النزاعات على الأراضي... قنبلة موقوتة في آسيا!
لا شك أن الوضع سيزداد خطورة نظراً إلى تورط أهم ثلاثة أنظمة اقتصادية في العالم بملف نزاع الجزر بين بكين وطوكيو. يفسر هذا الواقع السبب الذي دفع الولايات المتحدة الآن إلى دعوة اليابان والصين معاً إلى التعامل بحذر مع الوضع وإعطاء الأولوية للحفاظ على السلام والاستقرار.تزامناً مع احتدام الصراع للسيطرة على الجزر المتنازع عليها والموارد البحرية القيمة في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي خلال السنوات الأخيرة، أعلنت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً أنها لا تنحاز إلى أي طرف في الخلافات القائمة بين الدول الآسيوية حول أصحاب حقوق الملكية. بفضل التمسك بموقف حيادي، يمكن أن ترسخ الولايات المتحدة دورها كدولة وسيطة صادقة، ويمكنها بالتالي أن تحظى بقبول إقليمي كي تسعى إلى التصدي لتنامي النفوذ الصيني.لكن كان هذا الموقف أسهل على الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي لأن التحالفات الأميركية هناك أقل زخماً وأكثر غموضاً مما هي عليه في بحر الصين الشرقي، إذ تُعتبر الفيليبين وحدها حليفة الولايات المتحدة في تلك المنطقة من أصل أربع دول تطالب بالأراضي في جنوب شرق آسيا.لكن في ظل الاضطرابات المستجدة راهناً بين اليابان والصين، تنحاز الولايات المتحدة في بحر الصين الشرقي إلى حليفتها اليابانية بموجب معاهدة بين البلدين.لا شك أن الوضع سيزداد خطورة نظراً إلى تورط أهم ثلاثة أنظمة اقتصادية في العالم بهذا الملف. يفسر هذا الواقع السبب الذي دفع الولايات المتحدة الآن إلى دعوة اليابان والصين معاً إلى التعامل بحذر مع الوضع وإعطاء الأولوية للحفاظ على السلام والاستقرار.أجرى وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا جولة في المنطقة هذا الأسبوع لإجراء محادثات عالية المستوى في طوكيو وبكين، وأكد أنه سيدعو أصحاب العقول الراجحة إلى السيطرة على الوضع.لاحظ كيرت كامبل، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، تباطؤ الاقتصاد الأوروبي وتزايد المصاعب الاقتصادية في الولايات المتحدة، واعتبر في 11 سبتمبر أن شرق آسيا هي "حلبة الصراع التي توجه الاقتصاد العالمي وتبدو المخاطر (في النزاع على جزر سينكاكو) أكبر من أي وقت مضى".احتدم الخلاف بعد قرار الحكومة اليابانية في وقت سابق من هذا الشهر بتأميم عدد من جزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي من خلال شرائها من مالكين من القطاع الخاص على رغم إصرار بكين على أنها تنتمي إلى الصين.في إشارةٍ لافتة إلى حجم التصميم الوطني، تعهد كبار القادة المدنيين والعسكريين في الصين بالاعتراض على خطوة اليابان حتى إحكام قبضتهم على جزر سينكاكو.حتى قبل أن تتحرك اليابان، عبر كبار القادة العسكريين الصينين الذين زاروا واشنطن عن "مخاوف الصين الكبرى في مسائل متعلقة بمصالح الصين الحيوية والأساسية"، بما في ذلك عمليات بيع الأسلحة الأميركية إلى تايوان، والنزاعات على الجزر والحدود البحرية في بحر الصين الشرقي والجنوبي، والنشاطات العسكرية الاستطلاعية الموجهة نحو الصين.قامت وكالة أنباء "شينخوا" الرسمية بتغطية الزيارة في الشهر الماضي، وقد اقتبست كلام الجنرال تساي ينغتينغ، نائب قائد هيئة الأركان العامة الصينية، حين قال إن الصين عارضت الموقف الأميركي الذي اعتبر أن جزر سينكاكو (تسميها الصين جزر دياويو) تقع ضمن نطاق معاهدة التعاون والأمن المشترك بين الولايات المتحدة واليابان لعام 1960، ما يُجبر واشنطن على مساعدة حليفتها إذا تعرضت الجزر التي تديرها اليابان لاعتداء خارجي مسلح. تأكيداً على هذا الالتزام بين البلدين، تخوض القوات العسكرية اليابانية والقوات البحرية الأميركية تدريبات مدتها 37 يوماً لتحسين التمارين الدفاعية واستعادة الجزر الهشة التي لا تخضع لحراسة مشددة في أرخبيل ريوكو في جنوب الجزر اليابانية الأساسية.تقع جزر سينكاكو استراتيجياً في هذه المنطقة القائمة بين الصين وتايوان واليابان. تديرها السلطات اليابانية كجزء من مقاطعة أوكيناوا في أقصى الجنوب حيث تملك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية مهمة. تُعتبر تلك المنطقة معقلاً مناسباً لنشر النفوذ الأميركي في شرق آسيا.تقول اليابان إنها بسطت سيادتها في جزر سينكاكو في عام 1895 بعد إجراء مسح للأراضي والتأكد من أنها غير مأهولة.لكن الصين تعارض هذه الفكرة وتؤكد أنها اكتشفت تلك الجزر وسمّتها واستعملتها منذ القرن الخامس عشر. تصر الصين على أن جزر سينكاكو كانت تخضع لإدارة تايوان (ثم حكمتها الإمبراطورية الصينية) قبل عام 1895 وأن الجزر سُلّمت إلى اليابان بموجب معاهدة فُرضت على الصين بعد أن هزمتها اليابان خلال حرب دامت سنتين.كذلك، تقول الصين وتايوان إنهما حصلتا على وعد خلال اجتماع في القاهرة في عام 1943 مع القادة الأميركيين والبريطانيين بأن تستعيد الصين، بعد هزيمة اليابان، جميع الأراضي التي "سرقتها اليابان من الصينيين"، بما في ذلك جزيرة فورموزا (تايوان).لا شك أن اليابان، والولايات المتحدة طبعاً، تعارضان الفكرة القائلة إن جزر سينكاكو كانت جزءاً من تايوان. هما تعتبران أن معاهدة السلام في عام 1951 في سان فرانسيسكو بين الحلفاء المنتصرين في زمن الحرب واليابان المهزومة وضعت جزر سينكاكو وجزراً يابانية جنوبية أخرى تحت وصاية أميركية موقتة.انتهى هذا الوضع عندما استعادت اليابان سيطرتها على أوكيناوا والجزر المحيطة بها بموجب اتفاق أميركي ياباني في عام 1971.لكن لم تتم دعوة جمهورية الصين الشعبية التي كانت تحكم تلك المنطقة منذ عام 1949 ولا جمهورية الصين في تايوان إلى مؤتمر سان فرانسيسكو. كذلك، لم تصبح بكين وتايبيه جزءاً من المعاهدة. حتى الآن، تستعمل الصين خطاباً صارماً في هذا الملف ولكنها لا تلوّح بتهديدات خطيرة حين تكرر تأكيدها على سيادتها في جزر سينكاكو. لا شيء مما فعلته في الصراع الأخير يشير إلى حصول غزو وشيك للجزر على يد القوات المسلحة النظامية الصينية.في 11 سبتمبر، ذكرت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية (تعبّر في العادة عن وجهات نظر قومية ويسيطر عليها الحزب الشيوعي الصيني الحاكم) أن اليابان لها أفضلية في هذا الملف لأنها تسيطر فعلياً على جزر سينكاكو. تابعت الصحيفة: "لذا يجب أن تحدد الصين هدفاً طويل الأمد يقضي بتغيير الجهة المسيطرة على الجزر راهناً".تثق الصين على ما يبدو بأن التماسك الياباني الأميركي للدفاع عن جزر سينكاكو سيتلاشى تزامناً مع تنامي نفوذها الاقتصادي والعسكري. في غضون ذلك، لا تزال الجزر غير المأهولة أشبه بقنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة وتترافق مع عواقب مدمرة على آسيا إذا أخطأت الصين أو اليابان أو الولايات المتحدة في حساباتها.* هو باحث بارز في معهد دراسات جنوب شرق آسيا في سنغافورة.