الجريدة | تحليل سياسي: لجان التحقيق البرلمانية... حين تضحي الحكومة بالجنين والأم

نشر في 11-05-2012 | 22:01
آخر تحديث 11-05-2012 | 22:01
No Image Caption
 

حفل دور الانعقاد الحالي لمجلس الأمة بإقرار سلسلة طويلة من لجان التحقيق البرلمانية في قضايا متعددة، بعضها يقع في اختصاصات النواب الرقابية، والآخر بعيد عن الحدود المتاحة للأدوات الدستورية الرقابية، الأمر الذي تجاوز قدرة المجلس على تشكيل المزيد منها، وهذا ما عبر عنه نائب الرئيس خالد السلطان في جلسة أمس، حين قدمت خمسة طلبات إضافية لتشكيل لجان تحقيق، بقوله: "ليس عندنا جهاز كاف فأرجو أن تذهب الى اللجان المختصة".

وتجاوز عدد لجان التحقيق في المجلس العشرين، وتم تكليف ديوان المحاسبة مراجعة أعمال بعض المؤسسات الحكومية، إضافة إلى تكليف بعض اللجان البرلمانية التحقيق في قضايا أخرى، التي تدخل في اختصاصاتها المباشرة.

ويرى مراقبون أن واقع مجلس الأمة في دور الانعقاد الأول من فصله التشريعي الحالي جنح نحو الدور الرقابي على حساب الدور التشريعي، لافتين إلى أن العديد من القضايا التي يتم التحقيق بها حاليا هي قضايا تمت مناقشتها في الفصل التشريعي الماضي، وانتهت لجان تحقيق سابقة منها، ورفعت تقاريرها إلى المجلس، ومنها على سبيل المثال التحقيق في مقتل المواطن محمد الميموني.

ويتساءل المراقبون عن جدوى لجان التحقيق البرلمانية في سياق الاستخدام النيابي لها، إذ إن القضايا التي يطلب التحقيق فيها عادة ما تكون في الأصل وسيلة ضغط من أجل تعيينات أو تمرير معاملات أو غيرها، مضيفين أن لجاناً أخرى استخدمت للحصول على معلومات تمهيداً لتقديم استجوابات، وهو ما أضعف أداة لجنة التحقيق، كما ضعفت من قبلها أداة الاستجواب لكثرة استخدامها في غير موضعها.

ويستذكر المراقبون لجان التحقيق السابقة التي انتهت إلى لا شيء، وتلك التي انتهت الى إدانة قياديين وحملتهم مسؤولية مخالفات، لكن دون أثر عليهم، ومنها لجنة التحقيق في ما عرف بقضية إعلان الأهرام، وأخرى تركت تقاريرها للتاريخ، وعلى رأسها وأهمها لجنة تقصي الحقائق في الغزو العراقي، التي تعتبر الأهم في تاريخ الكويت السياسي.

ويحمل المراقبون السلطة التنفيذية مسؤولية الاستسلام لطلبات التحقيق النيابية دون تسجيل موقف سياسي يدافع عن موظفي أجهزتها على الأقل، إذ إن جميع طلبات التحقيق حملت في طياتها اتهامات صريحة لقيادي أو جهاز تنفيذي، إما بالتقصير أو الاعتداء على المال العام أو التنفيع، وما موافقة الحكومة عليها سوى إقرار منها بتلك الاتهامات.

"الحكومة تركت أجهزتها التنفيذية، بما تحمله من قرارات إدارية خاصة ومسؤولة عنها، مفتوحة لتدخل النواب، والتغلغل بها تحت غطاء التحقيق البرلماني، ونقلت سلطاتها –بإرادتها– إلى أعضاء مجلس الأمة"، حسبما يقول المراقبون الذين وصفوا موقف الحكومة بالخضوع للأغلبية النيابية، وليس التعاون المنصوص عليه دستوريا.

ويتابع المراقبون ان الاستقرار، الذي تبحث عنه الحكومة اليوم، أصبح مرتبطاً بمجلس الوزراء فقط، بينما غدت أجهزة الدولة مشلولة عملياً وغير قادرة على تنفيذ خططها وأعمالها، بسبب التدخل النيابي في صلاحيتها من باب التحقيقات البرلمانية، مشيرين إلى أن الحكومة "ضحت بالجنين لإنقاذ الأم"، بينما في حقيقة الأمر تضحي بالاثنين معاً.

لجان التحقيق البرلمانية كأداة دستورية حق مكفول لأعضاء مجلس الأمة، لكن الانحراف النيابي -بموافقة الحكومة- في التوسع في استخدام تلك الأداة لخصومات سياسية وشخصية شغل المجلس ولجانه عن العمل التشريعي، كما وضع جميع قياديي الدولة موضع اتهام وشك في ذممهم المالية والإدارية، وهو ما يفسر عزوف الكثير من رجالات الدولة عن تولي المناصب القيادية.

وليس أمام الحكومة خيارات عدة، فهي إما أن تنتصر للقائمين على أجهزتها وحقوقها التنفيذية، أو تسلم صلاحيتها لأعضاء البرلمان لإدارة الحكومة ومؤسساتها، وحينها فإن المادة 50 من الدستور التي تنص على مبدأ فصل السلطات تكون في خبر كان.

back to top