«عبدالله بحاجة إلى هواء»!

نشر في 20-10-2012
آخر تحديث 20-10-2012 | 00:01
 مزيد بن ثاري    تلقي نظرة خاطفة على عقرب ساعتها، كل شيء هنا يكون خاطفاً سريعاً، فهي لا تتسابق مع الوقت فقط، فطابور المراجعين الذي يزداد باستمرار دخل منافساً لها في السباق، مازالت ساعتها تشير إلى العاشرة والنصف مساءً، منذ 6 ساعات وهي على تلك الحالة، ملّ كرسيها منها ولو سمح له بالكلام لصرخ في وجهها مطالباً إياها بأن تريحه قليلاً من تلك الحمولة!

أطفالها على وشك النوم، وأعداد الطابور التي تنتظرها في الخارج اجتمعت على كلمة واحدة فقط وهي: لن تري أطفالك اليوم إلا وهم نيام، ذلك التحدي أجبرها على أن تختصر الوقت؛ لذلك قررت ألا تشخص كل حالات المرضى الواقفين خارجاً بالانتظار، قررت أن تشخص الحالات التي تستحق، وأن تستخدم حدسها وفطنتها مع الأشخاص المتمارضين لتختصر الوقت سريعاً.

 من بين الأعداد الكبيرة التي أنجزتها كان الدور ينتظر الطفل عبدالله الذي قال لأمه إنه ابتلع قطعة نقدية من فئة 50 فلساً، وحين سمعت الطبيبة قوله نظرت إليه نظرة خاطفة، ثم نظرت نظرة أخرى إلى عقرب ساعتها الذي مازال يلدغها كل ثانية مذكراً إياها بقرب موعد نوم أطفالها، ومن ثم نظرت إلى شاشة الكمبيوتر لتعرض لها أسماء الطوابير المنتظرة بالخارج، فاستخدمت حدسها مع عبدالله: طفلك بخير، والدليل أنه أتى بنفسه إلى هنا، اذهبي ونامي بجواره فهناك الكثير من الأمهات يتمنين أن يحتضن أطفالهن الآن في هذا الوقت تحديداً، ويلتحفن بعضاً من الراحة، ولن يأتي الصباح إلا وخرجت تلك النقود مع فضلاته.

- "ألا يوجد هناك تشخيص أو فحص؟"

- "لا... لا حاجة له بذلك".

ضغطت الطبيبة الزر ليظهر على الشاشة الخارجية رقم المريض الذي يلي عبدالله، عاد عبدالله إلى البيت وعاد الطابور في تلك العيادة للعمل، هناك مريض خارج وعشرة سيدخلون.

أخذت أم عبدالله بتلك النصيحة، لأنها تؤمن بأن النصائح إن أتت من طبيبة أو طبيب فهي صادقة، هكذا بالفطرة تولدت لديها تلك المعلومة، هي من المسلمات لديها التي لا تحتمل النقاش أو الطعن، الطوابير المتزايدة حالت دون حضور الطبيبة لأبنائها قبل موعد نومهم، فناموا قبل أن تصل إليهم.

حضنت أم عبدالله ابنها الوحيد عبدالله بقوة ونامت بجواره، رغم بكائه وشكوته من ألم في حنجرته إلا أنها أمرته بالنوم والأخذ بأوامر الطبيبة لكي يستيقظ بالصباح مشافى معافى، نامت أم عبدالله ونام عبدالله، استيقظت أم عبدالله ومات عبدالله مختنقاً جراء القطعة النقدية التي علقت بالقصبة الهوائية!

على من ستقع المسؤولية... على الطبيبة التي أخطأت تشخيص حالة طفل من أجل أطفالها؟

على تلك الطوابير التي كدسها الوطن بعللها أمام عيادة واحدة؟

على تلك الأم التي مازالت تستمع للنصائح وتثق بما يقال؟

على تلك القطعة النقدية التي اختارت طريقاً ليس طريقها؟

حين تتحول المسؤولية إلى كرة فإن الجميع يسعى إلى ركلها على الآخر معتبراً أن ذلك هو المخرج من مشاكلنا، فالمسؤولية التي لا يتحملها الجميع لا تحل، وإن حلت فإنها ستعود بعد فترة لأن ما حصل لها عملية ترقيع لجهة واحدة سرعان ما ستنكشف ثقوب أخرى تتسرب إليها المشكلات من جديد.

هامش:

تلك النهاية تمت المبالغة فيها لأننا اعتدنا ألا نتعلم إلا حين تصفعنا المصائب لتوقظنا من سباتنا الشتوي والصيفي... إلخ. فقد تنبهت أم عبدالله لاختناق ابنها وتم إسعافه.

back to top