محمد كمال المصري... شرفنطح بيه
من منا ينساه أو ينسى خفة ظله أو عصبيته أو دهاءه أو سذاجة قلبه؟ كان أحد نجوم فرقة نجيب الريحاني، ضعيف الجسم، خفيف الحركة، ضاحك الوجه، مجرد إشارة من يديه أو لفتة من عينيه تثير عاصفة من الضحك الجميل... إنه «شرفنطح»، اختصاصي أدوار الزوج المغلوب على أمره.
كان طيب القلب، ناظر المدرسة في «سلامة في خير»، ضابط البوليس السابق في «سي عمر»، وكيل المحامي في «فاطمة»، عكاشة عكاشة صاحب «صالون دقن الباشا» في «الأنسة ماما».اسمه الحقيقي محمد كمال المصري، ولد في حارة الماس في شارع محمد علي (1886)، وكان والده من أساتذة الأزهر ويتمنى أن يرى ابنه طبيباً، فأدخله مدرسة الحلمية الأميرية وفيها التحق محمد بفريق التمثيل وشارك في حفلاته، إذ كان يتمتع بصوت جميل، وشجعه كل من سمعه فأعد نفسه ليكون خليفة الشيخ سلامة حجازي، وراح يقلّده غناء وتمثيلاً في الحفلات التي يقدّمها مع فرق الهواة.عندما ظهر على المسرح كان يمثل ويغني ويمسك بيده «مقشة» مقلوبة ويضع على رأسه طربوشاً «أزعر» بلا زر أو «خوصة» في داخله.اختار أن يسمي نفسه «شرفنطح بيه» لينافس «كشكش بيه»، أقوى شخصية مسرحية آنذاك، فبعدما انخرط في فرقة الريحاني قابله نجيب مقابلة جارحة وأهانه حينما قال له «ما فيش عندنا شغل»، فقرر الانتقام منه بتكوين فرقة تنافسه وتتفوق عليه، ونجحت بعدما انضم إليها الشيخ سيد درويش، وكان فناناً ناشئاً آنذاك يغني في مقاهي الإسكندرية.لمع اسم شرفنطح في شارع عماد الدين بعد أول مسرحية له «الكونت ليدو فيدو» فبدأ يعمل له الريحاني ألف حساب، لدرجة أنه في إحدى المرات أغلق مسرحه ليشاهد فرقة شرفنطح واعتذر له عما بدر منه في حقه.إلى السينمابعد نجاحه مسرحياً جذبته أضواء السينما فبدأ مشواره بفيلم «سعاد الغجرية» (1928)، ثم تتابعت أفلامه إلى أن بلغت 120 فيلماً من بينها: «سلامة في خير»، «سي عمر»، «أبو حلموس» مع نجيب الريحاني، «أحلام الشباب» مع فريد الأطرش، {السوق السوداء» مع عقيلة راتب، «فاطمة» مع أم كلثوم، «تاكسي حنطور» مع محمد عبد المطلب، «ملكة الجمال» مع ليلى فوزي، «حبيب العمر» مع سامية جمال، «بنت المعلم» مع هاجر حمدي، «الفرسان الثلاثة» مع ماري منيب، «حمامة السلام» مع شادية، «الصيت ولا الغنى» مع علي الكسار، «ابن الفلاح» مع تحية كاريوكا، «الستات كده» مع كاميليا، «آه من الرجالة» مع مديحة يسري، «الأنسة ماما» مع صباح، «الهوى والشباب» مع ليلى مراد...أما أشهر المسرحيات التي قدمها فهي: «مملكة الحب، المحظوظ علشان بوسة، آه من النسوان، نجمة الصباح». من أسرار شرفنطح أنه كان بلا عنوان ولا أحد يعرف أين يسكن وكان مقهى الفن في عماد الدين مركز أي لقاء معه.زوجات صغيراتكسب من الفن كثيراً، لكنه كان ينفق دخله على الزواج من فتيات صغيرات، لا يتجاوز عمرهن الـ 18 سنة، تزوج ثماني مرات ومع كل زواج كان ينتقل من الشقة التي يسكنها إلى شقة جديدة.كان يغار على زوجاته لدرجة الجنون ويمنعهن من الخروج ويغلق نوافذ بيته بالمسامير وباب الشقة بالمفتاح، كلما أراد الذهاب إلى الاستوديو أو إلى المسرح، وعلى رغم تعدد زيجاته إلا أن الله لم يرزقه بذرية.في عام 1953 قرر اعتزال التمثيل، مع أنه كان يراعي صحته ولا يرهق نفسه، إلا أن الربو تمكّن منه عام 1954 وافترس مدخراته من المال، وتحالفت الشيخوخة مع المرض فعجز عن المقاومة واستسلم للألم، وكان آخر فيلم له «حسن ومرقص وكوهين» إخراج فؤاد الجزائري.صدقات الغلابىلم يكن معاش النقابة (10 جنيهات) يكفيه لشراء أدوية فقبل مكرهاً صدقات جيرانه من الناس الغلابى في الحارة التي كان يسكنها.ظل يصارع الربو سبع سنوات، ولم يعرف أحد بموته إلا بعد أيام عندما جاءه مندوب النقابة ليسلمه المعاش، فوجده ميتاً عن عمر يقارب الحادية والسبعين.المحزن أن جنازته لم يشارك فيها فنان واحد بل أهالي الحارة الذين رعوه واحتضنوه وعاش طول عمره بينهم.