جرأة دانيال دي لويس في تجسيد لينكولن

نشر في 18-11-2012 | 00:00
آخر تحديث 18-11-2012 | 00:00
No Image Caption
بذل دانيال دي لويس لفترة طويلة قصارى جهده ليتفادى دور أبراهام لينكولن. صحيح أن هذا الممثل التقى ستيفن سبيلبرغ لمناقشة فكرة تقديم دور الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة، لكن ذلك حدث قبل عشر سنوات. وقد تابع دي لويس، المتحدر من أصول أيرلندية والمولود في لندن، مسيرته المهنية منذ ذلك الحين، ناسياً هذا الدور. فلم يستطع تخيل نفسه بلحية طويلة وقبعة أسطوانية، مقدماً دور ذلك المحامي الذي أصبح رئيساً في عهد مزقت الحرب الأهلية البلاد.
يتذكر دي لويس وهو جالس قرب سبيلبرغ على أريكة في أحد فنادق لوس أنجلس، متحدثَين عبر Skype: «عقدنا اجتماعاً ممتعاً. كان همي أن التقي ستيفن بحد ذاته. فما كان أي جزء مني ليرضى أداء هذا العمل».

بعد لقائهما الأول، بعث دي لويس برسالة إلى سبيلبرغ أوضح له فيها الأسباب كافة التي تجعله غير مناسب لتقديم دور ليكولن. يذكر سبيلبرغ: «كانت رسالة الرفض الأجمل والأبلغ التي تلقيتها. وما زلت أحتفظ بها». يضحك دي لويس الحائز جائزتَي أوسكار (My Left Foot وThere Will Be Blood)، ويقول: «ظننت في البداية أن هذه فكرة غريبة. قد تكون مناسبة لممثل آخر، ممثل من خارج هذه الأمة. لا يعود رفضي إلى أنني لا أودّ مواجهة المخاطر التي يحملها هذا الدور. ولكن من الضروري أن تكون المخاطر على قدر الفوائد. لا أرغب مطلقاً في المشاركة في فيلم لا يمكنني حقاً أن أنجح في تقديم قصته وأن أعود بالفائدة على المخرج من خلال ذلك. لم أفهم مطلقاً ما يمكنني أن أقدمه لسبيلبرغ». لكن هذا الأخير يقاطعه موضحاً: «ولكن من حسن الحظ أنني أدركت ما يمكنه تقديمه».

لا شك في أن الحظ حالفهما، فأداء دي لويس في فيلم «لينكولن» أعاد إلى الحياة أحد عمالقة التاريخ الأميركي بطرق مميزة وغريبة. ومن المؤكد أن هذا الدور سيضمن لدي لويس ترشيحاً جديداً لجائزة «أوسكار».

يعبّر جوزف غوردن-ليفيت، الذي أدى دور ابن الرئيس روبرت، عن رأيه في العمل مع دي لويس، قائلاً: «أداء دانيال مذهل حقاً. أمر غريب، لم يسبق لي أن رأيت ممثلاً يقدّم عملّه بهذه الطريقة... فقد خُيّل إلي أنني أتحدث فعلاً إلى أبراهام لينكولن».

أشهر الأزمة

كان سبيلبرغ قد قرر استخدام كتاب المؤرخة دوريس كيرنز غودوين، Team of Rivals: The Political Genius of Abraham Lincoln، إلا أنه قرر لاحقاً التخلي عن هذا الرواية، التي تشكّل سيرة ذاتية مفصّلة تتتبع مختلف مراحل رئاسة لينكولن، دامجةً سنواته في البيت الأبيض مع كل معركة من المعاركة التي دارت بين قوات الاتحاد وقوات الكونفدرالية. لجأ هذا المخرج إلى توني كوشنر، كاتب Angels in America الذي تعاون معه في فيلم Munich. طلب سبيلبرغ من كوشنر وضع سيناريو مختلف، مركزاً على أشهر الأزمة بين عامَي 1864 و1865، حين استخدم الرئيس ثقله السياسي كله لتمرير التعديل الثالث عشر، الذي وسم نهاية العبودية في وقت كانت فيه الحرب لا تزال مستعرة.

يشير دي لويس (55 سنة): «أثار سيناريو توني اهتمامي في الحال. لكني أعجبت به كشخص لن يشارك في هذا العمل. تمكنت من رؤية القيم الجميلة التي تحملها القصة، إلا أنني لم أقتنع بالمشاركة في تقديمها».

إذًا؟ ما الذي أقنع دي لويس أخيراً بأداء دور لينكولن؟ يجيب مبتسماً: «نفدت حججي. أعدت النظر في أسباب رفضي كل منها على حدة. يمكنني أن أعدد الكثير من الأسباب، لكن على الممثل في النهاية أن يختبر قوته... التقيت ستيفن وتوني في أيرلندا لمناقشة سيناريو توني قبل سنة من بدء التصوير. كانت تلك لحظة بالغة الأهمية بالنسبة إلي لأني تجرأت على الاقتراب أكثر من هذه القصة... أخيراً، قرأت كتاب دوريس. ومن خلال هذا العمل المتقن الذي لا يتناول لينكولن فحسب، بل أيضاً الزمن الذي عاش فيه والأشخاص الذين أحاطوا به، شعرت، على ما أعتقد، أن من الممكن تقديم هذه الشخصية كإنسان، لا كرمز أسطوري».

في فيلم لينكولن، الذي تشارك فيه أيضاً سالي فيلد (في دور السيدة الأولى ماري تود لينكولن) وتومي لي جونز (ثاديوس ستيفنز، ممثل بنسلفانيا الجمهوري المتشدد في الكونغرس) وجارد هاريس (يوليسيس إس. غرانت)، يصف سبيلبرغ مزيج المفاوضات والتسويات ومناورات الأخذ والرد في الكونغرس لتمرير القوانين. يناضل الرئيس لجمع الأصوات الضرورية ليلغي الرق، مستعيناً بأعضاء مجموعات الضغط لاستمالة الديمقراطيين الذين يترددون في دعم هذا القانون. ويبدو أن هذه الأوضاع لا تختلف كثيراً عما تشهده واشنطن اليوم.

لنتذكر أن لينكولن عيّن الشخص الذي ترشّح ضده عن الحزب الجمهوري، ويليام سيوورد، في منصب وزير خارجيته. في الحقبة الراهنة، عيّن الرئيس أوباما المرشحة التي سعت إلى تمثيل الحزب الديمقراطي، هيلاري كلينتون، في منصب وزيرة الخارجية.

يقول سبيلبرغ: «التاريخ يكرر نفسه فعلاً، لكني أفكر بمصلحة العملية السياسية والعملية الديمقراطية في بلدنا... يثبت هذا الوضع طبيعة نظام الحكم العجائبي الذي كان يطبّقه آباؤنا المؤسسون... كانت تلك المقاربة كلها ترتكز على ذكاء عميق. ما زلنا ندير مختلف شؤون الحكم بالطريقة نفسها اليوم. لا تزال الخلافات قائمة بيننا (إما أن تحصل الحكومة على صلاحيات مفرطة وإما ألا تحصل على صلاحيات كافية)، وستستمر تلك الخلافات في شأن دور الحكومة في حياتنا الشخصية... لكن لا تزال المبادئ الأساسية التي تحكم نظامنا القضائي وديمقراطيتنا فاعلة بعد هذا الوقت كله».

خصوصية

ربما يرغب داي لويس (مع أنه ليس مواطناً أميركياً) في أن يمرر المشرعون قراراً في شأن الحق في الخصوصية حين يتناول الفرد غداءه مثلاً. خلال فترة إنتاج فيلم Lincoln الذي صُوّر في الخريف الماضي في فرجينيا وواشنطن، تم تصوير الممثل خارج دوام العمل وهو يتناول الطعام وحده في مطعم بعيداً عن موقع التصوير، لكنه ظهر باللحية التي يستعملها لأداء شخصية لينكولن.

وصلت الصورة إلى مختلف مواقع الإنترنت، وهكذا ظهر فجأةً في كل مكان وهو يرتدي بنطلون جينز وبلوزة زرقاء ذات ياقة عالية تحت عنوان «أبراهام لينكولن يأكل سندويتشاً».

يقول داي لويس الذي شعر بأنه تعرض للخداع حين علم بأمر الصورة: «هكذا هو شكلي في الحقيقة. أنا لم أكن أرتدي أي زي. بطبيعتي شخص متحفظ. لا أستطيع تغيير ذلك. هكذا أكون بغض النظر عن العمل الذي أقوم به. لكن تحصل مفارقة مشتركة مع عدد كبير من الممثلين أو الفنانين: قد لا نشعر بالارتياح في الأماكن العامة. من الغرابة أن يختار أحد أسلوب الحياة هذا. ربما نشعر بالراحة خلال العمل أكثر مما نفعل عند تواجدنا في الأماكن العامة. في مطلق الأحوال، أشعر بأن ما نقدّمه ونتمناه هو أن يستمتع الناس بالأفلام... من حق الناس معرفة كل شيء عن العمل وتفاصيله. لكنّ ما يحصل خلال العمل يخصّنا وحدنا. إنها تجربة عميقة وخاصة. في تلك اللحظة التي سمحتُ فيها لنفسي بالخروج لتنشق الهواء، وكانت لحظة نادرة جداً فعلاً، شعرتُ بأن ما حصل كان انتهاكاً فاضحاً بحقي. كان الأمر أشبه بخدعة خبيثة».

back to top