكن بسبب الامتناع عن هذه الخطوة، ترك نتنياهو قادة الحركة أحياء كي يستأنفوا اعتداءاتهم. كذلك، كسبت "حماس" داعماً دولياً جديداً يتمثل في شخص الرئيس المصري محمد مرسي الذي لعب دور الوساطة لإقرار وقف إطلاق النار.

من كان محقاً؟ بحسب رأيي، قد يمر بعض الوقت قبل أن يتضح الطرف الذي حسّن موقعه على حساب الآخر. لكن يبدو لي أن السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، مايكل أورين، كان محقاً حين أخبر المراسلين بأن "إسرائيل لم تكن تواجه غزة في هذه المعركة بل إيران".

أنا أفسر هذا التحليل بالشكل الآتي: بالإضافة إلى حق الدفاع عن النفس والتأكيد على عدم السماح بإطلاق الصواريخ على المواطنين الإسرائيليين من دون محاسبة، كانت أولوية إسرائيل تقضي بجعل "حماس" عاجزة عن فتح جبهة ثانية لها في الأشهر المقبلة التي ستتخذ خلالها إسرائيل قراراً بشأن استعمال وسائل جذرية لحرمان حكام إيران المجاهدين من الإمكانات النووية العسكرية. لكن لتحقيق ذلك، لابد من التخلص من معظم صواريخ "فجر 5" الطويلة المدى التي كانت إيران توفرها لحركة "حماس"، علماً بأن تلك الصواريخ لا تهدد القرى المجاورة لغزة فحسب، بل تل أبيب والقدس أيضاً.

بعد اندلاع الأعمال العدائية، حصلت إسرائيل على فرصة اختبار نظامها الدفاعي، "القبة الحديدية"، في ظل ظروف قتالية حقيقية. هذا النظام هو عبارة عن مجموعة مدهشة من التصاميم المعاصرة وقد فاق جميع التوقعات كونه نجح في إسقاط 421 صاروخاً وحقق معدل نجاح يقارب التسعين في المئة. بعد هذه الأرقام، يُفترض أن تدرك واشنطن ما يمكن تحقيقه عند اتخاذ قرار نهائي باستعمال التكنولوجيا الأميركية (والإسرائيلية) المتفوّقة للدفاع عن الأراضي الأميركية.

وفق أحد استطلاعات الرأي، عارض 70% من الإسرائيليين اتفاق وقف إطلاق النار الذي أدى إلى انتهاء الصراع. إنه مؤشر إيجابي. من الجيد ألا يرضخ الإسرائيليون (والأميركيون والأوروبيون) لضغوط الحرب وأن يتمسكوا بما سماه تشرشل "الصحة الأخلاقية والقوة القتالية" (هل تبدو هذه العبارة بالية؟ يجب ألا تكون كذلك. حين يفقد أي طرف في الصراع الرغبة في القتال، فذلك يعني أنه سيفقد كل شيء آخر خلال فترة قصيرة).

هل يعني ذلك أن نتنياهو كان مخطئاً حين امتنع عن إرسال القوات الميدانية إلى غزة؟ على الإطلاق. كان ذلك الهجوم ليصبح دموياً وليحظى بإدانة واسعة من المجتمع الدولي (مع أن هذا الموقف غير مبرر). وكان الصراع الشامل في غزة ليفيد حكام إيران الذين يتوقون إلى تحويل الأنظار عن الأعمال الوحشية التي يدعمونها في سورية وعن برنامجهم النووي. حين تدخل القوات الإسرائيلية إلى غزة، قد يصعب عليها الخروج منها. قد يأتي وقت يتساءل فيه الإسرائيليون: "ماذا بعد "حماس"؟". لكن ذلك الوقت لم يحن بعد.

ما من غموض بهذا الشأن: شكلت معركة غزة هزيمة لمحمود عباس الذي يحكم الضفة الغربية. لا يملك عباس أي سلطة في غزة (عام 2006، فازت "حماس" بانتخابات واحدة ضد حركة "فتح" التي يقودها عباس ثم شنت حرباً أهلية وحشية ضد "فتح"). اليوم، لا يجرؤ عباس على دخول غزة.

إنه إثبات إضافي على أن منح صفة "الدولة غير العضو" بناءً على طلب عباس في الجمعية العامة سيصبح مجرد خدعة. من الواضح أيضاً أن عباس لا يتحدث باسم معظم الفلسطينيين، وبالتالي فهو لا يستطيع التفاوض على حل الدولتين مع الإسرائيليين، ولا ننسَ أنه لم يكن مستعداً للتفاوض مع الإسرائيليين طوال سنوات (من المدهش أن يتجاهل الكثيرون هذا الواقع وأن يفضلوا لوم إسرائيل على المماطلة في المحادثات).

أخيراً، نصل إلى مرسي الذي كان الفائز من أحداث الأسبوع الماضي، فقد أشاد به الرئيس أوباما واعتبره "لاعباً مهماً يصدق بوعوده ولا يطلق وعوداً لا يستطيع تنفيذها". لكن خلال ساعات، عمد مرسي إلى الاستئثار بصلاحيات دكتاتورية محلياً. أدى ذلك إلى إطلاق موجات احتجاجية من جانب المصريين الشجعان الذين يخشون الآن أن تنتهي الثورة بقيام نظام ديني يحل مكان النظام الاستبدادي.

في أفضل الأحوال، قد يقرر مرسي كبح "حماس" والرضوخ لمطالب المحتجين، ما يسمح بصمود التجربة الديمقراطية المصرية ليوم آخر. قد يتطلب ذلك ضغوطاً إضافية من واشنطن أكثر من تلك التي مارستها حتى الآن. لكن في أسوأ الأحوال، قد يصبح مرسي فرعوناً إسلامياً وقد يسمح لحماس عاجلاً أو آجلاً بِجرّ مصر إلى حرب جديدة، بدعمٍ من إيران، وقد تكون تلك الحرب مدمِّرة (ولو غير حاسمة) كما كانت الحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973.

Clifford May

back to top