حرب سورية الداخلية تنقلب ضد النظام

نشر في 20-11-2012
آخر تحديث 20-11-2012 | 00:01
بدأ الصراع في سورية يتحول من حرب استنزاف إلى حرب مواقع، وما لم يحدث أي تغيير كبير في مقاربة بشار الأسد أو تدخل مكثف من جانب «حزب الله» وإيران، فسيتدهور وضع النظام العسكري، بشكل دراماتيكي على الأرجح، في الأسابيع المقبلة.
 معهد واشنطن بعد مرور 20 شهراً تقريباً، يبدو أن حرب سورية الداخلية تقترب من مرحلة حاسمة. منذ بداية شهر أكتوبر، تقف القوات الثورية في موقع هجومي في ساحات قتال أساسية بينما تنتشر قوات النظام على رقعة محدودة بعد أن أصبحت في موقع دفاعي وبدأت تنسحب. كذلك، بدأ الصراع يتحول من حرب استنزاف (حيث ينجح كل فريق في إسقاط ضحايا من الفريق الثاني) إلى حرب مواقع، إذ ينجح الثوار في الاستيلاء على حواجز التفتيش، وتقليص وجود عناصر النظام في المحافظات، وقطع الطرقات، وممارسة الضغوط على أبرز معاقل النظام ومنشآته. ما لم يحدث أي تغيير كبير في مقاربة بشار الأسد أو تدخل مكثّف من جانب "حزب الله" وإيران، سيتدهور وضع النظام العسكري، بشكل دراماتيكي على الأرجح، في الأسابيع المقبلة.

عمليات الثوار

ربما لا يملك الثوار حتى الآن بنية سياسية أو قيادة عسكرية موحدة أو استراتيجية وطنية مشتركة في حربهم ضد النظام، لكن تبدو الآثار التراكمية الناجمة عن عملياتهم مهمة ومتصاعدة. هم يستطيعون شن مبادرات عسكرية في مناطق محورية من البلد.

تدعم عمليات الثوار أهدافاً كبرى ومتعددة. أولاً، هي تُلحق خسائر متزايدة بعناصر النظام ومعدّاته، بما في ذلك الدبابات والمركبات القتالية والطائرات. وفق التقارير التي يصدرها يومياً المرصد السوري لحقوق الإنسان عن عدد الضحايا، سقط يومياً ما معدله 50 شخصاً في صفوف قوات النظام خلال شهر أكتوبر بعد أن كان هذا العدد يقتصر على 35 قتيلاً في شهر سبتمبر. خلال أول 11 يوماً من شهر نوفمبر، ارتفع المعدل إلى 53 شخصاً. يُضاف إلى هذه الحصيلة عدد الجرحى والمعتقلين والمنشقين. في الوقت نفسه، بلغ متوسط الاشتباكات بين الثوار ووحدات النظام حوالي 25 اشتباكاً في الشهر الماضي بعد أن اقتصر هذا المعدل على 18 في شهر سبتمبر. كذلك، سجل شهر أكتوبر حصيلة إجمالية بمعدل 764، وهو أعلى معدل شهري منذ بدء الحرب.

ثانياً، بدأ الثوار يقلّصون وجود النظام ونفوذه (ولا سيما في المناطق الريفية، لكن في المدن الكبرى أيضاً) من خلال الاستيلاء على مواقع مهمة أو إجبار النظام على التخلي عنها تحت الضغط. حتى في المناطق التي لا يزال فيها النظام قوياً نسبياً، بدأ الثوار يهددون سيطرته.

ثالثاً، يعيق الثوار خطوط الاتصال الأساسية، ولا سيما في إدلب وحلب وفي محافظة الرقة أيضاً. يعيق هذا النشاط قدرة النظام على نقل قواته إلى المناطق المهدَّدة ويحصر عملها لحماية خطوط الاتصال. يساهم هذا الأمر في المقابل في عزل مواقع النظام في المناطق المتنازع عليها، بما في ذلك قواعد المدفعيات والمطارات. صحيح أن الثوار يجدون صعوبة حتى الآن في السيطرة على أبرز مواقع النظام، ولكنهم يستطيعون مضايقتها عبر الحد من فاعليتها وإجبار النظام على الدفاع عنها.

رابعاً، يهاجم الثوار مواقع النظام ومنشآته للحصول على الأسلحة والذخائر. هم يحصلون على معدات مماثلة عند استيلائهم على كل موقع وقد يكسبون كميات كبيرة منها أحياناً. لا شك أن الأهداف المفضلة لديهم هي حواجز التفتيش ومنشآت الدفاع الجوي.

تفرض عمليات الثوار بمجملها الضغوط على النظام على جبهات عدة. قد لا يكون هذا الأمر جزءاً من استراتيجية كبرى، لكن يعطي مجموع هذه العمليات نتيجة مماثلة. لا شك أن القتال في أماكن عدة يُضعف قوات النظام ويحرمها من القدرة على تركيز أعداد من الجنود في نقطة معينة لشن عمليات هجومية كبرى.

استراتيجية النظام وعملياته

بدأ وضع النظام العسكري يصبح هشاً، ولا سيما في محافظتَي إدلب وحلب الشماليتين وفي الجزء الشرقي أيضاً، كذلك، بدأ الضغط يتصاعد في منطقة دمشق، فتتعدد العوامل المهمة التي لا تصب في مصلحة قوات الأسد: بدأت إمكاناتها الهجومية تتراجع ولم تؤدِّ جهودها الرامية إلى تخفيف أو كبح مكاسب الثوار عبر استخدام القوة الجوية والمدفعيات الميدانية إلى تغيير اتجاه الصراع. رغم هذه التطورات، لم يعدل النظام مقاربته في خوض الحرب. هو لا يطبق استراتيجية سياسية محددة ولا يطرح أي اقتراحات لتطوير استراتيجية مماثلة، ما يعني أن القتال أصبح الخيار الوحيد.

على مستوى الاستراتيجية العسكرية، يتابع النظام الدفاع عن جميع المناطق التي يواجه فيها التحديات: لأسباب سياسية، هو غير مستعد للتخلي بالكامل عن أي جزء من البلد. فقد حاول السيطرة على جميع المدن الكبرى ومراكز المحافظات الرئيسة والحفاظ على وجوده في الأرياف. غالباً ما تؤدي هذه المقاربة إلى إضعاف وحداته الصغرى في وجه الاعتداءات وإضعاف وحداته الكبرى المعرضة للعزلة والمضايقة. كذلك، تنجر قوات النظام إلى معارك استنزاف محلية مثل القتال للفوز بمدينة حلب والمخيم العسكري في وادي الضيف في محافظة إدلب. تستنزف هذه الاشتباكات موارد النظام من دون تحقيق أي مكسب عسكري مهم.

سعى النظام أيضاً إلى إبقاء خطوط اتصاله مفتوحة في المحافظات الشمالية والشرقية، ولا سيما في إدلب وحلب. لو أنه قام بعكس ذلك، لكان سيجازف بعزل قواته هناك، ما قد يؤدي إلى انهيارها أو هزيمتها وخسارة تلك المحافظات نهائياً.

من خلال بذل هذه الجهود، يتكل النظام بشكل متزايد على القوة الجوية وقوات المدفعيات الميدانية لكبح تقدم الثوار، ودعم الاعتداءات المضادة المحلية، وإلحاق الخسائر بوحدات الثوار، ومعاقبة المدنيين. هو يستعمل أيضاً قوات غير نظامية إضافية (مثل "الشبيحة" والميليشيات التابعة للجنة الشعبية) بهدف تخفيف الأعباء عن القوات القتالية النظامية. أصبحت العناصر غير النظاميين متورطين بشدة الآن في القتال وهم يتكبدون خسائر هائلة.

أخيراً، يبدو أن التدخل المباشر من جانب "حزب الله" بدأ يتوسع. قيل إن بعض قوات الحزب في لبنان قصفت أهدافاً عبر الحدود بينما انضمت عناصر أخرى إلى القتال ميدانياً داخل سورية، ما أسفر عن سقوط قتلى إضافيين في صفوف الحزب.

ساحات حرب حاسمة

عند التفكير بالمرحلة المقبلة، يتبين أن مصير النظام سيتحدد في ثلاث ساحات حرب حاسمة. تتمثل الساحة الأولى بالقتال في إدلب وحلب حيث تتسارع المعركة وتنقلب تدريجاً ضد النظام. خسرت قوات الأسد الأراضي والمواقع الخاصة بها في إدلب وقُطعت خطوط الاتصال داخل المحافظة. كذلك، بدأ الثوار يستعملون مدارج الطيران الخاصة بالنظام في مطار تافتناز. تخضع مدينة حلب لتهديدات متزايدة بالعزل من الغرب والجنوب والشرق، وأصبحت أبرز معاقل النظام بالقرب من الأتارب في حلب محاطة بالثوار أو تخضع لضغوط أخرى.

ارتفعت وتيرة الاشتباكات في الأرياف حول دمشق وحتى داخل العاصمة نفسها. اندلعت معركة خطيرة هناك حين حاول النظام الحفاظ على سيطرته في الضواحي تزامناً مع قمع وجود الثوار داخل المدينة (بعبارة أخرى، تقاتل قوات الأسد الآن للسيطرة على مركز النظام). يعني احتدام القتال هناك أن النظام أصبح أقل قدرة على تدعيم ساحات القتال المهمة الأخرى.

بدأ نطاق الثورة يتّسع في الشرق أيضاً. في محافظة الرقة، يزداد نفوذ عناصر المعارضة المسلحة التي تستولي على الأراضي بالقرب من الحدود التركية (مثل تل أبيض) وتعيق أبرز الطرقات السريعة المؤدية إلى الحسكة ودير الزور. قيل إن الثوار هناك أوقفوا مواكب عدة تشمل شاحنات وقود وتعزيزات عسكرية كانت متّجهة من الحسكة إلى الرقة. بعد أن كانت الحسكة واحدة من أكثر المحافظات هدوءاً في سورية، شهدت هذه البلدة تزايداً ملحوظاً في وتيرة القتال هذا الشهر، بما في ذلك السيطرة على معبر رأس العين مع تركيا وحصول اشتباكات في مواقع أخرى شمالاً. سارع النظام إلى إرسال التعزيزات إلى رأس العين ونشر مروحيات مقاتلة في المنطقة، ولكنه عجز عن كبح الاضطرابات.

صحيح أن الوضع في هذه المناطق هو الأكثر خطورة بالنسبة إلى النظام، لكن لا يمكن تجاهل الصراع القائم في مناطق أخرى. تشهد محافظات دير الزور ودرعا وحماة وحمص معركة قوية حتى الآن بينما شهدت اللاذقية والقنيطرة نشاطاً عسكرياً متزايداً.

توقعات عن المرحلة المرتقبة

ربما تقترب الحرب في سورية من مرحلة حاسمة قد تصب في مصلحة الثوار. يملك النظام قدرة محدودة على إعادة فرض سيطرته على بعض المناطق المحورية ويتعرض للضغط كي يصمد في مناطق أخرى. أفضل ما يمكن أن يتمناه النظام على الأرجح هو كبح أو إبطاء مكاسب الثوار.

يبدو أن هذه النزعة غير قابلة للتبدل ما لم يقم النظام بتغيير جذري في مقاربته للحرب. في نهاية المطاف، قد يشمل ذلك التغيير استعمال أسلحة كيماوية، أو تنفيذ تدخل هائل من جانب "حزب الله" وإيران، أو انسحاب من المحافظات المعرضة للخطر بهدف توحيد جهود القوات.

قد تساهم المساعدات العسكرية الخارجية للثوار في تغيير الوضع لمصلحتهم بشكل سريع وحاسم، ما يعني استباق أي خطوة قد يتخذها النظام لتشديد تدابيره. قد يتمكن الثوار بذلك من الدفاع عن المدنيين بشكل أفضل، وإحكام قبضتهم على المناطق التي يسيطرون عليها، وتخفيض عدد معاقل النظام بسرعة أكبر، واستنزاف قوات النظام، وتخفيض استنزافهم الخاص (يبلغ معدل القتل اليومي حوالي 40 شخصاً). بعبارة أخرى، قد تساهم هذه المعطيات في تقصير مدة الحرب.

أخيراً، قد تساهم المساعدات العسكرية التي يمكن أن تحصل عليها الجماعات المناسبة قريباً (ولا سيما الجماعات المقبولة سياسياً من الغرب والفاعلة عسكرياً) في رسم معالم حقبة ما بعد الأسد بطريقة تخدم المصالح الأميركية. قد تتمكن تلك الجماعات أيضاً من لعب دور حاسم في نتيجة القتال والمطالبة بدور أهم لإسقاط النظام. في هذه الحالة، سيصبحون في وضع أفضل لخوض الصراع بعد حقبة الأسد مع جماعات أخرى، وعلى رأسهم المتطرفون الإسلاميون.

* جيفري وايت | Jeffrey White ، أستاذ شؤون الدفاع في "معهد واشنطن"، ومتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية في بلاد الشام، العراق وإيران.

back to top