Flight لم يكن مشروعاً سهلاً

نشر في 17-11-2012 | 00:01
آخر تحديث 17-11-2012 | 00:01
No Image Caption
كما يحصل مع أي طيار محترف يمضي حوالى 1600 ساعة في مقصورة الطائرة، يفهم المخرج روبرت زيميكيس معنى التأجيل والمطبّات والهبوط العاجل. لكن في ما يخص صناعة فيلم Flight، اضطر مخرج Forrest Gump إلى التعامل مع مجموعة مختلفة من المعطيات المتقلّبة: تتردّد هوليوود في السماح للأعمال الدرامية المعقّدة بالإقلاع.
بعد العمل في هذا المجال لأكثر من عشر سنوات، يُعتبر Flight أول عمل من فئة أفلام الحركة الحية التي يقوم بها زيميكيس منذ Cast Away في عام 2000، رهان غير مألوف بالنسبة إلى شركة «باراماونت بيكتشرز» التي موّلت ميزانيته البالغة 31 مليون دولار. كاد الإنتاج ينهار عشية التصوير بسبب شروط العقد.

ابتكر كاتب السيناريو جون غاتينز الخطوط العريضة لقصة Flight في عام 1999، لكنه شعر بالقلق خلال السنوات اللاحقة من ألا يبصر الفيلم النور. قال: «في هوليوود اليوم، لا يمكن صناعة فيلم يتناول أفكاراً وشخصيات معقدة مقابل ميزانية كبيرة».

يعرض الفيلم قصة ويب ويتيكر (دنزل واشنطن)، طيار مدمن على الكحول والمخدرات يكون المسؤول عن قيادة الطائرة خلال كارثة جوية. فهل كانت ثمالة ويب السبب في حادثة التحطم أم أن مهاراته الجريئة في الطيران ساهمت في تغيير مسار الطائرة وتخفيف حدة الاصطدام وإنقاذ حياة الكثيرين؟

للحصول على إجابة، يجب أن يبقى ويب صاحياً لفترة كافية كي يشرح للمحققين والمحامين (يشمل طاقم الممثلين دون شيدل وبروس غرينوود وميليسا ليو) حقيقة ما حصل حين سقطت طائرته. بعبارة أخرى، يبدو أن أكثر الأمور البطولية التي يمكن أن يقوم بها ويب هو الاعتراف بإخفاقاته الخاصة.

فيلم من السبعينيات

موضوع غير مألوف بالنسبة إلى أي فيلم معاصر (يعكس بشكل غير مباشر الأعمال الدرامية المنسية والغامضة من السبعينيات)، وجديد بالنسبة إلى شركة «باراماونت» التي خفّضت بشكل جذري نسبة الأفلام التي تنتجها في السنوات الأخيرة، ففضلت إنتاج مجموعة من الأفلام التابعة لسلسلة شهيرة مثلStar Trek و G.I. Joe وMission: ImpossibleوTransformers.

لكن حين أُعجبت «باراماونت» بسيناريو Flight وبميزانيته (علماً أن هذا العمل جعل واشنطن وزيميكيس يتخليان عن أجورهما المعتادة التي تبلغ ملايين الدولارات)، منحت حرية التصرف للمخرجين. قد تحصل الشركة قريباً على المكاسب التي تستحقها كونها وضعت ثقتها بهذا العمل. تشير استطلاعات الرأي الأولية التي ترصد آراء الجمهور إلى اهتمام شديد بالفيلم، ومن المعروف أن واشنطن لطالما نجح في أداء هذا النوع من الشخصيات الشائبة.

قال براد غراي، رئيس «باراماونت» ومديرها التنفيذي: «لا بد من البحث عن أعمال ناجحة وأفلام تحقق إيرادات عالية. لكن لا بد من إنتاج أعمال نهتم بها أيضاً».

لكن حبذا لو كان الأمر بهذه السهولة! خلال العقد الماضي، كان زيميكيس يعدّ أفلاماً حيث يتم تسجيل حركات الممثل عبر مجموعة من الكاميرات. أنشأ اختصاصيو الرسوم المتحركة حينها شخصية محوسبة استناداً إلى تلك الحركات. استعمل جيمس كاميرون خليطاً من الحركة الحية والرسوم المتحركة في Avatar واستخدم زيميكيس الأسلوب نفسه في The Polar Express في عام 2004، وBeowulf في عام 2007، وA Christmas Carol في عام 2009.

صحيح أن هذا النوع من الأفلام يحصد إيرادات عالية على شباك التذاكر (حصد Polar Express وChristmas Carol أكثر من 300 مليون دولار عالمياً)، لكن قد تكلّف هذه الأفلام 200 مليون دولار أو أكثر وقد يتطلب إنتاجها سنوات عدة. على صعيد آخر، يقلل بعض النقاد من أهمية الأفلام التي تركز على الجوانب التقنية أكثر من العواطف الإنسانية.

بدأت هذه الأنواع تتبخر من هذا القطاع، أقله في أعمال زيميكيس. فشل فيلم «ديزني»Mars Needs Moms (من إخراج سيمون ويلز) فشلاً ذريعاً في عام 2011 وأوقفت الشركة في الوقت نفسه عمل زيميكيس المقرر عن فرقة البيتلز Yellow Submarine.

ثم قرأ زيميكيس (61 عاماً) سيناريو غاتينز. قال المخرج: «لم أكن منشغلاً آنذاك، ولم أكن قد فكرتُ بخطط مسبقة للقيام بمشاريع من هذا النوع. لا أعبّر عما أريد فعله ولا أعلن أنني أريد صناعة فيلم موسيقي أو غيره».

في الصفحة العاشرة من سيناريو Flight، تعلّق زيميكيس بالقصة: «أثار فضولي مدى تعقيد كل حدث وكل شخصية. لا يمكن تصنيف الأشخاص بين طيّبين وأشرار بكل بساطة». شعر واشنطن بالحماسة نفسها، وهو كان قد قرأ السيناريو قبل سنة ووافق على المشاركة في العمل قبل الاتفاق مع أي مخرج أو شركة إنتاج». أوضح: «لم أعمل على مشروع مماثل. وبما أن غاتينز جعل الطيار محور القصة، فهو أضفى بذلك أقصى درجات الدراما على الإطلاق. لو كان ويب يعمل في مكتب بريد مثلاً، ما كان الفيلم ليصبح مثيراً للاهتمام بهذا الشكل».

خطرت فكرة الفيلم الأساسية على بال غاتينز (44 عاماً) منذ 13 عاماً حين كان يسافر من فرانكفورت، ألمانيا، إلى مدينة نيويورك. جلس إلى جانب طيار خارج دوام عمله ولم يعلم كاتب السيناريو في البداية سبب توتره حين علم مهنة الرجل الجالس بقربه. ثم خطرت على باله فكرة: كان الطيار رجلاً عادياً. قال غاتينز: «كنت أتصور أن يكون الطيار من نوع الأشخاص الذين قد يجازفون بحياتهم لأجل إيصالنا إلى وجهتنا بأمان. لكن ظهر هذا الرجل فجأةً كي يثبت لي أنه ليس كائناً خارقاً بأي شكل».

ثم أعدّ غاتينز مشهد الفيلم الافتتاحي واقتبس مشهد تحطم الطائرة من كارثة خطوط ألاسكا الجوية في عام 2000 على ساحل كاليفورنيا، لكن لم يصل المشروع إلى أي مكان. بعد أن أنتهى غاتينز من فيلم سباق الخيل (Dreamer: Inspired by a True Story) في عام 2005، طلب منه آدم غودمان (كان حينها رئيس الإنتاج لفيلم Dreamer في شركة «دريم ووركس») «كتابة عمل من قلبه».

منذ سبع سنوات، ما كان فيلم مثل Flight ليطرح مشاكل اقتصادية كما هي الحال اليوم (ما من أبطال خارقين أو دعابات جنسية أو عوامل جاذبة أخرى)، لكن كانت فكرة غاتينز مخيفة أكثر من 90% من أعمال أي شركة إنتاج.

جلب غودمان المشروع معه من شركة «دريم ووركس» إلى «باراماونت» وكلّف المنتجَين والتر باركس ولوري ماكدونالد بتنفيذ المشروع، وقد أمضيا أشهراً وهما يعملان مع غاتينز على السيناريو، لا سيما نهاية القصة التي مرت بتعديلات كثيرة ولكنها لم تصبح في نهاية المطاف كئيبة بقدر ما تصور كاتب السيناريو سابقاً.

وراء الكاميرات، تأمّل البعض أن يؤدي براد بيت أو جورج كلوني دور الطيار المضطرب. لكن لم يكسب الفيلم الزخم اللازم لفترة طويلة، وأمضى غاتينز سنتين تقريباً وهو يكتب سيناريو Real Steel. بدا مستقبل Flight قاتماً. أوضح غاتينز: «يصعب أن نصنع فيلماً مصنفاً للكبار فقط إذا لم يكن منخفض الميزانية».

قال باركس: «لا يمكن قراءة هذا السيناريو من دون تحليل عناصره». ثم قدم إيد ليماتو، وكيل واشنطن الراحل، السيناريو إلى عميله في عام 2010. لكن حتى بعد التزام واشنطن بالمشروع، لم ينطلق Flight فوراً. اجتمع الممثل مع غاتينز، لكنه أوضح بعد الاجتماع أنه يفضّل التعامل مع مخرج يتمتع بخبرة أكبر. بعد فترة قصيرة، حصل زيميكيس على السيناريو. لم يكن العمل على Flight قد بدأ بعد، لكن كانت البوادر إيجابية.

التحدي الأكبر

كان زيميكيس يدرك أن هوليوود تتجنب هذا النوع من الأعمال الدرامية، وكان يعلم أنه سيجد صعوبة في تمويل Flight حتى لو كان واشنطن مشاركاً في العمل. قال غودمان (رئيس الإنتاج في شركة «باراماونت»): «كان التحدي الأكبر يتعلق بكيفية جعل العمل يستحق التمويل». فكرت الشركة بجلب شريك مالي وأرادت رصد حجم إيرادات الفيلم في الأسواق الخارجية قبل التأكيد على التزامها النهائي، وهي خطوة غير مألوفة لتهدئة أعصاب المدراء التنفيذيين. وفق حسابات زيميكيس، كان هذا الفيلم الذي كلّف 31 مليون دولار أقل الأعمال كلفةً بين تلك التي شارك بها منذ Used Cars في عام 1980.

اعتبر زيميكيس أن الإنتاجات التي تشمل التقنيات المحوسبة منحته الأدوات اللازمة لتصوير Flight بسرعة وبكلفة متدنية، لا سيما عند تصوير مشهد تحطم الطائرة حيث استعان بخبراء رقميين كان قد عمل معهم في أفلام الرسوم المتحركة السابقة لتنسيق التأثيرات البصرية. كذلك، شملت تلك الأفلام خطوة تحضيرية تقضي بإصدار الفيلم بنسخة متحركة أولية (بهذه الطريقة، يمكن مشاهدة العمل مسبقاً).

لتخفيض التكاليف أكثر بعد، صورت شركة الإنتاج المشاهد طوال 45 يوماً في أتلانتا ومحيطها واستفادت من الحسومات السخية في ولاية جورجيا.

لكن تبقى هذه المناورات حيلاً تقنية وتنفيذية. هل سيتمكن زيميكيس من العمل مع ممثلين في مواقع تصوير حقيقية حيث يتوقف عن تحريك كاميراته وسط سحابة دخان (كما فعل فيA Christmas Carol) أو يعمد إلى إعادة تحريك أي شخصية بعد أشهر من انتهاء التصوير؟

اعتبر المخرج أن العودة إلى مشاهد الحركة الحية لم تكن أمراً غريباً: «يشبه الأمر ركوب دراجة هوائية». بحسب رأيه، حتى لو كان يملك إمكانات غير محدودة في مجال الحوسبة، لا يعني ذلك أنه لم يستطع فعل شيء لأن قوانين الفيزياء أعاقت عمله.

أوضح زيميكيس: «لم أشعر بالإحباط إذا لم أتمكن من تصوير لقطات معينة لأنني كنت مستعداً لتقبل الواقع». على صعيد آخر، استعد جيداً لمشاهد الحركة الحية عبر العمل مع ممثليه طوال ثماني ساعات يومياً على الأفلام المتحركة عبر الحاسوب مقابل تمضية دقائق معدودة في مواقع التصوير: «كنتُ مستعداً للمغامرة. شعرتُ بأني جزء من المشاريع الاستعراضية المعقدة منذ 10 سنوات».

قال واشنطن إنه شعر بحماسة حين وافق زيميكيس على إخراج العمل. بالإضافة إلى التدرب مع طيارين حقيقيين للتحكم بالسلوك في مقصورة الطائرة وأثناء التحدث عبر الراديو، أصغى واشنطن إلى كمية جيدة من التسجيلات الصوتية التي تحصل في المقصورة خلال حوادث التحطم، بما في ذلك موقف الطيار تشيسلي سولينبرجر الذي كان هادئاً بشكل لافت حين أنزل طائرة الخطوط الجوية الأميركية رقم 1549 فوق نهر هادسون في نيويورك في بداية عام 2009.

بطريقةٍ ما، ساهمت براعة سولينبرجر المدهشة في زيادة ثقة شركة «باراماونت» بالفيلم الذي لم يكن تصويره قد بدأ في تلك المرحلة. اليوم، بعد مرور 13 عاماً على ذلك، ها قد أقلع فيلم Flight أخيراً!

back to top