الدفاع الصاروخي يبلغ مرحلة النضوج

نشر في 24-12-2012
آخر تحديث 24-12-2012 | 00:01
 ريل كلير وسط الأحداث المريرة التي شهدها الشهر الماضي بدءا من القصف الذي طال مدينة غزة مرورا باختبار الصواريخ في كوريا الشمالية، وصولا إلى المجازر المستمرة في سورية، بدأت معالم الرأي البراغماتي حول صيغة الدفاع المسلح الاستراتيجية تتوضح.

في خلال الأسبوع الماضي، اتخذ الدفاع الصاروخي في آسيا الشرقية أولا ثم في آسيا الأوروبية دورا حساسا كردة فعل على التهديدات الظاهرة والضمنية الصادرة عن كوريا الشمالية وسورية. في الحقيقة، جاء هذان الحدثان بعد مرور أقل من شهرٍ على التغيير الذي أحدثته منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية على ديناميكية أرض المعركة أثناء المعارك الأخيرة مع "حماس"، فقد أنذر الحدثان بتغير على مدى الأيام الثلاثين الماضية ليكسرا بذلك مأزقا دام لأكثر من ثلاثين عاما بين أنصار الدفاع الصاروخي وناقديه، أي المدافعين عن مفهوم الحرب الباردة القائمة على التدمير المتبادل المؤكد.

 وفقا للتدمير المتبادل المؤكد، أحبطت محاولات الدفاع لمواجهة الاعتداءات الصاروخية المنطق الرادع القائل وفقا لجوزيف جوف "من يطلق النيران أولا يموت أخيرا"، وفي حين كبّل هذا المنطق أيدي رجل الكرملين الغامض الحديديتين وكذلك أيدي الرؤساء الأميركيين، لا يزال عددٌ من الأشخاص غير واثق من قدرة هذا المنطق على المحافظة على هدوء الطغاة المضطربين والذين ينتظرون عودة المهدي.

على الرغم من ذلك، يبدو وصف عام 2012 بعام الدفاع الصاروخي أمرا غريبا حين يُظهِر تقرير بلومبيرغ أن الولايات المتحدة أنفقت وحدها 150 مليار دولار في خلال العقود الثلاثة الأخيرة لتطوير الدفاع الصاروخي، إلا أنه لا يمكن اعتماد الأرقام الكبيرة باعتبارها قائمة على قاعدة حقيقية إلا عند توافر السياق الصحيح: لا تبلغ الميزانية التي خُصصت في عام 2012 لتمويل الدفاع الصاروخي والتي وصلت إلى 8.6 مليارات دولار إلا نصف أو أكثر بقليل من المبالغ التي أنفقتها مصانع الألعاب لتقديم إعلانات تلفزيونية تستهدف أطفالنا والتي وصلت إلى 15 مليار دولار.

حتى الآن لم يبلغ تهديد الصواريخ- مدفوعا ببطء نمو القدرات المضادة للصواريخ التقنية وانتشار مختلف أنواع  تقنيات الصواريخ لأنظمة العالم الشرسة- حدّه الأخطر.

صحيحٌ أن كوريا الشمالية أطلقت الأسبوع الماضي صاروخ أونها -3 البعيد المدى الذي طال انتظاره بحجة إظهار إمكانية استعمال قدرتها هذه المرة لإطلاق قمر اصطناعي إلى المدار، إلا أن هذه العملية تزامنت في شكلٍ تام مع إطلاق رأس قذيفة، ومن يدري قد يكون نوويا. مرّ هذا الصاروخ بعد مرور اثنتي عشرة دقيقة على إطلاقه فوق محافظة أوكيناوا اليابانية إلا أن اليابان اختارت متابعة مساره عوضا عن استخدام نظام باتريوت باك– 3. وفي حين استعدت اليابان هذه المرة، يبدو أن بطاريات صواريخ أرض جو من طراز باتريوت ستبقى منتشرة في مواقع مختلفة من محافظتي أوكيناوا وإيشيغاكي وستقوم السفن الحربية المضادة للصواريخ "آيغس" بتنفيذ دوريات فوق بحر اليابان.

ومع انتهاء الأسبوع، سمح وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا بنشر بطاريتين من نوع باتريوت المضادة للصواريخ على الحدود السورية التركية، حيث ستنضمان إلى أربع بطاريات باتريوت أخرى سبق أن قامت كلّ من ألمانيا وهولندا بإرسال اثنتين منهما إلى المنطقة ردا على استعمال الصواريخ بعيدة المدى من قبل نظام الأسد ضدّ المواقع التي يسيطر عليها المتمردون.  

إلا أن الأخبار المهمة تأتي من إسرائيل حيث تمكنت منظومة القبة الحديدية في خلال عشرة أيام من شهر نوفمبر من إنزال مئات الصواريخ المرسلة من غزة من نوع فجر-5 وغراد المصنعة في إيران. وقد قدرت التقارير أن منظومة القبة الحديدية حققت نجاحا تراوحت نسبته بين 80 و85%.

ومن الضروري أن نذكر في ما يتعلق باتفاق الدفاع الصاروخي الجديد أنه في حين صممت إسرائيل منظومة القبة الحديدية، ساهمت الولايات المتحدة إلى حدٍ ما في تمويلها: إذ قدمت 205 ملايين دولار في عام 2010، بالإضافة إلى 70 مليون دولار في عام 2011 قدمها بكلّ فخر الرئيس الديمقراطي الذي لطالما اعتبر حزبه الدفاع الصاروخي نظاما خطيرا يزعزع الاستقرار.

يعجز الجميع عن فهم حقائق الدفاع الجديدة، فلم تبدِ "نشرة علماء الذرة" (Bulletin of Atomic Scientists) أي أعجاب بالقبة الحديدية، علما أن هذه النشرة تحافظ على نسبة نجاحٍ عالية تصل إلى 100% في تدمير أي رأي مناصر للدفاع الصاروخي. ومن ضمن الأسباب التي تفسر عدم إعجابها بهذه المنظومة نذكر أن مشغلي القبة الحديدية لم يكونوا شفافين تماما كما كان مطورو صاروخ باتريوت رايثون في خلال عاصفة الصحراء في العام 1991 التي ثبتت المغالاة في الإعلان عن معدلاتها، وبناء على ذلك، سيثبت أن معدلات القبة الحديدية العالية كلّها معدلات مشكوكٌ بها ومشبوهة. في الحقيقة يبدو هذا المنطق أقرب إلى ألفرد نيومان منه إلى أرسطو.

ويلي ذلك الازدراء الذي أوردته النشرة في ما يتعلق بـ"التكلفة العالية" التي صحبت تنفيذ القبة الحديدية والتي بلغت 50 ألف دولار لكلّ صاروخ اعتراضي، فقد ذكرت النشرة أن هذه التكلفة قد راكمت عقب المعركة الأخيرة ما يتراوح بين 25 مليون دولار و30 مليون دولار. يبدو هذا المبلغ ضخما بالنسبة إلى 400 صاروخ. عدا عن ذلك، في الأيام القليلة التي سبقت عملية القبة في عام 2006 حين أمطر حزب الله إسرائيل بالصواريخ من جنوب لبنان، قُدّرت قيمة الأضرار والخسائر الاقتصادية التي لحقت بإسرائيل بـ3.5 مليارات دولار.

علاوة على ذلك، لا بدّ أن نأتي على ذكر التكلفة البشرية، ففي عام 2006، سجلت إسرائيل 43 حالة وفاة من بين المدنيين وأكثر من ألف إصابة على أثر إطلاق الصواريخ. في الشهر الماضي، عقب القبة الحديدية، بلغت حصيلة الوفيات خمسة أشخاص في حين أصيب عشرات الأشخاص الآخرين. بهذا يمكن أن تتذمر نشرة علماء الذرة من التكلفة الناجمة عن كلّ صاروخ أُطلِق ضمن منظومة القبة الحديدية، لكن المسؤولين الإسرائيليين قد يجدون أن التكلفة، الفائدة من حيث أرواح المدنيين قد أنقذت الاستثمار.

وسيشير المتشبثون بنظرية الدمار المؤكد المتبادل إلى الفرق بين إرسال الصواريخ وضرب الصواريخ البعيدة المدى في الجو، ولكن سيكون استثمار عقيدة الدمار المؤكد المتبادل على هذا المنحدر الزلق أمرا صعبا، بحجة أن الدفاع الصاروخي هو دفاع مقبول ضد تهديدات بسيطة إلا أنه لا ينفع لمواجهة تلك التهديدات الفتاكة. في الحقيقة، بدأت الحجج القديمة القائلة إن الدفاعات الصاروخية ناقصة الكمال تثبط أقل مما تفعله نظرية اللادفاع عن التدمير المؤكد المتبادل، بدأت تسقط لتبلغ القيمة العملية التي تلحق بإحباط حتى بعض الصواريخ التي تهطل فوق المباني السكنية والمدارس ومراكز التسوق.

لكن العلامة الأبرز التي تضمن انتهاء الحرب على الدفاع الصاروخي تأتي من إدارة أوباما– السليل المباشر لمدرسة حرب النجوم المضادة للدفاعات المضادة للصواريخ التي أسسها تيد كينيدي– وتتجلى هذه العلامة في إشادة هذه الإدارة بنظام ريغان الذي دأب على تمويل القبة الحديدية، وتزويد اليابان وتركيا بأنظمة باتريوت الأميركية. في عالم تخسر فيه المزيد من الأنظمة صواريخها عبر توجيهها إلى السكان المدنيين وتتابع القدرات الصاروخية البعيدة المدى، تقتنع أعداد أقل وأقل أنه في حال لم تتمكن من ردع كلّ صاروخ يُصوّب ضدك، ما فائدة تكبّد عناء محاولة صدّ صواريخ أخرى؟ وهذا هو المنطق الذي يعمل في شكلٍ أفضل انطلاقا من الراحة التي يؤمنها كرسي في جامعة مرموقة  بالمقارنة مع ما يمكن أن يحققه بابٍ مجاور لبشار الأسد أو كيم يونغ أون، أو منزلٍ في منطقة عبور الصواريخ في غزة.

يملك مدنيو العالم والحكومات التي تمثلهم الخيار: يمكنهم الحصول على حماية الحجج الأكاديمية التي يتسلح بها حشد المناهضين لمناهضة الصواريخ أو عن طريق التكنولوجيا المضادة للصواريخ شبه الكاملة الرائجة اليوم. يبدو هذا الرأي الأخير أكثر شعبية ضمن الخطأ الدائر المحتمل لصواريخ بيونغ يانغ ودمشق وغزة و- أيضا ربما في يوم من الأيام في القريب العاجل- طهران.

Daniel McGroarty

back to top