قصة سقوط شمشون مصر الجديدة!

نشر في 12-08-2012 | 00:01
آخر تحديث 12-08-2012 | 00:01
في هذه الأوراق، تصادف قتلة ومجرمين وقطاع طرق، ربما تعثر على بعض السكاكين والمسدسات وكثير من العدوانية، لكنك أيضاً ستعثر على أسباب غريبة للجريمة، وعلى ما لا يمكن أن تجده لدى المحللين والخبراء وصناع القرار... إنها أوراق حقيقية من أجندات ضباط مباحث، أتاحوها لقارئ «الجريدة» بما تضمه من وقائع وصور وذكريات مطارداتهم لتلك اليد الخفية، التي عرفتها البشرية منذ الأزل، وهي يد القاتل.

معركة حربية في السادسة صباحاً انتهت بمصرع شمشون ووالده!

كانت تلك المرة الأولى التي يسمع فيها المصريون عن بلطجي ابن ذوات! يعيش في أرقى أحياء القاهرة، ووالده أحد الضباط الكبار، تحديداً لواء شرطة بالمعاش، وشقيقه ضابط شرطة... أما هو فكان طالباً في كلية الشرطة وتم فصله.

كانت تلك المرة الأولى التي يتعرف فيها الشارع المصري إلى هذه العينة من المجرمين، الذين لا يشعرون بالخوف من المجتمع ويمتلكون السلاح والقوة والسلطة، وفوق ذلك كله، مجرم عتيد الإجرام.

اسمه طارق محمد إمام، استطاع بمفرده أن يثير الفزع والرعب والهلع في أكبر فنادق القاهرة ذات الخمس نجوم، وأشهر الأندية الاجتماعية والأندية الصحية حيث التدريبات الرياضية وحمامات السونا والتدليك والمساج... وغيرها من مظاهر الترف التي يحرص عليها أبناء الطبقات الثرية والعائلات الراقية ونجوم الفن والرياضة، وأحياناً بعض الشخصيات العامة ورجال السياسة.

كان طارق أيضاً مفتول العضلات، بارز الصدر، حاد النظرات... لا يتحرك إلا وفي حوزته بندقية آلية وعلى جانبه الأيمن مسدس وعلى جانبه الأيسر مسدس آخر. اشتهر بين جيرانه بفرض السيطرة واستعراضات القوة وتحقيق انتصارات تكون بمثابة «كارت» إرهاب للآخرين... وعن استفزازه لمن لا يروق له حدث ولا حرج.

لم ينتبه إليه جهاز الشرطة إلا بعدما تجاوز الخطوط الحمر كافة، كانت هناك إشارات وإرهاصات تنبئ عن ظاهرة إجرامية تتشكل، لكن أجهزة الأمن لم تتوقع أن تتفاقم هذه الظاهرة بتلك السرعة، كان كثر سجلوا ضده محاضر شرطة في أكثر من مكان.

وأصدرت النيابة العامة أكثر من قرار ضبط وإحضار ضده، لكنها لم تنفذ جميعها، أحياناً بسبب تدخل والده اللواء السابق في الشرطة واستغلال علاقاته بضباط الأقسام، وأحياناً أخرى لأن والده أيضاً كان يجبر المجني عليهم على التنازل عن حقوقهم بالوعيد والتهديد.

وإما لكون طارق نفسه يهرب من تنفيذ قرارات الضبط والإحضار بتهديد ضباط الشرطة أنفسهم! واضطر سكان الحي الهادئ والأكثر رقياً في القاهرة إلى أن يخلعوا على طارق لقب شمشون مصر الجديدة، فلا أحد يستطيع أن يصده أو يرده أو يتحداه.

لم تكن مصر في هذا الوقت تعرف جرائم البلطجة، لأن قبضة الأمن كانت شديدة وحرصه على هيبته بلا حدود، ومع ذلك كانت تتم مواجهة، وبكل حزم وحسم وبلا رحمة، بعض الحوادث الفردية التي تقع في أحياء شعبية ومناطق عشوائية وتندرج تحت وصف البلطجة! لهذا تعجب أبناء مصر الجديدة من جرأة طارق في فرد جناحيه وفرض نفوذه واستعراض قوته من دون القبض عليه، وإحالته إلى التحقيق، والثأر لضحاياه واسترداد هيبة جهاز الأمن، نسجوا حوله الحكايات والأساطير ونشروا الشائعات وردد البعض أنه صديق لأبناء رئيس الجمهورية السابق، وقال آخرون إنه يشاركهم في مشروعات تجارية.

تضاعف خوف الناس يوماً بعد يوم، وخشى كثر من الإبلاغ ضده في جرائم ارتكبها في حقهم خوفاً من انتقامه وبطشه ورد فعله، فقد كان «شمشون» مصر الجديدة يتسلى أحياناً بالوقوف في نافذة شقته وإطلاق دفعة أعيرة نارية من بندقيته الآلية في الهواء، فيشل الحركة في شارع جامع الفتح حيث العمارة التي يسكن فيها، بل كان المارة يختبئون خلف السيارات وفي مداخل العمارات المجاورة خوفاً من أن تصيبهم طلقة طائشة!

في أحيان كثيرة، كان جيران طارق، وبعد أن يسمعوا دوي دفعة متتالية من الرصاص في الهواء، يشاهدون أجهزة فيديو وتلفزيون تتطاير من شقته، ثم يعلمون أن خلافاً بسيطاً نشب بين طارق وأسرته.

أخيراً، انتبهت أجهزة الأمن إلى خطورة هذا الشاب بعدما تلقى مكتب اللواء عبد الحليم موسى، وزير الداخلية الأسبق، بلاغات متتالية عدة، كان آخرها بلاغ من الفنانة المعروفة هالة صدقي! فماذا كانت تحمل هذه البلاغات؟

دموع الضحايا

صاحب العمارة التي يسكن فيها طارق كان يملك شركة لتوظيف الأموال، ثم تم التحقيق معه والتقطت له الصحف بعض الصور التي نشرتها الجرائد والمجلات قبل الإفراج عنه، فما كان من طارق سوى أن قص هذه الأخبار التي تحمل صورة صاحب العمارة وخبر القبض عليه ثم إلصاقها في لوحة وتعليقها في مدخل العمارة، ولما اعترض المالك على سلوك طارق وعاتبه بشدة قرر أن يذله أمام سكان العمارة والعمارات المجاورة فأمره بألا يخرج أو يدخل العمارة إلا بإذن منه، فإن لم يكن موجوداً فلا يخرج المالك من العمارة ولا يدخلها إلا بعد أن يتواجد طارق، وإلا فعلى الرجل أن يتحمل تبعات عدم تنفيذ الأمر وإطلاق الرصاص عليه أو حرق سيارته أو تأديب أبنائه بالضرب المبرح أمام المارة والعامة والخاصة. قدم الرجل هذا البلاغ وهو يبكي مؤكداً خوفه البالغ من أن يتسرب خبر هذا البلاغ إلى طارق فيرد بانتقام قد يدفع هذا الرجل ثمنه من حياته أو حياة أبنائه، وتوقف وزير الداخلية كثيراً أمام هذا البلاغ وهو يقرأ سطوره...

وفي بلاغ آخر جاء: حجز تاجر من الإسكندرية مائدة في أحد الملاهي الليلية في فندق شهير، ودعا أصدقاءه للسهر في القاهرة، وحينما وصل فوجئ بطارق يجلس على المائدة نفسها التي حجزها. حاول التاجر أن يفهمه أن المائدة محجوزة، لكن طارق أخرج بندقيته الآلية وطالب التاجر بأن ينصرف من أمامه، ولأن التاجر لا يعرفه دخل معه في نقاش أنهاه طارق بأن شل حركة الرجل وأشبعه ضرباً من دون أن يجرؤ أحد على التدخل وفض الاشتباك، فلما بكى التاجر طلب منه طارق شرطاً ليطلق سراحه، سأله الرجل وهو أسير بين ذراعيه عن هذا الشرط، فقال له طارق: قل أمام الجميع... أنا واحدة ست لابسه طرحة!!

انهمرت دموع التاجر وهو يقاوم ذراعي طارق حتى كادت عظامه تتكسر من أحكام قبضته عليه، فأسرع يردد أمام الحاضرين أنه امرأة تلبس طرحه. هنا ابتسم شمشون وسمح للتاجر بالانصراف خارج القاعة مع ضيوفه.

بلاغ آخر يُضاف إلى البلاغين السابقين مع بلاغات أخرى تجمعت في الوقت أمام وزير الداخلية، البلاغ هذه المرة من أحد رجال القضاء وكان يسكن في عمارة مواجهة للعمارة التي يسكن فيها طارق، قال فيها صاحب البلاغ إن جاره، طالب الشرطة المفصول، يتعمد الوقوف على الشرفة وجسده مدهوناً بالكريمات، ما دفع الأزواج إلى حبس زوجاتهم وعدم فتح نوافذ شققهم كي لاً تقع عيونهن على هذا المنظر الجارح والخادش للحياء العام، خصوصاً أن شمشون يتعمد بين الحين والآخر إطلاق الأعيرة النارية في الهواء وهو عار من ملابسه.

بلاغ جديد من السيدة نبيلة الشوربجي، مديرة النادي الصحي في فندق هيلتون رمسيس، بأن طارق بعدما تردد على النادي للتدرب على حمل الأثقال وكمال الأجسام طلب إعفاءه من تسديد الاشتراك، فلما أفهمه مسؤول الأمن في النادي ألا إعفاء لأحد من الاشتراكات حطّم الأدوات وكسّر الأجهزة وكل ما يقابله أو يقع في طريقه وكأنه ثور هائج في حلبة مصارعة! وتضيف السيدة نبيلة الشوربجي في بلاغها أنها بعدما حررت محضراً بالواقعة وأمرت النيابة بضبط وإحضار المتهم على رغم أن جميع العاملين في النادي خافوا من الإدلاء بالشهادة ضده، ذهب والده إلى قسم شرطة بولاق أبو العلا لمنع القبض على ابنه وأشاع أن خلافاً بين طارق وبين السيدة نبيلة دفعها إلى تلفيق التهمة ضده، وطلبت صاحبة البلاغ من وزير الداخلية التحقيق مع ضباط القسم.

بلاغ آخر مشابه من النادي الصحي في فندق شيراتون هليوبولس... {يتدرب الشاب من دون أن يسدد اشتراكاً، يرتاد حمام السباحة وهو مدجج بالسلاح، يخلع ملابسه، يضع البندقية الآلية على حافة حوض الحمام وإلى جوارها المسدسات التي يخفيها في ملابسه، وبعد خروجه من الحمام «يعاكس» ويغازل السيدات في تحد سافر للرجال الذين يصاحبهن، ولما عاتبه مدير النادي ومساعده حرق سيارة كل منهما}.

حكاية هالة صدقي

في هذا الوقت، شاع أن شمشون مصر الجديدة معجب بالفنانة هالة صدقي وأنه يتعمد مغازلتها ومطاردتها، وعندما اعترض خطيبها مجدي مكرم ضربه شمشون أمام خطيبته! لكن هالة قالت في بلاغها إن ما يشاع غير حقيقي وإن ما حدث محاولة لفرض البلطجة واستعراض العضلات لإنسان مريض وغير طبيعي اعتاد أن يستفز الناس، وذكرت في بلاغها:

«لم أشاهد هذا الشاب سوى ثلاث مرات ولم يتكلم معي إطلاقاً، وشاهدته مرة واحدة في حالة عصبية شديدة يهدد ويتوعد العاملين في الفندق من دون أن يجرؤ أحد على مواجهته، خوفاً من بطشه والأسلحة النارية التي يحملها. ذات يوم كنت وخطيبي مجدي في «جيمانيزيوم شيراتون هليوبولس»، وحينما اعتدى هذا الشاب على العاملين بالجيمانيزيوم وغادر الفندق خرجت أنا ومجدي خطيبي بعد ساعتين لنكتشف أن الشاب حطَّم سيارة مجدي. بعد رجوعي إلى المنزل، فوجئت به يتصل ست مرات ويهددني بتشويه وجهي بماء النار وحرق سيارتي وحرق مكتب خطيبي، وأقسم بأن تهديده سينفذ في أسرع وقت ما لم ينحن أمامه خطيبي ويعتذر له. هذا كله على رغم أننا لم نخطئ في حقه. وكان طبيعياً أن نحافظ على حياتنا ونلجأ إلى معالي وزير الداخلية لحمايتنا من بطش هذا الخارج على القانون».

المواجهة الدامية

طلب وزير الداخلية تحريات سريعة ومكثفة حول «شمشون»، وكانت المفاجأة أن هذا الشاب، كما ورد في التحريات، تم فصله من كلية الشرطة بعد واقعة شهيرة في طابور الصباح، عندما فوجئ الضباط بالطالب المستجد في السنة الأولى يضرب صف ضابط ليقدم نفسه لطلاب الكلية من خلال «كارت» إرهاب يصبح بعده «عمدة» الطلاب!

ذُكر في التحريات أيضاً أن شمشون بحسب شهرته وطد علاقاته ببعض الأثرياء العرب والمصريين وتاجر في السلاح، بيعاً وشراء واستبدالاً، بالإضافة إلى حصوله على إتاوات ومبالغ مالية باهظة للانتقام من أي رجل أو سيدة لحساب أصدقائه الأثرياء، وأن شقته تحولت إلى ترسانة للأسلحة وممتلئة بصناديق الذخيرة الحية.

وأضافت التحريات أن حكماً بحبس هذا الشاب ثلاثة أشهر قد أيدته محكمة الاستئناف في قضية اعتدائه على النادي الصحي في فندق هيلتون رمسيس، بالإضافة إلى حكم آخر بحبس الشاب لاعتدائه على زوج سيدة رومانية في فندق ميرديان هليوبولس، وأن هذه الأحكام لم تنفذ.

أخيراً، صدر أمر وزير الداخلية بالقبض على طارق محمد إمام. ولأن القرار يتابعه وزير الداخلية بنفسه تحركت قوة من مديرية أمن القاهرة، في مقدمها مساعد الوزير اللواء رضا عبد العزيز و مدير المباحث اللواء فادي الحبشي ورئيس مباحث القاهرة العميد سيد فريد. لكن طارق أغلق أبواب شقته وطلب من القوات أن تنصرف، فاستخدمت مكبرات الصوت وحذرته من مقاومة السلطات، إلا أنه تجرَّأ وخرج من إحدى النوافذ وأطلق النار من بندقيته الآلية وأصاب أحد الضباط!

لم ينته الأمر عند هذا الحد، خرج والد طارق من نافذة أخرى وراح يطلق الرصاص بشكل مكثف على القوات التي تحاصر العمارة، وهنا صدرت تعليمات مدير الأمن بالتعامل بكل حزم مع المتهم ووالده مع الحفاظ على أرواح السكان الذين هرعوا من بيوتهم ونزل بعضهم إلى الشارع بالملابس الداخلية.

كان الوضع يشبه معركة حربية، ما دفع مدير الأمن إلى الاتصال بوزير الداخلية لتعزيز القوات الموجودة بقوات أخرى من فرق مكافحة الإرهاب... وفي الوقت نفسه اتصل مدير الأمن هاتفياً بوالد المتهم يحثه على أن يسلم ابنه نفسه، لكن الأب لم يمتثل وظل يطلق النيران بكثافة عالية من إحدى النوافذ بينما ابنه يطلق دفعات الرصاص من الآلي من نافذة أخرى.

أسجل هنا أن القوات وسط هذه المعركة أوقفت إطلاق النيران من ناحيتها لمدة ثلاث دقائق سمحت خلالها لأم المتهم الشاب والخادمة بالقفز من نافذة الشقة في الطابق الثاني إلى «تندة» في الدور الأول ثم إلى الشارع لتهربا من جحيم النيران. بعد ذلك، لم تجد القوات سبيلاً آخر سوى قتل شمشون ووالده لإنهاء هذه المواجهة الدامية التي لو استمرت دقائق أخرى لكانت الخسائر باهظة بعدما هدد طارق بتفجير قارورتي غاز يمكن أن ينهار معهما العقار.

سقط طارق صريعاً من نافذته.

وسقط والده قتيلاً من النافذة الأخرى.

وانتهت أسطورة شمشون مصر الجديدة في السادسة والنصف صباحاً... وتنفس الناس الصعداء بعدما شاهدوا بأعينهم جثتي طارق ووالده وصدقوا أنهما فارقا الحياة.

back to top