المالكي وشعرة معاوية بين أميركا وروسيا

نشر في 06-10-2012
آخر تحديث 06-10-2012 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر   بعد أن أصبحت نهاية نظام بشار الأسد قاب قوسين أو أدنى، تتسارع وتيرة العمل بالنسبة لروسيا وإيران لإيجاد بديل عنه يكون في استطاعته تقديم ما كان نظام البعث السوري يقدمه للجانبين من خدمات كبيرة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، وإذا أخذنا مسيرة الواقع السياسي في العراق نرى أن الظروف أصبحت مواتية تماماً في أن تحقق هاتان الدولتان ما يصبوان إليه من دور لنظام المالكي في المنطقة.

فروسيا المتطلعة إلى لعب دور دولي تحاول الدفاع عن مواطئ أقدامها المتبقية في المنطقة، فتساقط معاقلها في ليبيا وعراق صدام حسين وأخيراً في سورية يدفعها إلى الاندفاع بشكل كامل لفتح قنوات دبلوماسية ساخنة مع الحكومة العراقية متمثلة بالمالكي،

لاسيما أن تقاطع مصالح إيران وروسيا في المنطقة يجعل من العراق نقطة الالتقاء المثالية للطرفين، بما يمتاز به النظام الحالي فيه من أفكار مذهبية تجعله يرتمي إلى الحضن الإيراني ويبتعد عن الحضن الأميركي الذي أتى به للحكم، وبالتالي فإن العلاقات المميزة بين إيران وروسيا تجعل إمكانية إنشاء حلقة ثلاثية إيرانية عراقية روسية أمراً ممكناً بشكل كبير.

هنا يجب علينا أن نتساءل؛ هل هناك مصلحة للعراق كدولة من التحالف الجديد هذا، أم هي لمصلحة المالكي الشخصية للبقاء أطول مدة على سدة الحكم في العراق؟

كما قلنا إن المالكي أتى للحكم بقطار أميركي بحت، ولكن ولغباء الإدارة الأميركية الحالية وعدم درايتها الكافية للتعامل مع الملف العراقي، فقد ارتكبت أخطاء فادحة جعلت إيران تتحكم في الشأن العراقي بشكل كامل، لاسيما أن الأغلبية الشيعية السياسية في العراق مستعدة في الأساس للارتماء في الحضن الإيراني لأسباب لا مجال لشرحها هنا، خصوصاً أن المالكي استطاع أن يلعب على التناقضات الإيرانية الأميركية بشكل يجعل الطرفين حريصين على بقائه في الحكم ويفضلونه على أي سياسي عراقي آخر.

ويعي المالكي جيداً أن البقاء في منتصف الطريق بين أميركا وإيران قد يكون ممكناً لبعض الوقت، ولكن من الصعب الاستمرار في هذا الوضع كل الوقت. وما جعل البقاء في منتصف الطريق مستحيلا الآن الثورة السورية وحتمية اتخاذ موقف محدد منها ومن المعسكرين الأميركي أو الإيراني، وبما أن المالكي يعتمد في شعبيته على الشارع العراقي الشيعي فيظهر أن إيران هي المرشحة لأن تكون الدولة التي سيضحي من أجلها المالكي بعلاقاته مع أميركا.

وقد شحذت الأزمة السورية الجهد الإيراني مع الجهد الروسي للوقوف بجانب بشار الأسد، مما جعل المالكي يلتقي مع أجندات الدولتين في هذا الموضوع، وبالنسبة لروسيا فإن المالكي يمثل لها المرشح الأوفر حظاً ليحل محل بشار الأسد مستقبلاً، فقطع امتداد النفوذ الأميركي عند البوابة العراقية يعني لها الكثير، خصوصاً بعد امتداد اليد الغربية والأميركية لإخراج جمهوريات الاتحاد السوفياتي من الكماشة الروسية، وسترحب بأي محاولة تقارب يقوم بها المالكي أياً كانت أهدافه. فالزيارة التي من المزمع أن يقوم بها المالكي لروسيا ستشكل انعطافة تاريخية للعلاقات بين البلدين، والتي يتوقع منها أن تتسارع وتيرتها في المرحلة القادمة بنفس تسارع وتيرة فعل الثورة السورية.

ومن الطبيعي ألا تكون لروسيا أي شروط للبدء بهذه العلاقة، بعكس طرف المالكي الذي يستطيع فرض شروط كثيرة على روسيا سواء اقتصادية أو حتى سياسية. وإذا ضمن المالكي التأييد الروسي فإن هذا يعني أنه قد كسب الجولة، وحينئذ يستطيع اللعب بأوراق كثيرة سواء على الجانب الأميركي أو الروسي، وبما أن القواسم المشتركة بين المالكي من جهة وإيران وروسيا أكثر منها بين المالكي وأميركا، فإن إمكان ابتعاد المالكي عن أميركا والاقتراب من روسيا يبدو أكثر احتمالا من اقترابه من أميركا.  

كل الاحتمالات تشير إلى أن انتصار الثورة السورية ستعني إيذانا بتغيرات كثيرة في المنطقة، تبدأ بسيطرة المالكي تماماً على الداخل العراقي يتبعها دخولاً كلياً للمالكي ضمن المعسكر الإيراني الروسي، مما سيشكل تكوين حلف إقليمي جديد يصعب من خلاله على أميركا أن تتحرك بردة فعل قوية ضده، فأميركا لا تمتلك القدرة مرة أخرى لشن حرب جديدة في العراق لإزاحة المالكي.

إن تغير النظام السوري ومجيء نظام له علاقات طيبة مع دول الخليج وتركيا يعني إمكان مرور الغاز من الخليج عبر سورية إلى تركيا وأوروبا، مما يعني ضربة قوية جداً لروسيا وعلى تدفق الغاز منها ومن جمهوريات الاتحاد السوفياتي القديم إلى أوروبا. وبعد زوال نظام بشار الأسد فلن يبقى أمامها إلا الإبقاء على الوضع السوري بعد الثورة هشاً لإبقاء تدفق الغاز من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي القديم إلى أوروبا، وهذا لن يتحقق إلا بالتعاون بينها وبين إيران وأذرعها في المنطقة المتمثلة في المالكي و"حزب الله" لتعكير الوضع السوري أمنياً وسياسياً، وهكذا فإن أسهم المالكي ستتصاعد عند روسيا وتجعله أكثر أهمية من نظام بشار الأسد. فمثلما تدافع روسيا عن بشار الأسد الآن وتمنع رحيله فإنها ستكون أكثر دفاعاً عن المالكي، فيما إذا أرادت أميركا أو أي جهة أخرى عربية أو غير عربية إزاحته، وقد يكون دفاع روسيا عن المالكي مستقبلا أشرس من دفاعها عن بشار الأسد.

* كردستان العراق

back to top