وجهة نظر : أي تنمية بالكويت في ظل هذه البيروقراطية؟!

نشر في 30-04-2012
آخر تحديث 30-04-2012 | 00:00
 د. علي العبدالرزاق ما الذي يجمع بين الحب والحصبة وتوفر القدرة على الابتكار؟ إن الأمر بسيط جدا، فما يجمع بينها هو انك لن تتمكن من نقل أي من الحالات الثلاث الى الآخرين ما لم تكن مصابا بها أولا!

على مدى عدة سنوات كرر صناع السياسة لدينا عبر خطط للتنمية وميزانيات متعددة ومتعاقبة رغبتهم في خلق قطاع خاص ديناميكي ومبدع يستطيع قيادة قاطرة النمو وتحقيق تنمية مستدامة، ولا يشكل هذا التوجه في حد ذاته مصدراً للخلاف، لأنه يلتقي الى حد كبير مع التيار الفكري السائد في الاقتصادات المعاصرة، لكن ما أصبح مدعاة للقلق هو أن السياسات والخطط الكويتية ابتعدت عن جوهر المشكلة، ونأت عن جذور الأسباب المؤدية الى ضعف أداء القطاع الخاص المحلي، أي البيروقراطية الحكومية. وغرقت في مسائل ثانوية مثل دعم قطاعي التمويل والصناعة. وقد اعتقد صناع السياسة الكويتية ومستشاروهم من ذوي الرواتب العالية أن تسخير الوفرة المالية مع نصيحة يحصلون عليها من جانب شركة استشارية معروفة كفيل بأن يمكن الحكومة –بغض النظر عن مستوى كفاءتها– من القيام بعمل سحري خارق يحقن القدرة على الإبداع والابتكار في القطاع الخاص.

إن مجادلتي الرئيسية، التي يتشاطرها معي العديد من العاملين في الشأن الاقتصادي، هي أن ضعف أداء القطاع الخاص في الكويت كان على الدوام بسبب غياب القدرة على الإبداع والابتكار في القطاع الحكومي. وهذا ببساطة يعني أن الجهود الرامية الى خلق قطاع خاص ديناميكي لم ولن تتحقق فقط من خلال الاستثمار في البنى التحتية أو سياسة الدعم أو أي إصلاحات هيكلية. رغم أن كل ذلك ضروري لكنه غير مجد ما لم تسبقه أو توازيه جهود واعية ومنسقة من أجل تحسين أداء البيروقراطية الحكومية وحقنها بموهبة الابداع وثقافة الابتكار.

هذه ليست مجرد بلاغة لفظية، بل حقيقة ترسخت عبر تجارب العديد من الدول، ولنأخذ حالة كوريا الجنوبية على سبيل المثال، ففي الأيام المبكرة تبنت الحكومة الكورية المنطق الخاطئ ذاته الذي نستمر نحن اليوم في التشبث به. وحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي ظلت الحكومة الكورية مصرة على اتباع سياسات نشيطة في دعم الصناعة مع خطط تنموية مكلفة ومجالس تخطيط وانفاق واسع على البنية التحتية في مجالات الصناعة والبحوث ومعونات التصدير والتمويل عبر النظام المصرفي الوطني.

وبينما حققت هذه الجهود بعض النتائج فإن الانجازات واكبتها اخفاقات مكلفة وباهظة الثمن، ولم تحدث التحولات السياسية الراديكالية الابداعية إلا بعد الأزمة الآسيوية في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، مما ساعد على دفع النمو تجنيب البلاد الوقوع في مصيدة الدخل المتوسط الذي باغت العديد من الدول الآسيوية الاخرى بعد ظهور الصين كقوة عظمى جديدة. لقد ركزت الجهود الكورية التي أعقبت أزمة سنة 1997 على تقليص حجم الادارة العامة وتحسين كفاءتها وقدراتها.

وكان التأثير الرئيسي قد ظهر خلال فترة حكم الرئيس «رو» في السنوات من 2003 حتى 2008، حيث طور أجندة جديدة استهدفت خلق ثقافة ابداع في القطاع الحكومي. وبحلول منتصف عام 2000 تخلت كوريا عن الطراز القديم المتمثل في الاعتماد على مجلس للتخطيط يضع خطط تنمية خمسية لمصلحة نموذج جديد ركز على خارطة طريق لضمان تحسن مستدام في طاقة الابتكار الحكومية. وبينما اعلن أن هذه الرؤية تهدف الى «بناء دولة رائدة ومبدعة» فإن زخم السياسة العامة في كوريا سرعان ما تحول نحو «خلق حكومة شفافة ومنتجة»، مع تركيز على أهداف مثل الكفاءة وتكافؤ الفرص وخدمات عامة محسنة وشفافية ولا مركزية ومشاركة. الرؤية الأساسية كانت بسيطة جداً وواضحة: «إصلاح بيروقراطية الحكومة يجب أن يسبق أي جهود تهدف الى إحداث تغييرات في النظام الأوسع». وهذا بالضبط ما تحتاجه الكويت.

* خبير اقتصادي

back to top