على الغرب أن يستعد للعبة النهائية في سورية

نشر في 10-12-2012
آخر تحديث 10-12-2012 | 00:01
 ذي تيليغراف خلال القرن الماضي، زادت مدة الحروب الأهلية، فبين عامي 1900 و1944، كانت تدوم سنة ونصف السنة فقط، وبحلول عام 1999، طالت تلك المدة لتبلغ 15 سنة تقريباً. هل ستتحدى سورية (مثل الثورة الليبية التي دامت ثمانية أشهر) تلك النزعة وتنهي صراعها خلال سنتين؟ أم أن مصيرها سيكون مشابهاً للبنان المجاور، فيكون عبارة عن انهيار كارثي وبطيء من شأنه أن يزيد أعباء المنطقة لفترة طويلة في المستقبل؟

لا يزال الجواب غير واضح لأن نهاية سيطرة النظام على دمشق لن تكون نهاية القصة، فقد نشهد تراجعاً عشوائياً للقوات النظامية إلى خارج العاصمة باتجاه المرتفعات الشامية والسهول الساحلية. أو قد تتحول الحرب الأهلية إلى معركة بين الإخوة، فتبدأ المواجهة بين الفصائل الجهادية المعادية للأسد والثوار المعتدلين، أو بين الأكراد والسُّنة، أو بين ميليشيا وأخرى.

إليكم الأخبار السارة الآن: على الرغم من هذه الاحتمالات المزعجة، فنحن نشهد بداية نهاية سلالة الأسد التي تمثّل آخر نظام ملكي جمهوري في الشرق الأوسط، ويبدو أن الأحداث تتحرك بوتيرة أسرع من سياساتنا كالعادة.

في نهاية شهر نوفمبر، اعتبرت وكالة الاستخبارات المركزية أن الرئيس بشار الأسد أصبح محكوماً بالسقوط خلال ثمانية أو عشرة أسابيع، لكن بسبب تركيزنا على غزة منذ أسبوعين، أغفلنا عن انقلاب الوضع في سورية. بدأ الثوار السوريون من جميع الفئات يستولون على القواعد العسكرية بشكل يومي، فقد صادروا أسلحة ثقيلة مثل المدفعية والدبابات، وحصلوا على أسلحة متطورة لاعتراض الطائرات، وسارعوا إلى استعمالها لإسقاط طائرات ومروحيات.

حين يخسر النظام القواعد الجوية، فهو لا يفقد بذلك تفوقه الجوي فحسب بل يصبح في مواجهة حلقة مفرغة: ساهمت غنائم الحرب المأخوذة من إحدى القواعد في تسهيل الاستيلاء على قواعد أخرى. يعني هذا الوضع أن الثوار السوريين لا يكتفون الآن بمضايقة الجنود على حواجز التفتيش أو إطلاق النار على المواكب، بل إنهم أصبحوا قادرين على محاربة القوات العسكرية بفضل مجموعة من معدات الجيش النظامي. بعد أشهر من القتال غير الحاسم حول دمشق، تعرضت العاصمة لهجوم مكثّف. توقف نشاط المطار وغادر الدبلوماسيون التابعون للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة البلد وعوّض النظام عن عزلته عبر تعطيل شبكة الإنترنت. وفق صحيفة "نيويورك تايمز"، وصف الموفدون الروس الأسد "بالرجل الذي فقد كل أمل بالنصر أو الهرب". هو ليس الشخص الوحيد الذي يشعر بذلك: الأسبوع الماضي، انشق عن النظام المتحدث باسم الخارجية السورية جهاد المقدسي، وهو أرفع شخصية مسيحية رسمية. في الوقت نفسه، زار نائب وزير الخارجية كوبا وفنزويلا والإكوادور بحثاً عن مكان مناسب للجوء السياسي على الأرجح.

وسط هذه التطورات، يواجه الغرب صعوبة في الرد على ما يحصل، فبعد أن خرجت الولايات المتحدة من الشلل الذي طبع البلد خلال الموسم الانتخابي، ها هي تتخبط الآن لتحديد حجم الدعم المناسب للمعارضة وصحة تنفيذ تدخل عسكري. ذُعرت واشنطن في السنة الماضية حين أدركت حقيقة الانقسام بين الجماعات الثورية المعتدلة والمتطرفة ميدانياً. تفكر بريطانيا وفرنسا باحتمال توفير الأسلحة على اعتبار أن أهمية دعم الثوار المعتدلين تتفوق على المخاطر المطروحة. تشعر تركيا من جهتها بإحباط شديد بعد أن فشلت في ضمان فرض حظر جوي، وفي الوقت الذي يتخذ فيه الجميع قرارهم الأخير، قد تكون المعركة انتهت. يعني هذا التقدم العسكري غير المسبوق لمصلحة الثوار ضرورة أن نبدأ بالتفكير باللعبة النهائية، فيجب أن نتجنب الأوهام المتعلقة بحجم سيطرتنا على الوضع، ويبقى نفوذنا محدوداً للتأثير في وجهة الأحداث في سورية، لكن ثمة خطوات فاعلة يمكن اتخاذها.

 صحيح أن الأسد لن يكسب الكثير من استعمال الأسلحة الكيماوية، لكن تقوم الأنظمة اليائسة بخيارات غريبة، ففي السنة الماضية، أطلق العقيد القذافي سدىً صواريخ بالستية على المناطق التي يسيطر عليها الثوار قبل أسبوع من سقوط نظامه، وفي عام 1991، أطلق صدام حسين 42 صاروخاً على إسرائيل؛ لذا يُعتبر قرار حلف الأطلسي نشر نظام الدفاع الصاروخي "باتريوت" في تركيا خطوة حكيمة وحذرة.

لكن يتعلق الخطر الأكبر باحتمال أن تصل الأسلحة الكيماوية إلى الجماعات المتطرفة مثل "حزب الله" الذي كان يتدرب على مقربة من بعض مواقع التخزين، أو "جبهة النصرة" (فرع "القاعدة" في سورية). ما لم نتأكد من احتفاظ وحدات الجيش السوري بالأسلحة الكيماوية وسيطرتها الكاملة عليها، فقد نضطر إلى حراسة بعض تلك المخازن على الأقل أو نقلها أو تدميرها، وسيتطلب ذلك تدخل قوة أردنية بقيادة الولايات المتحدة وبمساعدة الثوار السوريين الموثوقين، وقد تلعب بريطانيا ودول أخرى دوراً معيناً على الأرجح.

إذا كان تدمير المخازن أو نقلها بسرعة أمراً مستحيلاً، فيجب أن تتولى القوات العربية مهمة حمايتها، وسيكون توسّع البصمة الغربية في هذا الملف عاملاً خطيراً وغير مقبول ويجب تجنب الأمر بأي طريقة.

في غضون ذلك، يجب أن نعيد التأكيد على عرض مخرج آمن للأسد، وسيكون هذا الخيار (ولو كان مستبعداً) أفضل من استمرار المعركة حتى النهاية وتحويل دمشق إلى أنقاض. يجب أن نفكر أيضاً بطرق لحماية الأقليات السورية (ولا سيما الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد) من احتمال إطلاق أعمال انتقامية مريعة. لكن لا يمكن ضمان ذلك على الأرجح إلا من خلال منع تفكيك القوات المسلحة السورية كما حصل في العراق في عام 2003، ويجب ألا نخشى أيضاً التحاور مع روسيا وإيران لمعالجة هذه الحالات الطارئة، ولا يمكن كسب الكثير من خلال تجاهل المخرّبين المحتملين. خلال الأشهر المقبلة، يرتفع احتمال أن يتعرض بشار الأسد للغدر، ويمكن أن يحصل ذلك من أقرب الناس إليه ضمن فريقه الخاص. حين يحدث ذلك، لا يحق لأحد أن يقول لم نكن مستعدين لما حصل!

* شاشانك جوشي | Shashank Joshi

back to top