كما تفكر... فإنك تكون!

نشر في 22-12-2012
آخر تحديث 22-12-2012 | 00:01
 د. وليد خالد الفلاح يقول الحكماء إن الفكر هو أساس كل ما يصدر عن البشر من قول وفعل أو تصرف وسلوك، وبناءً على ذلك تستطيع أن تستنتج ما هو الفكر الخفي في عقول الناس والذي يظهر للآخرين كأقوال وأفعال في حياتهم اليومية، ويقول المثل العربي: "كل إناء بما فيه ينضح"، وفي المقابل يمكنك تخمين ردود الأفعال إذا عرفت الفكر السائد، ويقول المثل الشعبي: "هذا سيفوه وهذي خلاجينه". هذا من حيث النظرية ولكن هل هو كذلك من حيث الواقع؟

في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تم وضع الأسس العلمية لعلم النفس الحديث على أيدي ثلاثة من المفكرين الكبار، وهم "كارل غوستاف يونغ" و"سيغموند فرويد" و"ألفرد أدلر" وبالإمكان الاطلاع على مساهمات كل منهم في هذا المجال على صفحات الإنترنت.

الاكتشاف الأبرز في هذا العلم هو إدراك الأهمية القصوى للعقل الباطن في سلوك الكائن البشري، من حيث الشهوات الخفية والرغبات الدفينة والدوافع الكامنة في طبيعة الشخصية البشرية، إذاً الفرد ليس فقط عقلاً واعياً ومعروفاً لديه ولكنه أيضا عقل باطن ومجهول لديه، وبذلك سقط الاعتقاد السائد في ذلك الوقت بأن البشر يتصرفون بناءً على أهداف واضحة ومعروفة لديهم. ومن هنا أصبح تحليل الشخصية مطلباً أساسياً وضرورياً جدا، وقديما قالوا: "اعرف نفسك"!

يتميز الغرب بإدراكه لأهمية "أدب السيرة الشخصية" سواء السيرة الذاتية أو السيرة التي يكتبها الباحثون والدارسون، وتحرص الجامعات الأكاديمية والمراكز العلمية المتخصصة وبيوت النشر على نشر كتب ودراسات عن الشخصيات العامة في كل المجالات وبالذات السياسية والاقتصادية والثقافية. هذا الاهتمام الكبير إنما هو نتيجة إدراك تلك الدول لضرورة توثيق التاريخ من جهة والتعرف على أبعاد تلك الشخصيات المؤثرة ودوافعها في مسيرة المجتمعات المختلفة من جهة أخرى.

أما في الدول العربية، فإن الأشخاص المهمين من حيث التأثير إيجابا أو سلبا في مجالات الحياة المختلفة يدخلون دائرة النسيان عند ترك المنصب أو ترك الحياة الدنيا، يذهب الشخص وتذهب معه خبرته وتجربته في الحياة، والخاسر حتما هو المجتمع!

في عام 1902 نشر المفكر الإنكليزي "جيمس ألن" (1864- 1912) كتاباً صغيراً في حجمه، لكنه كبير في مضمونه ورائع في طرحه أسماه "كما تفكر... تكون"، وهذا العنوان مأخوذ من المقولة المأثورة: "كما تفكر في أعماقك... فإنك تكون"، ومن أجل الفائدة إليكم مقدمة هذا الكتاب الشهير:

"هذا الكتاب الصغير (والذي جاء نتيجة التأمل والخبرة) ليس المقصود منه أن يكون مرجعا متكاملا لموضوع متداول بكثرة وهو قوة تأثير الفكر. إنه كتاب يقدم اقتراحات وليس شروحات، حيث إن الغرض الأساسي منه هو تشجيع الرجال والنساء لاكتشاف وإدراك الحقيقة التالية: إنهم هم الذين يصنعون أنفسهم نتيجة أفكارهم التي يختارونها ويتمسكون بها. إن العقل هو الذي ينسج باقتدار كلاً من نسيج التكوين النفسي داخليا ونسيج الشخصية الظاهرة خارجيا، وكما أنهم سابقا كانوا نتاج الجهل والألم فإنه حاليا يمكن إعادة نسيجهم بالعلم التنويري والسعادة".

وكتب أيضا هذا المؤلف المبدع في نفس الكتاب هذه الجملة العظيمة: "كما ينمو النبات- ولا يكون بغير ذلك- من البذرة، فإن كل فعل يصدر من الفرد هو نتيجة بذور فكرية خفية. وهذا ينطبق على كل الأفعال سواء كان الفعل عفويا أو مقصودا".

back to top