حوار الطرشان: رسالة إلى صديق هناك

نشر في 08-12-2012
آخر تحديث 08-12-2012 | 00:01
 فيصل الرسمان يا صديقي؛ أنت رأيت وسترى ولسوف ترى أن الحل اليتيم لمشاكل الوطن العربي يكمن في الديمقراطية، وبهذا الحل تُحل جميع المشاكل التي يعانيها العرب كأفراد وكشعوب وكأمة.

وأنا أرى؛ أن الديمقراطية مكان فسيح رحب يستوعب الجميع ويرحب بالكل، ولكني أستدرك لأقول إننا لن نستطيع الوصول إلى تلك الساحة المزروعة بالحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، ما لم نمر بالدهليز المظلم المؤدي إلى تلك الساحة.

فنحن كأمة يا صديقي دخلنا الدهليز المظلم المخيف الذي يعد بمنزلة "الفلتر" المصفي لجميع الأفكار العفنة من الشوائب الضارة، ليخرج لنا الفكر النير الذي يجعل من العقل هاديه وداله على جادة التحضر والتقدم.

دخلنا إلا أننا للأسف المرّ تُهنا في ذاك الدهليز منذ عقود طويلة. وفي غياهب ذلك الظلام الدامس السرمدي تعالت الأصوات المدعية لمعرفة الطريق، لكن من دون فائدة. فكلما تبعت الأمة صوتاً ليدلها زادها ذلك الصوت ضياعاً، فالبوصلة مفقودة والنبراس غير موجود.

نعم يا صديقي؛ فنحن تبعنا الفكر القومي حقبة من الزمن دون أن نرى بصيص نور، فلما استحكم التعب والإعياء، تسلم قيادنا فكر العسكر المستبد، فأخذ يدور فينا كما يدور الثور حول ساقيته يظن أنه يقطع المسافات، لكن الحقيقة تقول إنه يدور حول نفسه، والآن هجم علينا الفكر الشمولي الذي يدّعي امتلاك الحقيقة يريد هو الآخر أن يسوسنا كما ساسنا السابقون.

يا صديقي؛ إن ديمقراطيتك التي تدّعيها وتفاخر بها وتدعو لها بحماس ما هي إلا نتيجة مقدمات مهولة مرعبة مرّ بها الإنسان الأوروبي، وبمروره هذا تجرع المر وذاق العذاب قبل أن يصل إلى ما وصل إليه من تقدم مذهل سبقنا بسنين ضوئية.

فالأمة الأوروبية عندما دخلت الدهليز المظلم المؤدي إلى ساحة الديمقراطية كان لديها النبراس -المثقفون الجادون- الذين أضاؤوا لها الطريق، كما أنها كان لديها البوصلة -السياسيون الأحرار- الذين استطاعوا أن يقودوا تلك الأمة إلى ساحة الحرية.

فأنت تعلم يا صديقي؛ أن الشعوب تزحف على بطونها، فإن لم يكن هناك منظرون منضبطون يفرشون لهم الأرضية المشتركة بعد تأسيسها لتستند إليها الشعوب بكل اطمئنان، فإنها ستظل تزحف على بطونها إلى أن تهلك.

أما نحن أيها الصديق، وكما أسلفت لك سابقاً، مكثنا في ذاك الدهليز وطاب لنا المقام حتى اعتدنا على العتمة، والذي يعتاد بصره على الظلام يخاف بصيص النور الذي لن نهتدي له ولن نسعى للبحث عنه.

أتعلم لماذا؟!

لأن الأزمة "فكرية"... فالتباين الفكري الذي لا يقف عند حد الاختلاف في الرأي قاعدتنا التي نستند إليها، فالقاعدة الفكرية -المرجعية- التي تنطلق منها هذه الأمة ليست واحدة، وبالتالي فإن الأهداف المراد تحقيقها ستكون بطبيعة الحال مختلفة، الأمر الذي يجعلنا كذاك الثور الذي يدور حول نفسه يظن التقدم، وهو غير ذلك على الإطلاق. فأصبح التعامل في ما بيننا مبنياً على الشك والريبة وعدم الثقة في الآخر، حتى أضحى كل واحد منّا يدّعي بصلف امتلاكه للحقيقة ويدافع عنها بقسوة... والسلام!

back to top