ندوة "لا للعبث بالمادة 79": الإسلاميون سيطروا بالتعاون مع السلطة
نظم التيار التقدمي الكويتي ندوة أمس تحت عنوان "لا للعبث بالمادة 79 من الدستور... نعم للدولة المدنية" في مقر الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية بالخالدية، تناولت خطورة تعديل هذه المادة، وأنها مقدمة لما هو أبعد منها.
-إذا سيطرت النماذج الدينية فستقصي جميع من تختلف معهم.... سعود العنزي
-المناداة بتعديل المادة 79 التفاف على تعديل المادة الثانية من الدستور... أحمد النفيسي-تعديل المادة 79 يعني الانتقال إلى تعديل مواد نظام الحكم.... عبدالملك التميمي-سكوتي في السنوات الماضية بسبب تراجعنا عما كنا عليه.... خالد الوسمي-الأحزاب الإسلامية تريد التكسب الانتخابي لا تقدم الكويت.... لولوة الملا-السلطة هيأت الأجواء لسيطرة التيارات الدينية على المجتمع... عبدالمحسن مظفر أجمع المتحدثون في ندوة "لا للعبث بالمادة 79 من الدستور... نعم للدولة المدنية" على تزمُّت التيارات الدينية، وأن سيطرتها ستجعلها تقصي جميع من يختلف معها، مبينين أن هذه السيطرة ما كانت لتتحقق لولا أن السلطة تعاونت معها وهيأت لها هذه السيطرة.وقال أمين سر التيار التقدمي د. فواز الفرحان إن "الدستور تعرض طوال السنوات الخمسين الماضية لمحاولات متكررة من جانب السلطة لتعطيله والانقلاب عليه وإفراغه من مضامينه الديمقراطية وتنقيحه على نحو مخالف لما هو مقرر دستوريا من آليات وإجراءات وضمانات".وأضاف الفرحان، خلال الندوة التي نظمها التيار التقدمي الكويتي في مقر الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية بالخالدية أمس، أن "العبث النيابي استهدف المساس بالطابع المدني لدولة عبر اقتراحات تعاقبت منذ 1973 لتنقيح المادة الثانية من الدستور، وكذلك عبر تشريع قوانين للتمييز بين الناس على اساس الدين والجنس".وبين أنه "من منطلق احترامنا لشريعتنا الغراء فإننا نرفض استغلالها كشعارات سياسية، من أسلمة القوانين، وما تمثله من إساءة مرفوضة للشريعة الاسلامية"، لافتا إلى أن "طلب تنقيح المادة 79 من الدستور يتجاهل ما نصت عليه المادة 175 من شروط موضوعية للتنقيح، وان هناك مخاوف جدية من استغلال هذا التنقيح في المساس بمبادئ الحرية والمساواة، استنادا للمواقف المعلنة للعديد من النواب الإسلاميين والقوى المتزمتة التي تدعو إلى التدخل المباشر في الحرية والحياة الخاصة للأفراد، في محاولات منها لفرض وصاية على حرية الاعتقاد".وحمل الفرحان السلطة مسؤولية العبث المتواصل بالدستور منذ عام 1962، وحمل العابثين الجدد المسؤولية عن عبثهم، مناشدا الشعب الكويتي والقوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية والمدنية، وكل من يحرص على النظام الدستوري، اتخاذ مواقف واضحة برفض العبث بالمادة 79، والتمسك بأسس النظام الديمقراطي وبالطابع المدني للدولة ورفض اي مساس به.الفهم المحايدمن جانبه، اعتبر الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم ان مجرد الأخذ من الشريعة الاسلامية كمصدر للتشريع لا يعني بالضرورة ان تتحول الكويت الى دولة دينية، موضحا انه "لا بأس من الأخذ بالشريعة الإسلامية، لأن القرآن الكريم يتضمن القواعد التي تصلح لكل زمان ومكان، وتطبيقها يعني الحصول على الدولة المدنية من الطراز الأول، لكن هناك اشكالية في الفهم المحايد الدين".وبين الجاسم انه "تم تقديم 396 اقتراحا بقانون منذ بداية دور الانعقاد الحالي حتى أبريل الماضي، من بينها 4 مقترحات يزعم أصحابها أنها مستمدة من الشريعة الإسلامية، فضلا عن تقديم مقترح تعديل المادة 79 من الدستور"، مضيفاً "لا أرى أي مبرر للهلع أمام محاولات بعض النواب لتبرئة ذمتهم أمام الله وناخبيهم كما يعتقدون بتقدمهم بهذه المقترحات التي يجب ان تحظى بمناقشة موضوعية بغض النظر عن مصدرها".تفسير النصوصبدوره، قال رئيس جمعية الخريجين سعود العنزي انه "منذ 1400 سنة والمسلمون في خلاف على تفسير النصوص الدينية، وأعتقد ان الدولة ليس لها دين، لأنها لا تصلي ولا تصوم ولا تدخل الجنة والنار، وأختلف مع من يقول ان للدولة دينا"، مضيفا: "علينا ان نقلق كثيراً، فكل القوانين المقدمة يجب ان تمر عبر الشريعة الاسلامية كما تفسرها القوى الدينية المهيمنة اذا تم اقرار تعديل المادة 79 من الدستور".وبين العنزي أن "المقلق الآن ليس تعديل المادة 79، بل لو تمت مراجعة المناهج الدراسية لوجدناها تتبع منهجاً واحداً يلغي جميع الآراء الدينية المخالفة للفكر السائد"، متسائلاً: "ماذا سيحصل في حال استطاعت جماعات التيارات الدينية السيطرة على السلطة؟".وأوضح أن "الدولة المدنية اتاحت لنا ان نجتمع مع من نختلف معه، لكن إذا سيطرت النماذج الدينية على الدولة فستقصي جميع من تختلف معهم وتضعهم في خانة الكفر، ولن تنتهي بذلك، ففي نهاية مطافها ستلتفت الى أبناء جلدتها"، معرباً عن رفض جمعية الخريجين رفضاً قاطعاً لأي تعديل في الدستور في هذه الظروف، "لأننا نخشى الصفقات التي يمكن أن تعقد من تحت الطاولة".التفافبدوره، رأى الكاتب أحمد النفيسي ان تعديل المادة 79، جاء التفافا على تعديل المادة الثانية من الدستور، بعد ان اصطدمت التيارات الدينية بمسألة توارث الإمارة، موضحا ان هذه المحاولة أتت "للدخول على تعديل الدستور من باب المادة 79، ما يعني تحول التشريع من الدستور إلى الإفتاء الذي سيخضع للتيارات الدينية والسلطة".وزاد النفيسي بأن "خطورة تعديل الدستور الحالي يجب ان تقاوم بدون إطالة في البحث عن التفاصيل، فالتيارات الدينية في بداية وصولها للأغلبية مارست جميع صلاحياتها لمحاولة السيطرة على السلطة في الكويت"، لافتا الى ان "الدستور الكويتي في خطر اذا ما راودت السلطة افكار الاستفادة من هذه التحركات والولوج في صفقات مع التيارات الدينية، في ظل الافكار التي ظهرت في الكويت مثل تأجيج النعرات الطائفية والعنصرية التي ساهمت في وصول مثل هذه الفئة من النواب إلى المجلس". من جهته، تساءل الناشط د. عبدالملك التميمي: "هل لدينا قوانين ضد الشريعة الاسلامية؟ فإذا كان هناك نشاط نحو أسلمة القوانين فيجب ان نعرف هل هناك قوانين تتعارض مع الدستور"، وتابع: "ماذا عن الاختلاف بين المذاهب والطوائف اذا نجح المسعى لتعديل المادة 79؟ فهذا يعني الانتقال إلى تعديل مواد اخرى حتى نصل إلى تعديل مواد نظام الحكم".الانقلاب الفضيبينما اعتبر رئيس جمعية الدفاع عن الدستور المحامي عبدالكريم جاسم ان "ما تشهد الساحة السياسية في الكويت هو تحول من الأيديولوجية الليبرالية الى الدينية، وهو أمر لا يأتي الا عبر طريقتين، الأولى عن طريق الثورات كما حصل في الثورة الإيرانية إبان حكم الشاه" فضلاً عن عدد من الشواهد الأخرى، جازما بأن "هذه الطريقة لن تحدث في الكويت"، والثانية تعرف بـ "الانقلاب الفضي" وتأتي عن طريق تعديل القوانين الدستورية بالتدرج.بدوره، قال الكاتب الناشط عبدالمحسن مظفر "اننا بحاجة إلى جلسات متواصلة لعرض الموضوع وتعبئة الشارع، وان المتقدمين باقتراح تعديل المادة 79 من الدستور ليس هدفهم إلا أبراز أنفسهم في المجتمع، وإيصال رسالة للجميع بأنهم موجودون"، مضيفا انه "مرت قوانين كثيرة بعيده عن الديمقراطية، كما حصل في تعديل قانون الجنسية وقانون تغليظ العقوبة للمسيء على الرسول".وأعرب مظفر عن أسفه "لتضامن السلطة منذ سنوات مع مثل هذه التيارات، حتى هيأت لها الأجواء للسيطرة على المجتمع، وحصلت على مقاليد السلطة"، لافتا الى انه كانت "هناك هيئة لاستكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية منذ عقدين من الزمن، ومع ما يصرف عليها من أموال لم نسمع يوما، أنها وجدت قوانين تتعارض مع الشريعة".إلى ذلك، قال الناشط د. أحمد الكندري ان "التيارات الدينية تعتقد ان نجاحها يكمن في إقامة دولة الخلافة"، موضحا "يجب علينا أن نعي ان المشكلة تكمن في المجتمع العشائري الذي نعيش فيه لا في الدين".وأشار الكندري إلى ان "كل المجتمعات تقوم على الاقتصاد، ونحن لدينا اقتصاد وحيد وريعي بين يدي السلطة، وبمثل هذا المقوم الوحيد لا يمكن لنا ان نتطور، ويجب ان نفعل الدستور قبل التعديل، ويجب ان نعمل على تعبئة الشباب ونطالب بالتفعيل قبل التعديل".فزعةبدوره، قال النائب السابق د. خالد الوسمي إن "الدولة الدينية ترفض أي دين آخر كما هو حاصل في إيران وإسرائيل" مبيناً "لسنا ضد المتدينين لأن هذه علاقة بين الشخص وربه، لكننا ضد من يتخذ من الدين وسيلة للوصول إلى مبتغاه، ونحن لسنا ضد الطائفة ولكن ضد الطائفيين، ونحن لسنا ضد القبيلة ولكن ضد الفكر القبلي"، مطالبا برفع شعار "الفزعة" لتشكيل جمعية وطنية ديمقراطية تقدمية تدعو إلى برنامج وطني يقف ضد مثل هذه التحركات.وأوضح الوسمي "ربما يتساءل الكثيرون عن سبب سكوتي طوال السنوات الفائتة، وقد تكون إجابتهم أنني أصبت بالخوف، ولكن في الحقيقة سبب سكوتي هو التراجع الذي نحن فيه عن السابق"، مستدركا بالقول إن "الدولة المدنية ليست ضد الدين بل تشجع الدين، فالدولة لا دين لها، والتيار الاسلامي لديه اليوم 650 منبرا عبر المساجد، ونحن لم يكن لدينا سوى نادي الاستقلال، وتم تحويله الى نادي ذوي احتياجات خاصة".إسلام العدالةأما النائب السابق عبدالله النيباري فرأى أن "نظام الكويت نموذج رسمه الدستور لدولة مدنية تحكمها المؤسسات وقوانينها، ولا يمكن ان تكون إلا دولة مدنية، ولا يمكن ان تتحول إلى دولة دينية، ولم نر ممن يرفعون الشعارات الإسلامية أحدا تقدم بما ينفع المسلمين"، مضيفا "اذا كنا نريد تطبيق الإسلام فعلينا ان نطبق العدالة، وليس الإسلام في لباس النساء، وتطبيق منع الاختلاط في الجامعات".وأشار النيباري إلى ان "الكثير منا يعلم ان ما يطرح ضمن شعارات السياسية الدينية بعيد كل البعد عن الخط السليم في بناء الوطن واستغلال موارده، ما سيدخلنا في صراعات عقيمة تنهك الجميع"، مبيناً انه "اثناء الغزو وبعده كانت هناك لقاءات مع التيارات السياسية تمخضت عن وثيقة متفق عليها بأن نموذج الكويت هو الذي رسمه الدستور، وأنها دولة وطنية لا جزء من دولة الخلافة الاسلامية التي يطمح إليها اصحاب التيارات الدينية".وأوضح ان "المطروح من تعديلات دستورية هو شعار للصراع السياسي في وقت نعيش لحظة الجانب الإيجابي، وهو انه للمرة الأولى نحصل على أغلبية نيابية"، مستدركا بالقول "هي عربة يجرها الحصان المتطرف والمتشدد حتى يدخلنا في قوانين و قرارات غير مدروسة، فنحن أمام موضوع تعديلات دستورية دون دراسة"، مؤكداً ان النظام الدستوري يهدف إلى إقامة دولة مدنية وديمقراطية تديرها مؤسسات وفق القانون.تعديل نحو الحرياتمن جهتها، رفضت الناشطة رانيا السعد "ألا يكون هناك اي تعديل للدستور" مضيفة: "نحن مع التعديل ضمن المزيد من الحريات، وعلى بعض الليبراليين ان يكونوا مع التيار الرجعي في رفض التعديل على الدستور، ولا يمكن لنا ان نجحف التيار الإسلامي بشكل كامل".في حين رأت أمينة سر الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية لولوة الملا أن "الخوف والرعب أتى للجميع منذ الوهلة الأولى لفرز الانتخابات، وما اخرجته من نتائج" لافتة إلى أن "علينا دعوة الشباب إلى المشاركة في ردع مثل هذه التحركات، لأن الأحزاب الإسلامية لا تريد للكويت التقدم من خلال مطالبها، بل تطمح إلى التكسب الانتخابي، وقد سمعنا بالأولويات ولم نجدها". العنزي: 50 سنة كافية لمعرفة اتجاه التعديلأعرب رئيس جمعية الخريجين سعود العنزي عن خشية الجمعية أن يفتح تعديل الدستور "باباً لا نضمن أن تمر منه التعديلات الإيجابية فقط، لاسيما في ظل هذه الظروف وتشكيلة المجلس الحالية"، لافتاً إلى أن "الخمسين سنة الماضية كافية لمعرفة الاتجاه الذي يمكن للسلطة أن تأخذه إذا ما فتح الباب للتعديل".وقال العنزي لـ"الجريدة" عقب الندوة: "لسنا ضد فكرة التعديل أو مبدئه، فهذا أمر لا خلاف عليه إطلاقاً، كما أن بعض الأفكار المطروحة لتعديل الدستور جدية، وتنسجم مع التطوير الديمقراطي المنشود، بل إن هناك افكاراً أخرى كثيرة يمكن أن تقدم لتطوير الديمقراطية الكويتية".وأضاف أن "حكومات متعاقبة حاولت العبث بالدستور، سواء بتشكيل لجنة لتنقيحه أو حل مجلس الأمة بشكل مخالف للدستور، وكذلك إنشاء المجلس الوطني وإلغاء مجلس الأمة، فضلاً عن استخدام الأغلبية النيابية لتمرير قوانين مخالفة ومتعارضة معه، لذا نحن قلقون جداً ونتمنى ألا يفتح الباب في هذه الظروف".